الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 27th June,2005 العدد : 112

الأثنين 20 ,جمادى الاولى 1426

صدى الإبداع
النقد بالسياط 13
د. سلطان القحطاني
في الوقت الذي يُفترض فيه الحوار من كل الأطياف الثقافية والعلمية وغيرها من الأطياف، نجد الصوت العالي بأحاديته الممجوجة، ما يزال يغرِّد في أبراجه العاجية، ويصدر أحكامه التعسفية، ويناقض نفسه بين جملة وأخرى، متناسياً جهد المبدعين وسهر الباحثين، بل آراء الأولين، وإن كنت هنا لا أوافق الأولين على كل ما قالوا، من منطلقات التغير الزماني والمكاني، وأن كلا يُؤخذ منه ويُرد عليه إلا صاحب هذا القبر، كما يقول الإمام مالك، فقد قال الله فيه {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} (5) وكذلك الرسل من قبله، لكنني أتساءل عن بعض الشطحات العلمية، وإن كانت العلمية أكبر من أن تطلق عليها!! آراء أحادية في مفهومها، يقرأ صاحبها النص بعين واحدة، لعله يجد من يردد اسمه في المحافل، سواء وافقه أو عارضه، المهم أن يذكر هذا الاسم ولو من ضمن المجانين، أو التندر، لا يهمه ماذا يقال، سلباً أو إيجاباً، يعتقد أن ذلك من العبقرية الفذة التي ظهرت في هذا الزمان، ومن كان قبله كان على خطأ، أحكام متطرفة لا تبتعد كثيراً أو قليلاً من أحكام الإرهابيين الذين ينظرون إلى هذا المجتمع على أنه فاسد وهم الصالحون، فالمرأة مضطهدة وهو المنقذ لها من اضطهادها، فقد سلبها الرجل كل شيء حتى لغتها، والتراث عملة فاسدة من زمن لم يلتفت إليه أحد من قبل، والشِّعر العربي سبب في نكبات الأمة، بل هو الذي نكبها !! والشاعر العربي شحاذ كبير، والحضارة العربية الإسلامية مزيفة ولم يكن هناك حضارة بالمعنى الصحيح، فقد قلدوا علماء اليونان، أرسطو وأساتذته وطلابه!!
أمور ظهرت في هذا الزمان.. لا أدري كيف سمح أحدهم لنفسه بإطلاق هذه المقولات؟ هل يظن أن المتلقي بهذا الغباء؟ وإذا كان كذلك فهل إلى هذه الدرجة؟ أو أنه يعلم أن المتلقي غير ذلك، ولكنه مهووس بالسير على قاعدة (خالف تُعْرف) ربما جمع بين هذا وذاك، فقبل سنتين قرأت كلاماً في كتيب صغير في حجمه وعلمه لأحدهم، يقول فيه إن ابن زيدون لم يعشق ولادة بنت المستكفي، وأن والد ولادة لم يكن وجيهاً ولا صاحب مناصب في الدولة. وبالرجوع إلى المصادر الأصلية في الأدب العربي والأندلسي على وجه الخصوص لم نجد ما يؤيد هذا الزعم، وناقشنا هذا الموضوع مع الزملاء المتخصصين في الأدب الأندلسي والتاريخ، فنفوا هذه المقولة من أساسها. وأعجب من ذلك ما كتب عن صلاح الحجاج وعدله، مما جعل الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين يرد على هذا القول بالحجج والبراهين العلمية، فخرست تلك الألسن التي لم تقم حججها على دليل علمي. هذا أمر يهون من مجتهد متطرف، لكن الطامة (ليست الكبرى) من أستاذ في قسم اللغة العربية يلقي بحثاً في ندوة علمية يصرُّ فيه على أن الحنيفية لم توجد قبل الإسلام، وكنت حاضراً في هذه الندوة، ولا أظن المصطلح ينطبق عليها كما هو. وناقشت المتحدث بعد أن فرغ من حديثه، على أي دليل علمي استند في أحكامه الجائرة؟ وما كان منه إلا أن قال: إن الحنيفية التي تعرفونها كانت شكلية!! وعندما ناقشته في الآية الكريمة في قول الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } وأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يعبد الله على دين إبراهيم الخليل، قال: هذا موضوع يطول شرحه!!، وبالرغم من أنني من المؤمنين بحرية الرأي إلا أنني من الماقتين للأحكام السلطوية الصادرة من الصوت الأحادي، التي لا تقوم على دليل علمي. ولم تكن هذه الآراء على تطرفها بالجديد الذي يمكن أن يناقش، بل إن هذه الآراء القديمة قد قيلت في مناسبات بعضها مضى عليه أكثر من قرن من الزمان، وبعضها منذ عدة قرون، وأراد البعض أن ينسبها إلى نفسه ليقال عنه: (أتى بما لم تستطعه الأوائل). لقد قال الشعوبيون منذ قرون هذه المقولات، قالوا: إن العرب ليس لهم حضارة، وأن الذين علموهم الكتابة والقراءة هم الشعوبيون أنفسهم، ولا ننكر أن العرب استفادوا من الحضارات التي امتزج أهلها بالدين الإسلامي واللغة، وصدق هذا القول بعض العرب، ورددوا (العرب ظاهرة صوتية) مقولة أطلقها عبدالله القصيمي في ستينيات القرن الماضي، ولم يكن القصيمي يقصد بها الشعوب العربية، بل يقصد بعض الأنظمة في ذلك الزمان، وإن كان هناك ظاهرة صوتية فهم هؤلاء الذين يجلدون بسياطهم المزعومة جسد هذه الأمة التي اختارها الله تعالى لحمل رسالته إلى العالم كله. فهل هذه الأمة غير مؤهلة ليكون لها حضارة؟ ما أعتقد أن صاحب عقل يؤيد هذه المزاعم، وما أظن أن صاحب فكر علمي متزن يطعن في العلماء الأولين وفي أمانتهم العلمية، وهم الذين يضربون أكباد الإبل من مكان إلى آخر ليتحقق الواحد منهم من كلمة في حديث، أو جملة في اللغة، أو استشهاد ببيت من الشعر، كل هذه الجهود تختزل في جملة أو جملتين لأتفه الأسباب.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved