الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 27th February,2006 العدد : 142

الأثنين 28 ,محرم 1427

بنية المسلسل الدرامي التلفزيوني

.............. قاسم حول
في مائة وثمانية وأربعين صفحة شخص السينمائي قيس الزبيدي ملامح الدراما التلفزيونية في كتاب يحمل عنوان: (بنية المسلسل الدرامي التلفزيوني - نحو درامية جديدة) صادر عن دار قدمس للنشر والتوزيع في سوريا.
ومن خلال بحثه هذا أشار الزبيدي بوضوح تام إلى نهج المشاهدة التلفزيونية والعلاقة العضوية بين الصورة والمتلقي.
ليس ما قدمه قيس الزبيدي اكتشافا في المنهج العلمي لكتابة وتنفيذ المسلسل التلفزيوني وبالتالي فن التلفزة وتأثيره على إنسان العصر، لكنه من خلال دراسات كثيرة وفي شتى المجالات الدرامية والتقنية تمكن وبدرجة عالية من الموضوعية والسهولة الممتعة والجمال أن يقوم بعملية مونتاج فكرية وأدبية وصولا إلى فائدة غير عادية وغير قليلة على الإطلاق لا يستغني عنها أي مهتم بفن الصورة وتأثيرها في مسار العصر وبشكل خاص بعد انتشار الفضائيات التلفزيونية في عالمنا العربي. وقد أعطى من خبرته ونهج تفكيره ملامح العمل التلفزيوني من خلال تلك القراءات التي استنبط مضامينها في منهج كتابه هذا.
الفضائيات العربية اليوم شكلت زخما كبيرا في حياة الناس وهي تحتاج إلى عملية تطوير علمية لفن الإنتاج والإبداع لكي تكتمل صورتها ولا تصبح مجرد أداة تقدم بدون منهجية وبدون علمية أية مادة تتوفر بين يديها دون حساب الربح والخسارة الفكرية والفنية الجمالية. وبهذا المعنى يصبح كتاب قيس الزبيدي (بنية المسلسل الدرامي التلفزيوني) مدخلا هاما لتطوير العملية التلفزيونية الفضائية العربية.
الكتب الفنية المنهجية والعلمية بشكل خاص تفتقر إليها المكتبة العربية. فالطريق نحو العلمية والعمل وفق الأسس الصحيحة في الإنتاج الثقافي والإعلامي غير واضح المعالم، والجيد والمتميز فيه يكاد يكون محض مصادفة، وذلك لافتقار العاملين في هذا المجال إلى الخلفية الثقافية والمعرفة المنهجية للعملية الإبداعية. وهذا يشمل السينما والمسرح وأخيرا فن التلفزة.
لقد حقق المونتير والمخرج والكاتب السينمائي قيس الزبيدي في كتابه هذا ما يشبه النظرية الموضوعية التي تقود إلى المسار الصحيح. والمفردات التي جمعها المؤلف من خلال قراءة واعية استطاع وبحكمة المونتير الناجح أن يشكل منها منهجا علميا وسلسلا ليصل والقارئ إلى فائدة واضحة تغني معرفة المتخصص مثلما تغني معرفة المتلقي غير المتخصص. فعندما أخذ ألف ليلة وليلة نموذجا متميزا ومدهشا للمسلسل المكتوب والذي يحتوي كل عناصر الدراما والتشويق من خلال قدرة شهرزاد على شد شهريار لدرجة الحيلولة دون التوغل في جريمة قتل نسائه فإن شهرزاد كراوية ومنتجة ومخرجة تمكنت ببراعة غير عادية على صياغة الحكاية والقطع في نهاية كل حكاية ما جعلت شهريار يعدل عن جريمته كل ليلة طمعا في سماع بقية المسلسل، هذا إضافة إلى قدرة شهرزاد على تداخل الحكايات بشكل درامي دون الخروج عن الفكرة الأساس لكل حكاية.. هو أطول مسلسل غير ممل بل ومشوق جدا يتكون من ألف حلقة وحلقة. هذا النموذج للمسلسل التلفزيوني الناجح تلمسه قيس الزبيدي عبر الدراسات التي كتبت عنه عربيا وعالميا ليتخذ منه نموذجا في دراسة بنية المسلسل التلفزيوني.
وعندما يحلل الكتاب الطبيعة الدرامية للمسلسل التلفزيوني فإنه ينقلنا وبشكل عضوي إلى طبيعة التلفزيون من خلال نوع البرامج التي تعتمدها هذه الأداة الإعلامية والثقافية (وقد تم فهم التلفزيون كبرنامج مستمر وتم اعتباره مثل سيل من المتتاليات تقدم إلى المشاهد على شكل مسلسل من وحدات تتموضع زمنيا، لكنها تنتظم في أنواعها وفي أشكال برامجها وأنماط تقديمها وفق مبادئ دورية معينة: سيل من المحكي والمقدم الذي هو في بنيته الدورية أيضا متسلسل. ومع توسيع البرنامج تاريخيا ازداد عدد النمط من الإنتاج الذي يتضمن في بنية إنتاجه ما هو متسلسل من البرامج المنتجة).
التلفزيون في برمجته ذاتيا هو نوع من المسلسل الذي ينبغي أن تكون ثمة علاقة بين كل فقراته وحتى في نوع الإعلان المقدم وفي طريقة تقديمه وبعكس ذلك يصبح الخلل واضحا في شكل الفضائية التلفزيونية التي قد تفتقد إلى الهوية الفنية والجمالية، ولذلك نرى محطات فضائية هي موضوع اهتمام ومتابعة وثقة المتلقي ومحطات أخرى لا تحظى بهذا التجاوب ولا تضغط أصابع المتلقي على جهاز التحكم عن بعد نحو تلك المحطة.
التلفزيون جهاز نازف.. ينزف البرامج بكلفة عالية، ولا بد لهذه الكلفة من إدارة حكيمة تنظم العملية المالية.. ذلك أيضا يدخل في الطبيعة التلفزيونية وهذا ما يعرج عليه الكتاب. فالدخول إلى الجهات الداعمة هو جزء من عملية تنظيمية لها حساباتها المالية والأخلاقية. المالية باتجاه تقوية الإنتاج، والأخلاقية أن لا تجعل من العملية الإعلانية مبعث تذمر من قبل المتلقي.
وإذا ما رحلنا في الكتاب نحو اللغة التعبيرية للدراما التلفزيونية التي تشمل المسلسل والسهرة الدرامية وكل البرمجة التلفزيونية التي تعتبر بهذا الشكل أو ذاك بنية درامية في نهج تسلسلها وتقديمها، وأيضا عملية المونتاج، فإن الكتاب بفصوله يشكل وحدة واحدة وصولا إلى إبداع في فن الصورة إنتاجا وتقديما، لذلك فإن سعة الموضوع تصطدم بعنوانه الذي يبدو وكأنه مخصص لبنية المسلسل الدرامي التلفزيوني فحسب. إن مادة الكتاب هي أوسع من عنوانه، وقد جاءت أقل مما ينبغي أن تكون في حجم التوغل في تلك العناوين، فثمة موضوعات فكرية وفنية جمالية كبيرة لم تأخذ سوى صفحات لا تتعدى الثلاث أو الأربع في حين عناوينها مادة لبحث فكري وجمالي واسع.
صحيح أن الكتاب مركز جدا وليس فيه إنشاء كثير كما في كثير من الكتب العربية، ولكن في تقديري أن الكتاب هذا كان يمكن أن يكون مرجعا هاما لمادة التلفزة، ليس فقط المسلسل الدرامي ولكن أيضا في لغة التعبير التلفزيونية والسمع بصرية.
هذه الملاحظة لا تقلل إطلاقا من أهمية هذا الكتاب وهذا العمل الثقافي الهام. فلقد استطاع قيس الزبيدي أن يرصد التلفزة العربية التي يشكل المسلسل التلفزيوني والعمل الدرامي التلفزيوني مادة أساس فيها، ليس هذا فحسب بل إن النظرية الدرامية يمكن أن تنسحب على البرمجة وعلى البرامج السياسية من خلال فهم مشوق لعملية البناء وتسلسل الحديث والحوار والحكاية، وقصص ألف ليلة وليلة أحسن مثال يمكن أن يقرأ ويتخذ أسلوبا في المخاطبة التي تؤجل تنفيذ الجريمة، جريمة شهريار. فما بالنا ونحن نفترض أن كل مشاهدي التلفزيون ليس بينهم مجرما واحدا، وإن توفر مثل هذا المجرم على رأس سلطة أو في بيت من البيوت فإن التلفزيون يمكن أن يحول دون تنفيذ تلك الجريمة من قبله لو استطاعا أن نرتقي بالمسلسل والبرامج إلى مستوى ألف ليلة وليلة.
في جماليات المسلسل يقول الكاتب (غالبا ما تنشأ قواعد العمل الجمالي كتسويغ للأعمال الموجودة في وقت متأخر، وتظهر أحيانا بعد عقد من السنوات أو بعد عقود طويلة. وفيما يتعلق الأمر بدرامية وجمالية المسلسل، فقد تأخرت الدراسات حول خصوصية وطبيعة خلق أشكال مميزة مناسبة للتلفزيون كوسيط سردي جديد. ومعروف أن التلفزيون خضع في عملية تطوره لخدمة أهداف لم تكن فنية، تنامت في ظل ظروف الصناعة والإنتاج السائدة، ولعبت دورا بارزا في حرف مساره، كما وضعته تحت رحمة أهداف كانت تتعارض غالبا مع استراتيجية تطوره وقدرته على خلق تلك الأشكال الفنية المناسبة التي يمكن أن تنتج من عملية تطوره) الكتاب إذن يحمل أبعادا أكثر من أبعاد درامية المسلسل التلفزيوني. وبهذا الصدد وضمن فكرة واضحة في ذهن المؤلف كان يمكن أن يأخذ العنوان تسمية أشمل وأن يأخذ الكتاب عمقا أكثر توغلا في عناوينه المهمة كي يصبح بحثا أكاديميا وجماليا يضع أسس ونهج العملية التلفزيونية التي تعتبر بنية دراما المسلسل التلفزيوني فكرة في عملية الخلق الإنتاجية والإبداعية والتنظيمية وصولا إلى تلفزيون جميل بكليته وليس بأعماله الدرامية المتسلسلة فحسب. ومع ذلك فإن كتاب قيس الزبيدي المعنون ب(بنية المسلسل الدرامي التلفزيوني) عمل ثقافي هام كانت المكتبة العربية بحاجة ماسة إليه.


* سينمائي عراقي مقيم في هولندا
sununu@wanadoo.nl

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved