الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 27th June,2005 العدد : 112

الأثنين 20 ,جمادى الاولى 1426

أحاديث.. عبدالله الشباط

الأستاذ الشباط من أكثر أدباء المنطقة الشرقية نتاجاً وتأليفاً وكتابة، كان له في عالم الصحافة باع طويل، حيث إنه أصدر في عام 1375 (جريدة الخليج العربي) التي استمرت لست سنوات، وهو معني بالأكثر بأدب الخليج وقضاياه، فقد عرف بالكثير من الأدباء كما في كتابه (أدباء من الخليج العربي) وفي ميدان الأقصوصة كما في كتابه (حمدونه) وفي ميدان المقالة، وافتتاحياته بجريدته (الخليج العربي) تشهد بذلك، وفي ميدان الدراسات الأدبية والتاريخية كما في كتابيه (أبو العتاهية، وصفحات من تاريخ الأحساء) مؤلفاته تلك أضاف إليها نتاجاً جديداً، هذا النوع من الأحاديث (أحاديث بلدتي) الذي يأخذ طابع الحديث الحكائي كما في أحاديث الرعاة في الأدب الأسباني، ويأخذ الطابع الفلسفي مثل (أحاديث المائدة لأفلاطون) كهذا الذي يقدمه لنا الشباط ابن الأحساء وقد وضع الشباط لهذا النوع من الاحاديث الصورة التي تسمح له بالدخول في إطار الأنواع الأدبية، وترك للنقاد تقييمه والحكم له أو عليه.
وهذا اللون من الكتابة يضرب الى الوراء كثيراً، وإن كان لا يهتم له أحد من الكتاب بقدر ما اهتموا للأقصوصة والمقالة، وقديماً قالوا: (حديث خرافه)، حكايات (ألف ليلة وليلة)، وهذا النمط لا يعرف له مؤلف محدد، أما في العصر الحديث فقد طُبع حديث عيسى بن هشام، وحديث جدتي، وترجم بعض الكتّاب أحاديث الرعاة، وأحاديث المائدة.
إن أحاديث عبدالله الشباط صورة صادقة للدراسات الأنثروبولوجية لأنها تقف بنا على الماضي بكل أبعاده الاجتماعية والدينية والاقتصادية والتربوية والعمرانية.. وتعد عاملاً أساسياً في وقوفنا على تطورات النهضة، وفي الوقت نفسه وتعتبر دعوة الى الحفاظ على اللون المحلي والطوابع القديمة.
لم يشأ الشباط أن يقدم لأحاديثه تلك بمدخل نتعرف من خلاله على هذا اللون الأدبي، الذي يريد أن يقدمه بين يدي أحاديثه، أو يريدنا أن نلمّ به، على غير مألوفه في أعماله الأخرى، فقد كان يقدمها بنفسه، أو يقوم أحد أصدقائه بالتقديم لها، ولكنه في هذا الكتاب (أحاديث بلدتي) يقول: سوف آخذ هذه المقطوعة الشعرية (لنديم كسيت) لتكون مقدمة لهذه المذكرات، لأنها عبرت تعبيراً صادقاً عما كنت أنوي أن أقوله في المقدمة. إن هذه المقطوعة غير مفهومة للقراء العرب لأنها باللهجة الدارجة في المنطقة الشرقية، وهي تعتبر تقديماً للكتاب بالمعنى الصحيح الذي يقدم مضموناً أو تخطيطاً لما سيقوله الكاتب، لكنها تدور أيضاً حول البكاء على الماضي الذي اندثر، حيث تقول بعض سطورها:
وبيتنا طاح من حزنه
على ماضي لنا.. ولى
يحول بيتنا.. شارع
غدا للروحه والجايه
والصحيح أن حديثه الأول والثاني، هما المدخل أو التقديم لما يريد أن يقول في هذه القصيدة، لمن يريد أن يقف على مضمون الكتاب.
الحديث الأول: المعنون (شعور المحبين) ربط فيه بين الإنسان وبين الأرض، بين الإنسان ووطنه، بين الإنسان ومسقط رأسه، فلم يتحدث فيه عن موضوع من الموضوعات التي طرقها في جوانب الكتاب، ولكنه ركز على تبيان شعور الأشخاص نحو أوطانهم، وبيان هذا الارتباط الروحي الوثيق، الذي يعتمل في نفس الفرد أو الجماعة نحو بقعة معينة مهما كان وصفها وقيمتها، فهو يفتخر بها، ويعمل من أجلها ويضحي في سبيلها، استمع إليه وهو يذكرنا بقيس ليلى، وقد عاد إلى ديار مضارب خيام محبوبته ومساكنها، فلم يجد ليلى لأنها نأت عنها، ولم يجد الديار تنبض بالحياة، كما كانت من قبل.
وأحسب الشباط قد طغا من عقله الباطن شعر شوقي الذي وضعه على لسان قيس (أقبل ذا الجدار وذا الجدارا) فإذا بنا نرى الشباط يقول أيضاً: وددت لو أنطلق فأقبل كل الجدران جدران بلدتي القديمة، وأدس أنفي بين أحجارها أشم عبيرها الشذى، وددت لو أنطلق في الفضاء، محوماً حول مدينتي فأراها مجموعة أمام عيني ككل..).
ولكن التحول العمراني فجأة، والتطور الجديد نحو الحضارة الوافدة صدمه، فأخذ يقدم لنا مقارنة بين ما كان وما طرأ أنه حلم تبخر، الجدران الطينية تحولت الى كتل من الحديد والاسمنت والأديم القديم تحول إلى أسفلت والأزقة الضيقة تحولت إلى شوارع تمرح فيها المركبات والعربات الفاخرة، وكان التغير الجذري في ما طرأ (أصبحت مدينة أخرى بعد أن فقدت وجه الأصل لتلبس قناعاً من أقنعة المدينة والتطور..، هكذا تغيرت بلدتي).
والحديث الثاني: المعنون (لا تلمني) تعتبر بمثابة التقديم ويبين فيه الشباط ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: (الجانب الارتجالي في هذه الحضارة) استمعوا إليه وهو يقول: لقد كانت مدينتي فيما مضى وقبل أن يغزوها المد الحضاري الارتجالي، وقبل أن يتسرب إليها التطور المادي اللاإنساني.. كانت رغم شظف العيش، وبدائية الحياة، جنتنا على الأرض.
هل عنى الشباط جهل الأفراد، وقت انبعاث الطفرة، وعدم ترشيدهم، وتوعيتهم لوضع تخطيط لحياتهم؟ إن عملية التحول الاجتماعي تلك يرافقها قيام ظاهرة التمدن وهذه الظاهرة تنزع إلى التحول الكلي، والتطور الجذري من شكل المجتم ع التقليدي، إلى شكل المجتمع الجديد، وهذا التطور الحضاري، ونتاج التمدين، هو يختلف في جوهره وتنظيمه الفني والعمراني والاجتماعي عن المجتمع القديم، ومن هنا حق للاستاذ الشباط أن يشعر بالإحباط؛ لأنه أحس بفقدان كثير من حالات الاستقرار والصور التي ارتبطت بها حياته الأولى من قبل ثلث قرن.
النقطة الثانية: التي أثارها أن العادات والتقاليد والمعتقدات القديمة متشابهة بين جميع مدن المملكة (وأهل المدن كانوا متشابهين في العادات الحميدة والأخلاق السامية، كانوا متشابهين، وكان أهل بلدتي يشبعون سكان المدن الأخرى من حيث المشاركة في كل الظروف.. والمشاركة في كل الاهتمامات، وهذا شيء طبيعي بحكم وحدة الدين والعقيدة، ووحدة التاريخ. يقول الباحث الفرنسي (بدييه): إن التماثل والتشابه يمكن أن يكون في جميع أنحاء العالم نتيجة للظروف المناخية المشابهة.
النقطة الثالثة: التي ذكرها ما هي: (الترابط الاجتماعي، والاتحاد الأسري الذي كان في القديم من أقوى ما يمكن، ولكنه الآن فقد هذه الرابطة حيث كانت الأسرة تشكل وحدة داخل وحدة القبيلة، التي نسميها وحدة الحي، ويجسد الجميع وحدة المدينة في إطار وحدة الوطن.
مرقت الأحاديث الكثيرة من الموضوعات في مقدمتها: الموضوعات ذات الطابع الاجتماعي، الموضوعات العمرانية، فالموضوعات العقائدية، فالموضوعات التربوية، فالموضوعات التي تعنى بمقومات الحياة كالأمن الغذائي، فموضوعات التطبيب، فالموضوعات التي تهتم بصورة المرأة، فالموضوعات التي تعنى بالسلوك الإنساني، والجوانب النفسية.
أما من حيث المنهج فقد عني الشباط بتوضيح ما يؤديه الحديث من الكشف عن الأوضاع المحلية التي كانت سائدة في (بلدته) وهذا المنهج يوصف بالتحليل الوظيفي للتراث، كما أن هذا المنهج يركز على طبيعة القرية بعاداتها وتقاليدها، وطبيعة الإنسان الذي يسكنها بوصفه خلية عاملة، داخل دائرة اجتماعية يؤثر فيها ويتأثر بها.
في (أحاديث بلدتي..) نلمس في أسلوب الشباط البساطة والوضوح، فهو أقرب إلى حديث المقال الصحفي منه إلى حديث النثر الفني الذي يعتمد التقطيع، والمزاوجة ويتوسع في التشبيه والخيال ويبدو أنه اتجه فيه وبحكم عمله الصحفي الذي أخذ شطراً من حياته إلى جمهور القراء الذين لا يعنيهم البحث بل تستهويهم العبارة التي تنقلك إلى الفهم السريع لا سيما ونحن في عصر أصبح الناس يهربون فيه من الروائع والعراقة والأصالة والجزالة إلى اختصار، وفتح منافذ الثقافة الخفية في الكلمة، والمقالة، والخاطرة السريعة، فالعبارة المترفة، والتصنع الرصين، والبديع المفرق.. فلا، ولكن هذا كله لم يحل دون إحكام الصياغة ونصاعة العبارة.


الطائية

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved