الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 27th September,2004 العدد : 78

الأثنين 13 ,شعبان 1425

تأملات في كتاب
أميركا التي تعلمنا الديمقراطية والعدل.. (الكاوبويز) (44)
سهام القحطاني

(الصراع على القوة يستهدف فرض إرادة أو منفعة أو وجهة نظر في ماهو مفيد وعادل، وحين تخفق الوسائل الأخرى يلجأ الناس دوماً إلى الوسيلة الأخرى إلى العنف..) شينجلر
في عالمنا اليوم أصبحت القيمة تعنون بالغاية لا بالوسيلة.. فلم يعد يهم القيمة الأخلاقية للوسيلة ما دامت تحقق الغاية المطلوبة، فالعنف إن كانت غايته الحرية لا فرق حينها أن يحمل اسم الحرب او الانتفاضة أو الإرهاب أو الثورة.. والبغاء لا يظل خطيئة إن كانت ممارسته فوق السرير باسم الحب أو الصداقة أو الجاسوسية، والقتل لا يعد جريمة إن كانت غايته تطهير الآخر من دماء الشيطان، فالمعايير الأخلاقية غير مقبولة في السياسة، حينما تتعارض مع المصالح المرسلة وتصبح مقبولة، بل وقيم عندما تتوافق مع تلك المصالح، (فالفكر والأخلاق ليسا حاسمين لمسألة الحقيقة وقيمتها) بل الفعل والسلوك، كما تذهب الذرائعية، لست أنا من يقول ذلك، بل الواقع بطرائقه الإجرامية فالسياسة لا تلتزم بالأخلاق بقدر ما تلتزم بالعقل، والغاية عند العقل تعني المنفعة والمصلحة، والغاية هاهنا تفهمها أمريكا كما يفهمها جورج كيرنان (التفوق العسكري والاقتصادي الأمريكي) وحتى تتحقق هذه الغاية يجب أن نستغني عن العواطف وأحلام اليقظة.. يجب أن نوقف الكلام عن الأهداف الغامضة وغير الحقيقية، مثل حقوق الإنسان، والديمقراطية، إن هذا اليوم ليس بعيداً عن ذلك الذي كنا نتعامل فيه بمفاهيم القوة المباشرة، عندما لم نكن مشوشين بالصيحات المثالية التي تندد بالعنف كنا أفضل)، هذا يجب أن نقرأ ملف العنف والصراع الدموي والهيمنة في التاريخ الأمريكي ضد الشعوب الضعيفة وفق منطق الغاية، بداية من الهنود الحمر ووصولاً إلى العراق وسجن (أبو غريب).
كان الهنود الحمر يؤمنون بثلاث عشرة أسطورة هي بمثابة كتاب مقدس لهم.. تتحدث هذه الأساطير عن مجيء آلهة بيضاء من الشرق عبر أمواج المحيط، ستكون مخلصة لهم من جميع الشرور والخطايا، وبالتالي كانوا يجمعون قطع الذهب والمعادن النفيسة ليقدموها قرابين إلى هذه الآلهة المقدسة حال ظهورها.. لقد ظنوا أن وراء تلك الأمواج التي تغازلها الشمس وتحفها الغابات، ملائكة سيحملون إليهم رحمة الحضارة والخير والسعادة، كما آمن العراقيون بذات النبوءة، ولكن نبوءة الإنقاذ لا تحدث إلا عندما (لا يقتحم التاريخ العالمي شيء بطولي، وتتاح ثمة فترات لالتقاط الأنفاس، يأخذ فيها أرباب الشرور قيلولتهم) فرناو نعم جاؤوا ولكن لإبادتهم جميعاً.. وهكذا يتكومون فوق جثث أمانيات ساذجة تذكرك بقول الفرنسي توكفيل في كتابه الديمقراطية في أمريكا (أنقل ناظري فوق هذه الكتلة التي تفوق العد فوق أفراد متماثلين، هؤلاء الناس قد يكونون أحراراً فيزيائياً، غير أنهم مستعبدون نفسياً، إن لعبة هذا التحول إلى المساواة تجعلني حزيناً وبارداً كالثلج) والدرس يتكرر أيها السادة..
الغاية تبرر الوسيلة هي المعيار اللاأخلاقي التي تؤمن به أمريكا، والغاية منذ البدء إبادة الشعوب المشاغبة أو المناضلة أو تأديبهم، لتعليمها الحضارة أو تطهير العالم من شرورهم، وتطهير أمريكا من الهنود الحمر، هي غاية شريفة ومقدسة وفق الذهن الأمريكي، تنضم تحت لواء (واجب الشرف، ومهمة مقدسة وحتمية ضرورية، تعبيرات شائعة تفصل وتطرز كساء لمطالب القوة الأمريكية) ص 322 لذا شرع مؤسسو أمريكا بضمير ميت، قتل الهنود الحمر، فهم مجرد شعب من الشياطين والحيوانات المفترسة، تحت شعار (اقتلوا الهنود واسلخوا جلودهم، لا تتركوا صغيراً ولا كبيراً، فالقمل لا يفقس إلا من بيض قمل) شعار ردده جون شفنغتون الذي يعتبر من أعظم أبطال التاريخ الأمريكي) ص 331 إنهم أبطال ولأفعالهم ما يبررها أخلاقياً، فأعمال رجال التاريخ لها مبررها وفقاً لمبدأ باطني في مسار التاريخ لا تتعلق به الأحكام الأخلاقية، كما يقول هيجل، والمبرر في إبادة الهنود الحمر رضا الله (فما يرضي الله ويفرحه أن تزور هؤلاء الهنود وأنت تحمل إليهم الأمراض والموت.. إن إبادة الهنود هو الحل الضروري للحيلولة دون تلوث العرق الأبيض، وأن اصطيادهم واصطياد الوحوش في الغابات مهمة أخلاقية لازمة) ص 332 ، ومن أجل تحقيق هذه الغاية السامية شرّعت كل وسائل الإبادة الجماعية التي أفرغت (العالم الجديد من سكانه الأصليين، وقضت على أكثر من أربعمائة شعب وقبيلة تنتشر في الشمال الأفريقي) إن موت هؤلاء الأشقياء خير لهم من الحياة، كما يقول فرانك باوم في عام 1646م، صدر كتاب بعنوان: (العملاق) كتبه (يوردجاك) تضمن نصائح للقيادات الأنجلو ساكسونية جاء فيه: (إن إبادة الهنود الحمر والخلاص منهم أرخص بكثير من أي محاولة لتنصيرهم أو تمدينهم، فهم همج، برابرة، عراة, وهذا يجعل تمدينهم صعباً، أما الإبادة فإنها تختصر هذا الوقت، ووسائل تحقيق الانتصار عليهم كثيرة: بالقوة، بالمفاجأة، بالتجويع، بحرق المحاصيل، بتدمير القوارب والبيوت، بتمزيق شباك الصيد، وفي المرحلة الأخيرة: المطاردة بالجياد السريعة والكلاب المدربة التي تخيفهم، لأنها تنهش أجسادهم العارية)!
في عام 1703م، أصدرت الجمعية التشريعية (البرلمان) لمن يسمون أنفسهم (البروتستانت الأطهار) قراراً بتقديم مكافأة مقدارها 40 جنيهاً مقابل كل فروة مسلوخة من رأس هندي أحمر، و40 جنيهاً مقابل أسر كل واحد منهم، وبعد خمسة عشر عاماً ارتفعت المكافأة إلى 100 جنيه!
ويذكر الباحث في العلوم الإنسانية منير العكش في كتابه (أمريكا والإبادات الجماعية)، أن الإمبراطورية الأمريكية أبادت 112 مليون إنسان، وقد وصفت أمريكا هذه الإبادة بأنها أضرار هامشية لنشر الحضارة) فالحضارة الكبرى أيها السادة وإنجازات التاريخ لا تتقدم إلا على (أكوام من الجثث لا في الحرب فحسب، بل حتى في تطور الاقتصاد السلمي، انجلز )! والمنظر يتكرر دوماً لكن المكان مختلف من شمال أمريكا إلى الفلبين إلى هيروشيما إلى كوبا، والفيتنام التي استخدمت فيها الأسلحة المحرمة، وذهب في سبيلها الشيطاني ثلاثة ملايين ضحية، وصفهم كلينتون بالأبطال.
وفي البوسنة، استخدمت قوات الناتو التي تسيطر عليها الولايات المتحدة العديد من أسلحة الدمار الشامل مثل: القنابل العنقودية، قذائف اليورانيوم المنضب، وقتل أكثر من 250.000 مواطن.
وفي جواتيمالا أطاح الانقلاب العسكري الذي دبرته المخابرات المركزية الأمريكية بالحكومة المنتخبة التقدمية التي كان يقودها جاكوبو أربنز وفتحت الطريق أمام 40 عاماً من القمع العسكري ذهب ضحيتها أكثر من 200.000 شخص، وفي كوريا كان أبرز المذابح التي صممت بأيد أمريكية ما حصل في مجزرتي Nogunri وDaejon، اللتي قتل فيها الآلاف ظلماً بذريعة التمرد داخل أحد السجون، وإلقاء آلاف الأطنان من القنابل التقليدية والكيماوية، وفي الفلبين (أمر الجنرال الأمريكي جاكوب سميث بذبح 8249 طفلاً و2714 امرأة و420 رجلاً في جزيرة سامار أيام الاحتلال الأمريكي للفلبين) ص 337 إضافة إلى استخدام القنبلة الذرية على هيروشيما الذي ذهب ضحيتها (مائة وستون ألف قتيل) ص 338 يقول مراسل حربي أمريكي (لقد قتلنا الأسرى اليابانيين بدم بارد ومحونا المستشفيات من الوجود، وأغرقنا مراكب الانقاذ وقتلنا المدنيين وعذبناهم، وأجهزنا على الجرحى وجرفناهم إلى حفر جماعية، وهناك في الهادي سلقنا لحم جماجم أعدائنا لنصنع منها عاديات تذكارية توضع على الطاولات، وتهدى إلى الأحباب، وصنعنا من عظامهم سكاكين لفتح الرسائل) ص 339 إنها أمريكا هي (التطور من البربرية إلى الانحطاط دون المرور بدرب الثقافة الالتفافي) كما يقول كليمنصو وفي العراق تتكرر ذات الثقافة الانجلوساكسونية التي يحييها اليوم الحزب الجمهوري، وقد كشفت تقارير عسكرية هولندية عمليات التعذيب البشعة التي تعرض لها الأسرى والأسيرات في سجن (أبو غريب)، وقد تعددت أنواع التعذيب فشملت تمزيق جلود الأسرى العراقيين بالأسلحة على غرار إجراء العمليات الجراحية، وإطفاء السجائر في أجساد المتعقلين، وأضاف التقرير أن عمليات التعذيب شملت أيضاً إشعال النيران في شعر رؤوس الأسرى بولاعات السجائر، وسلخ أجزاء من فروة الرأس وتقليم أطراف الأظافر ببترها وإجراء عمليات ختان إضافية للرجال والاستباحة الجنسية السادية للأسرى والأسيرات وربط الأسلاك الكهربائية بألسنة الأسرى وأعضائهم التناسلية، وليس ذلك بجديد في التاريخ الأمريكي، فقد كان الجنود الأمريكيون يحولون الأعضاء التناسلية للهنود الحمر إلى أكياس للتبغ!! ومع ذلك يظل العراقي ممسكاً بالحطام ولسان حاله يشكو (لقد حطمنا كل ما يمكن أن يوقف الساعة ويجعلنا ندرك أننا لسنا ضائعين في الفناء، لقد دمرنا السكينة في ذواتنا، ونحن نهرب منها ولم يعد بوسعنا احتمالها) يواخيم فرناو وقد رد الجمهوري وعضو الكونجرس (جيمس أنهوف) على أنواع التعذيب البشعة التي يمارسها الجندي الأمريكي ضد الأسرى والأسيرات بقوله: (إن ما تعرض له هؤلاء لا يساوي شيئاً مما كان يتعرض له العراقيون على يد نظام صدام حسين، وأن على أمريكا والإعلام والكونجرس عندما يتحدثون عن صور التعذيب والإذلال والانتهاكات أو يقومون بعرضها فإن عليهم أن يعرضوا إلى جانبها صور المقابر الجماعية وصور الانتهاكات التي كان النظام البعثي يمارسها).
إنها الحضارة الكبرى أيها السادة التي يخلقها (طائفة من البشر على شكل حيوانات مفترسة شقراء تجوب الأرض في آسيا وأوروبا وجزر المحيط الهادي مغيرة على كل الأراضي التي تعترض سيرها فارضة إرادتها على كل الشعوب التي تمر بها) كما يقول نتيشة .
وليس ملف أمريكا مع الهنود الحمر والشعوب الأخرى.. هو الأشد بشاعة، بل وملفها مع طبقة العبيد، الذين تم استيراد الملايين منهم لخدمة الشعب الأمريكي، فتحول رعاة البقر إلى بحارة يجوبون السواحل الأفريقية لاصطياد (العبيد) وحشرهم في سفن الشحن، وقد جلب الأمريكيون أول الأمر ما لا يقل عن 21 مليوناً من الأفارقة المسترقين، جاؤوا بأفواجهم في الأصفاد، فقد صدر عن منظمة اليونسكو عام 1978م تقرير يحكي فظاعة ما حصل للأفارقة وهول الكارثة الإنسانية التي حلت بهم لهم من أجل (تعمير) أمريكا، وتذكر التقارير أن ما لا يقل عن خمسة وعشرين مليوناً من الأفارقة الذين تم شحنهم من أنحاء القارة في أفواج من جزيرة (جور) الواقعة في مواجهة العاصمة السنغالية (داكار): قد هلك أكثرهم قبل أن يصلوا إلى العالم الجديد مما لقوا في رحلات العذاب داخل سفن شحن المواشي! وقد أحبطت أمريكا في مؤتمر (دوربان) عام 2000م مطالب الأفارقة بالتعويض عما حدث لهم، بل رفضت أن يقدم لهم مجرد اعتذار لتلك الأصوات التي مارست صرخة الموت مراراً دون أن نفهم دلالتها.. كم هو مؤلم عندما لا نعي دلالة الغناء المستمر للإوز فلة (صوت قوي رائع الوقع من بعيد يطلقه خلال الطيران، وحين يكون في مأزق، عندما يحول الجليد بينه وبين الوصول إلى طعامه، ولا تكون لديه قوة لمواصلة طيرانه، وهو يغني عندئذ بصورة متواصلة إلى أن يموت في معظم الأحيان).. لحظة الموت لا فرق بين شهقة هروب روح الإنسان أو روح الحيوان.. عندما تقص حنجرته أو (هكذا أظن).
هذه هي حقيقة أمريكا (المستبدة) الفاتنة بثقافتها، المغرورة بجمال قوتها، المبهرة بعلومها وتقنياتها، الذئب الذي يقود النعاج البشرية نحو المذبحة، وهم يرتلون نشيد الموت، إنها الوجه الآخر لسالومي ومارلين مونرو ومونيكا يغوي الجميع ليتساوى في الخطيئة ثم الجحيم، إنها الشيطان الذي يلهمنا الحب والكره، الحياة والموت، الهزيمة والنصر.. إنها الأقوى الذي يرفض مشاركة الآخر وينفيه، وأحياناً يبيده بطريقة مقصودة محترفة، إنه سلوك طبعي تتعامل به القوى المطلقة في غياب التكافؤ، فما تجني سوى الكره حتى من أصدقائها، لأن (استخدام القوة لن يكبح المشاعر المعادية للولايات المتحدة، كما يقول كلينتون) ص 384 بل (قد تؤدي إلى نتائج خطيرة، كما يقول كارتر) ص 383 إن أمريكا تتصاعد نحو فوهة البركان للاحتراق الاختياري، لست من يقول ذلك أو أتمناه، بل السنن الكونية للتاريخ، ولا يستثني التاريخ أحداً من حتميته، يقول السيد أمين شلبي (ففي الحقب القادمة ستؤدي الهيمنة الأمريكية إلى بروز قوى جديدة.. كقوى عظمى قادرة على التصرف كقوى معادلة للولايات المتحدة) 394 بتصرف، نعم تلك حقيقة، فالإمبراطوريات هي مرحلة نهاية الحضارة كما يقول توينبي وهذا الذي يغيب عن الرئيس جورج بوش (فالذين يقدمون له النصائح لا يقرأون التاريخ، ناهيك عن أن يتعظوا من دروسه، إنهم يعتقدون أن القوة والمال سيضمنان لنا العالم.. نعم نحتاج إلى ديبلوماسيين شجعان أكثر من جنود شجعان.. الرئيس بوش يريد خلق واقع جديد، بدلاً من معالجة الواقع.. وإذا استمرعلى هذه الطريق سيكون العالم أقل أمنا، وبالتالي سنكون نحن في أمريكا أقل أمنا) ص 383 بتصرف.
من السذاجة أيها السادة، أن نظن أننا نستطيع أن نرفض قيادة أمريكا للعالم، فلا أحد يستطيع أن يتملص من دائرة التبعية التي رسمتها أمريكا لتسوير الشعوب، ولا تكفي الصلاة والدعاة لفك لعنة ذلك التسوير، إذن ماذا علينا أن نفعل..؟؟ (أنا) لا أدري.
.................................
(إذا ربحت نزعة الأمركة فإنها ستدمر البشرية خلال مئة وخمسين سنة، ستواصل الأرض بعدها دورانها في الفضاء الكوني ككوكب مريخ ميت.. أما إذا ربح الخير، فإن البشرية ستعيش ما قدر الله لها أن تعيش.. وفي الحالتين: رحمتك يا الله) يواخيم فرناو


a@hotmail.com h Seham

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved