الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 27th March,2006 العدد : 146

الأثنين 27 ,صفر 1427

قصيدة (الوطن) في شعر بعض شعراء عسير

*علي فايع الألمعي:
والوطن في شعر العسيريين هو الحياة, إذ لاتكاد تفارق نظرة بعض شعراء عسير للشّعر من حيث أصله وغاية وجوده, كما أنّ قصائدهم تتّسق ونظرتهم للوطن, فالشعر هو الحياة, والحياة هي الوطن, ولعلّ نسبة الشّعراء العسيريين في تمثّلهم لهذا المعنى يعدّون قلّة من الذين كتبوا قصائدهم ضمن هذه الرؤية, إذ يأتي في مقدّمتهم الشاعر (علي عبدالله مهدي) في قصيدته (جزيرتي) حيث يقول:
أرض الجزيرة يا مناراً للهدى
أنت الجديرة بالغرام الغامر
أو لست سابقة لكلّ مغامر
يسمو إليك وفوق كلّ مكابر
أو لست رائدة لكلّ فضيلة
وتقدّم وتكاتف وتآزر؟

وهو بهذا يرسم ملامح الحبّ لوطنه إذ هو تعبيره الصّادق, وبوحه المكتوم داخل ذاته, وهو لآلئه وجواهره, ومع ذلك فهو يؤمن بعدم قدرة القصيدة لديه في ملامسة كلّ مشاعره, والتّعبير عنها, بل إنّ ما يكتبه لا يمثل إلاّ جزءاً يسيراً من هذا الحبّ وهذا الوفاء:

لو قلت ألف قصيدة وقصيدة

ونثرت كلّ لآلئي وجواهري

لم أبلغ الهدف الجليل وإنّما

هي خطوة في شاسعٍ متآزر

حسبي بأنّي واحد من أهلها

وكفاك يا حسناء قلب الشّاعر

كما أنّ المكان الذي يشكّل الوطن في شعر (محمد الزيداني) لايجد فكاكاً من هيمنة المكان (ألمع) إذ هو يعدّه الحياة بكلّ معانيها, فهو المفتون بسحره, لدرجة أنّ مجرّد ذكره يعدّ اخضراراً في حروفه, بل هو إلهامه الذي ينزف منه قصيده:

سرّ المحبّة أدريه وأعرفه
قرأته في ثراك الطّاهر العطر
سقيتنيه زلالاً في كؤوس تقى
زوّدتنيه سنا في الحلّ والسّفر
إذا أناجيك تخضرّ الحروف على
لسان لحني ويهمي الغيث يامطري

ولأنّ الوطن المكان في شعر (محمد الزيداني) فقد دفعته بواعث الصّبا لما يمكن أن يشكّل لحظات صفاء إذ كانت مفاتيح الحبّ تبدأ بالطفولة والأحلام, ليكون الانسجام بين الحياة بوصفها مسيرة وبين المكان بوصفه حافزاً على تلك الذكريات العطرة:

يا أنت يافجر أحلامي التي رقصت

على جبيني صغيراً أخضر النظر

ولعلّ مقاربة الحياة بالطفولة في قصيدته (ألمع الحبّ) تفسّر سرّ الارتباط, إذ تشكّل كلمة (أمّاه) داخل النصّ بعداً نفسيّاً يبعث الأمن والاطمئنان، كما تشكّل كلمة (الحضن) تفاصيل الوله والشّوق, وتخبر بأنّ هناك التصاقاً روحيّاً يمكنه أن يسحب من النّفس هيبة الخطر, ويمنع عنها تداخل المنغّصات التي تفجأ المكان لحظة الضعف والخور, لتكون هي (ألمع الحبّ) ملجأ نفسه, ومستقرّ روحه الآمنة لحظة اختلاط الأوراق, ولكونها آخر حصن يلوذ به:

يقول أمّاه ضمّيني فحضنك لي
كهف أفيء إليه ساعة الخطر
كم ذا يطاردني زيف فلا تدعي
بهارج الزّيف ترمي الصّفو بالكدر
ها أنت آخر حصن لي ألوذ به
يا وجه أولى معاني العزّ والظّفر
إليك صدق انتمائي في تجدّده
يظلّ كالطّهر في عينيك والحورِ

كما أنّ المبالغة الشّعريّة لدى (الزيداني) تأخذ مشروعيتها داخل النصّ, إذ يحاول تجسيدها في صورة امرأة تملك الحسن مضرب المثل, إذهي تقابل في حسنها الشّمس لحظة رسمها لمعالم الدروب التي تضيؤها وقد كانت الخيار الأوحد لدى الشّاعر إذ هي تغرف من بحر الماضي وصوره:

يكفي محياك حسناً أنّه مثلٌ

إليه يهفو جنان الحسن في خفرِ

تكاد ترسم منه الشّمس مقلتها

وتصطفيه اشتياقاً غرّة القمر

أمّا الحياة بمعناها الفلسفيّ فإنّ (إبراهيم طالع) يعدّ أكثر الشّعراء العسيريين قدرة على تجسيده, بل وتعميق صلاته الروحيّة والذهنيّة, فالمكان يعدّ لديه صفحات من التأريخ المكاني الذي تنتفي معه تلك الروابط التاريخية التي كتبت, حيث مثّلت قصيدته (تهامة) ملامح الوطن ابتداءً:

ألملم من تهامة كلّ معنى
وأغزل تربها غيدا ووالا
وأقرأ صفحة التاريخ فيها
فأعدم كلّ ما التاريخ قالا
أعاقر في مجاهلها زماناً
تجعّد عاشقاً تلك الجبالا
وأهملها ولم يعشق سواها
وغادرها محمّلةً سؤالاً
كأنّ الدهر لم يعرف مداها
ولم يغتل بأنيابٍ جمالا

وإذا بحثت عن سبب العمق الفلسفي داخل نصّ (إبراهيم) وجدته الحبّ العقلي الذي يرى الجمال في صورة فكر, ويتعاطى الحبّ في هيكل عقل, ويرسو بباب الجنان تارة, وبباب الجود أخرى:

رسوت بمرفأي جيمين فيها

فجنّات تبتّلت ابتهالا

وجود أنكر النكران إلاّ

لكلّ رذيلة ساءت وبالا

ولأنّ صفاء الحياة لايظهر جليّاً لدى الشّاعر إلاّ عندما تصفو نفسه, فتنعكس تلك الانطباعات على الكتابة الشّعرية التي تبادل المكان لغة الخطاب, فهي تسأل وتجيب, بل تفرض السؤال وتقلّب في ثنايا المكان عن إجابة مقنعة:

وياصفو الحياة صفاء قلبي
لماذا يخصب الخصب الرّمالا
وما ذنبي إذا كانت حياتي
تريد سهول آخرتي جبالا؟

ومع كلّ تلك الأبعاد النفسيّة والعقليّة, تبقى القصيدة لدى (إبراهيم طالع) تثير كثيراً من الجدل حول ماهيّة الشّعر؟.

لكنّ كتابة القصيدة لديه يمكنها أن تنزع إيمانه بأنّ الشّعر هو الحياة, لذا أخذ يبوح دون أن يسأل عن جودة البوح, ويكتب دون أن يتوقّف, كي يقرأ المكتوب, لكنّه داخل نصّه الشّعري لايعدم السّؤال:

سأهرق صفو أيّامي حزيناً
وأطلق خافقاً شاء النّزالا
فلن تتحمّلي عشقي وكوني
ولو أهدت ترائبك المُحالا

لتبقى القصيدة الوطنية العسيريّة تعزف على أنغام الوطن قصائد شعرائها الذين حشرتهم غنائيّة الوزن بين الكامل والوافر والرجز, إذ هي دلالات تشير إلى غنائيّة البيت, وغنائيّة الشّاعر, وغنائيّة المكان.

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved