Culture Magazine Monday  26/11/2007 G Issue 224
فضاءات
الأثنين 16 ,ذو القعدة 1428   العدد  224
 
الشعر العلمي وترف التجريب
د. نوال بنت ناصر السويلم

 

 

يخوض حسن عجمي المشتغل بالفلسفة العلمية تجربة شعرية في ديوان أسماه (الشعر العلمي)

صدرحديثا عن الدار العربية للعلوم ط1، 1428هـ.

والديوان مجموعة نصوص قصيرة جداً مبنية على ضوء النظريات العلمية تبلغ المئة نص، وتشبه في كمها اللغوي ما يعرف بالومضة الشعرية، وبصرف النظر عن قضية التجنيس في هذه النصوص، سأتوقف عند مفهوم الشعر كما يتصوره حسن عجمي في هذا الكتاب/ الديوان!!

يقول حسن عجمي في لقاء صحفي معه مبينا رؤيته لأهمية العلم في الأدب: (الشعر العلمي هو الشعر الذي يبني نصه على أساس النظريات العلمية، فيعبر عنها بشكل غير مباشر؛ فعلى ضوئها يصوغ عباراته ومعانيه. وبما أن الشعر العلمي يعبر بشكل غير مباشر عن النظريات العلمية، إذاً يتجنب الوقوع في الشعر المباشر، وهذه فضيلة له. وبما أن الشعر العلمي يعبر عن النظريات العلمية، وبما أن العلم لديه معان، إذاً يتمكن الشعر العلمي من صياغة عبارات ذات معنى. وبذلك يتجنب العبارات الخالية من المعاني، وهذه فضيلة أخرى. العلم جزء من حياتنا اليومية، فنحن ننعم بالإنجازات العلمية وبفضلها نحيا حياتنا المعاصرة. لذا من الضروري أن يعبر الأدب والشعر عن العلم كي يتمكن من التعبير عن ذواتنا وحياتنا وعالمنا. وإذا لم يعبر الشعر عن العلم سيمسي لعبا على الكلمات كما معظم الأشعار المتداولة في السوق العربية. من هنا من الممكن كتابة الشعر العلمي ومن الضروري كتابته. فالشعر تعبير عن الحياة، والعلم جزء أساسي من الحياة). (1)

ويتهم حسن عجمي محمود درويش وأدونيس بأن في شعرهما عبارات فاقدة للمعنى ويتوقف عند قول محمود درويش في ديوانه (كزهر اللوز أو أبعد):

وأنت تسدد فاتورة الماء، فكر بغيرك

مَن يرضعون الغمام

وقوله:

يد تسكب البرق في قدح الشاي،

تحلب ثدي السحابة

يقول حسن عجمي: (لكن من المستحيل رضاعة الغمام وسكب البرق في القدح وحلب السحابة، هذا لأن هذه المفاهيم تختلف جذريا عن بعضها البعض فلا تجتمع في قانون ممكن أو علاقة ممكنة. فمثلا البرق لا يُسكب في القدح بل يستحيل ذلك، إنما الذي يُسكب هو السائل والبرق ليس سائلا، وبذلك مفهوم (السكب) يختلف تماما عن مفهوم (البرق) مما يجعل الجمع بينهما مستحيلا ومفتقرا لمعنى)(2)

ومن البين الذي لا يختلف عليه اثنان المجاز في قوله (يرضعون الغمام)، و(سكب البرق) فالصورة شعرية وموحية ومعبرة عن معنى الفاقدة للمعنى !!

إن حسن عجمي يقصي العلائق المجازية في لغة الشعر، ويحصر المعنى في حقيقة علمية ممكنة، حسب تصوره لمفهوم الشعر الذي يتأسس على نظرية علمية ! وعلاقة الشعر بالمعرفة وتوظيف المفاهيم واصطلاحات العلوم والفنون له رصيد في التاريخ الأدبي؛ ففي نصوص الشعر العباسي تأثر شديد الوضوح بالثقافات الفلسفية من يونانية وفارسية وهندية، كما سرت روح العصر العلمي في النسيج اللغوي للقصيدة الحديثة؛ فالشاعر المعاصر يتعالق في نصه مع مفهوم علمي يؤسس عليه معنى شعوري و يكشف في الوقت ذاته عن عمق ثقافته.

إذا البعد المعرفي ليس جديدا في النص الشعري، وما يكتبه حسن عجمي لون من ترف التجريب فالحقائق والنظريات العلمية في (الشعر العلمي) لا تشكل ظاهرة وسمة أسلوبية في نسيج النص، ذلك لأنه يبنى النص كله على مفهوم فلسفي وكأنه إعادة صياغة لمقولاته وآرائه الفلسفية دون مزجها بالذات فهي تبدو غاية لا وسيلة للتعبيرعن معنى أو شعور.

ولنتأمل قوله في نص بعنوان (المعرفة):

المعرفة بحث مستمر عنها

والإنسان بحث دائم عنه

لو كانت الأشياء محددة

لم تتكيف مع الظروف المختلفة

فزال بذلك عنها الوجود

الكون بحث مستمر عنه

يولد منا كما نولد منه. (3)

ويقول في نص بعنوان (الحقائق)

أيتكون الجسد من خلايا حية

أم من ذرات ميتة

أم من عزف أوتار

كل أوصاف الكون صادقة

لأن الحقائق

غير محددة. (4)

ويكتب القصيدة برموز رياضية؛ كقوله في نص بعنوان ( اللغة):

اللغة = الدين X العلم

العلم = التكنولوجيا

***

الفلسفة (5)

وتمضي نصوصه على هذا النحو قصرا واستدعاء فلسفيا وطرحا جافا من جراء عقلنة الموقف الشعري، ولا نقبض على شعور من وراء تلك الحقيقة الفلسفية، وتسري في معجمه اللغوي مفردات كهذه ( الثقب الأسود، الفوتون، الذرة، العدم، سرعة الضوء، الزمكان، الوجود، تعدد الأكوان، زوال الكون ،الانفجار العظيم، الأفكار الممكنة، الالكترون، القطط العلمية، الجسيمات، العوالم الممكنة، الجسيم المضاد ...إلخ).

إن الشعر إيحاء وتوقد عاطفة ! و شعرنة المصطلحات العلمية من دون استثمارها في التعبير عن معنى أو شعور أنتج نضوب العاطفة، وغياب الدفق الشعري، والتساؤل عن القيمة من التجريب حين يكون ترفا !!!!

هوامش

(1) جريدة القبس الأربعاء ،24 أكتوبر - 12شوال، 2007-1428 رقم العدد 1 2355

(2) جريدة الوطن القطرية 17-6- 2007م

(3) الشعر العلمي ،الدار العربية للعلوم، بيروت - لبنان، ط، 1، 1428هـ - 2007م، ص 78

(4) السابق، ص 82

(5) السابق، ص 68


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة