الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 27th September,2004 العدد : 78

الأثنين 13 ,شعبان 1425

معجم موازين اللغة
صالح بن سعد اللحيدان

لم يكن العرب قبل الإسلام يعرفون موازين الأفعال ولا مصادرها ولا نوع هذه ولا تلك ولم يكونوا يعرفون نواصب ونواسخ الفعل لكنهم يُدركون ذلك كله بالسليقة والملكة التي يتعجب المرءُ من حصولها كيف حصلت وبلغت اللغة مبلغاً جليلاً من السمو والإحاطة وبلوغ المراد من المعاني بعبارات قليلة تُوحي بموهبة اللغة وقدرة الناطق بها على حال هو عليها يحكم عليه من خلالها أنه فج لا يدري ما يقول فإذا هو إذا نطق كان السيد الموهوب.
وحين جاء الإسلام زادت رفعة اللغة وأسفر طريقها وبأن أمرها وعلا شأنها وذلك أن العرب على ما قدمت كانوا أهل لغة ونطق وسجية جيدة لكن جاء (القرآن) حين جاء فذلت له فحول العرب وتصاغر أمامه من كانوا يظنون أنهم فيه سادة من نطق جاء بآيات وألفاظ هالهم أمرها وأسرهم مسكلها على نسق منسوق لم يسمعوا به من قبل،
وحين ألموا به قليلاً قليلاً أدركوا حقيقة الإعجاز ومُراد اللفظ أنه انما جاء إماماً، وحاكماً، ورافعاً ومقوماً وهادياً فحينئذ قويت لغتهم واشتد عودها وخلد ذكرها على تطاول القرون، والعرب ذوو فطرة ونباهة ولهم كعب فعلا في حيازة قصب السبق في مضمار كثير من الحكم والتجارب فهم حين جاء القرآنُ انصاعوا اليه وأذعنوا لأنه جاء بلسان عربي مبين لكنه سما بلفظ ومعنى لم يكونوا ليقفوا عليه لولاه، ولولا الحمية الجاهلية والعصبية الفجة والنخوة العربية الضيقة ضيق ميسم المخيط لآمنوا عجالاً عجالاً لكنهم (بعضهم) تراخى ثم توالى إسلامهم خلال (عشرين سنة) بعد بيان أمر الحق من خلال الحكم والإعجاز والعدل والبيان لولا ما سبق من الشقاوة لكبار ظنونها ظناً سيئاً فتمسكوا بالعصبية والحمية والفخر الذاتي الضيق حتى قال الله سبحانه وتعالى:{وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا}.
وحتى جاء كذلك {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ}.
وحتى جاء المثل بحال من سبق فقال سبحانه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} ثم علل سبحانه هذا فقال:{ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}.
وحين داخل المسلمين غيرهم خلال العهود المتتالية داخل لغتهم العجمة والتوليد المزري حتى لقد وضع علماء اللغة والنحو والصرف قواعد يُسار عليها حماية للغة المسلمين فلم يستشهدوا الا بالشعر العربي، العربي قبل الإسلام وكذلك ما كان من الشعر في صدر الإسلام، وذلك لأن لغتهم سلمت من الدواخل المولدة والألفاظ البعيدة عن مراد حقيقة اللغة، وجعلوا القرآن حكماً يعودون اليه اذا حزب بهم حاز أو غرب عليهم مغرب أو سفه عليهم مسفه أو اندس بينهم من يندس من أنجاس اعداء الحق، وهذا وأيم الحق قارئي العزيز حاله كحال التمسك بسند المتون للوصول إلى صحتها من ضعفها ومكذوبها لأنه لولا الأسناد لقال من شاء ما شاء ولهذا جعلوا السند (سلسلة الرواة) من الدين جاء في مقدمة صحيح مسلم بن الحجاج عن محمد بن سيرين: (إن هذا العلم دين فأنظروا عمن تأخذون دينكم) وحال لغة المسلمين كهذه الحال حذو القذة بالقذة،
فلولا الله جلت قدرته وتعالت حكمته وتقدست أسماؤه ثم ثلة من أحرار المسلمين البلغاء الواعين في كل صقع وديرة ومصر لسار العابثون لنشر ودس العصبية والحمية بلهجة ولفظة ونطق وهطق وجر ومر وكر وفر، وها هم في العبث وقعوا وفي الوادي ركنوا وفي التعالم صعدوا، وفي الجرأة حرنوا وفي البذل نشطوا وفي الطرح ساروا ما بين شعر وأدب ونقد ورواية وعلم وتحقيق وتصنيف فإذا نتاج القوم وما أدراك ما نتاجهم يفوح منه الهدم بجهل وعلم وبعلم وجهل، وبعجلة وتعالم وتعاظم وليس أشر لهدم اللغة وليس اشر لإضعافها ممن يزعم انه ناقد عظيم أو كاتب عظيم أو مثقف عظيم أو شاعر عظيم فإذا أنت فتشت بقعر ودراية ونية ونزاهة وأمانة وجدت خيبة الأمل أمامك تلوح لك (هادم من اصحابها هادم اللغة دخيل عليها) وما شابه ذلك مما سوف يتضح لك عند القراءة بعقل وروية وجودة آلة ذهنية صافية.
والميزان الصرفي انما هو لحفظ اللغة من (المعارض) وحتى تسلم لغة المسلمين من موازين مولدة جاءت بسبب الذنوب ثم بسبب عدم الشعور بالمسؤولية ثم تهاون كثير من الناس بالنطق والتخاطب على شاكلة ما كان حين داخلت علوم الروم والهند علوم المسلمين لكن بخبث ودس.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved