الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 27th June,2005 العدد : 112

الأثنين 20 ,جمادى الاولى 1426

قصة قصيرة
مات جدي
عبد الله محمد الموسى
تكرر رنين الهاتف فقمت مفزوعا وإذا بها تحادثني وهي تحشرج باكية: مات جدي، حرت جوابا ولم تسعفني الذاكرة بتقديم العزاء المناسب، وبعد أن ذهبت ساعة الارتباك وجلست إلى نفسي بدأت أستعيد شريط الذكريات.
إنه لحدث ليس بالسهل ولكنه أمر حتمي تنتهي إليه حياة كل كائن حي.
مات ذلك الرجل المهيب ذو الأيدي الخشنة والأرجل الحجرية التي لا تهاب البرد أو الشوك. لقد كان عملاقاً في كل شيء، عاش حياته جاداً يسعى لكسب رزقه ورزق عائلته بشتى الوسائل الممكنة.
حارب من أجل الأرض ومع ذلك لم يستطع الوقوف أمام زحف المدينة وتهرب الأولاد وتبرمهم بحال الزراعة والمزارع.
ونهض العم إبراهيم وكان يومها قد دخل في عشر التسعين وتناول ما تيسر من الفطائر المشبعة بالسمن البلدي وألحقها بكأس من الشاي الأسود المدعوم بكمية كبيرة من السكر. فك رباط بغلته وقفز على ظهرها وكأنه شاب في العشرين من عمره.
ذهب كعادته للعزبة الشرقية وهي بعيدة بعض الشيء عن أراضي الكفر الذي يسكنه وتوجد فيه عزبة العائلة. سقى الأرض وجمع بعض الشوائب المحيطة بالبطاطس ونبتات الفول. ناداه جاره ربيع الذي لا يبعد بيته كثيراً من المزارع المستحدثة وطلب منه أن يشاركه تناول طعام الغداء. وبعد تمنع أجاب دعوة جاره نظراً لإصرار الداعي على المشاركة. أكلا ما تيسر من لحم البط والأرز المخلوط بالتقلية المكونة من الطماطم والسمن البلدي وشيء من البصل والبهارات والملح.
لم يفتهما الحديث عن الماضي وأيامه الحلوة المرة وهم يتناولون كأسين من الشاي ليس بأقل سوادا وسكراً من شاي الصباح الذي تناوله العم إبراهيم مبكراً مع الإفطار.
وقبيل المغرب عاد إبراهيم للكفر فوق ظهر بغلته ومعه بعض من بشائر الفول الأخضر الذي لن تمضي أيام قلائل حتى يبدأ قطافه.
اقترب من الوصول لمدخل الكفر ولكن عدم ازدواجية الطريق وتعجل بعض سائقي الحافلات وتلافيه الاصطدام بالحافلة المقابلة جعله يزحف بقوة وبعنف صوب العم إبراهيم وبغلته فقذف بهما خارج حدود الطريق.
نهض العم إبراهيم بسرعة قبل أن يلاحظ ما حدث له ولبغلته وأسرع لمقابلة صاحب الحافلة. وأمره بأن يركب سيارته ويذهب بسرعة قبل أن يأتي أحد من أهل الكفر للتعرف عليه.
حدثه صاحب السيارة: يا عم ألا تريد أن أذهب بك للمركز الصحي؟ ألا تريد.. وقاطعه العم إبراهيم: أقول لك اذهب بسرعة ستر الله عليك، ودعني أتدبر حالي بنفسي.
تجمع أهالي الكفر حول العم إبراهيم وواسوه في بغلته التي فقدت الحياة في الحال، نادى البعض على صاحب العربة الكرو التي تحمل السكان من داخل الكفر حتى مدخل الطريق العام وتعاونوا على حمله داخل العربة.
تجمعت العائلة حول كبيرها وأحضروا له أحد أطباء الكفر العامين الذي أعطاه بعض الإبر المسكنة ونصح بنقله لأقرب مشفى للتأكد من الكدمات التي توزعت على أنحاء كثيرة من جسمه.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved