الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 27th October,2003 العدد : 34

الأثنين 1 ,رمضان 1424

أجنحة الكلام
ريمة الخميس
وزارة للثقافة.. أم ثقافة للوزارة
في عز المرض، كانت الجزيرة الثقافية تستنفر في داخلي كل امكانات التصدي والمقاومة بعناد من يدفع برمقه الأخير، فقد كان يعز عليَّ أن أرى طليعة التنوير من الزملاء والأساتذة يتجشمون العناء بشجاعة الفرسان ونبلهم من أجل رسالة تعيها جيداً «الثقافية» ولا أكون ضمن صفوفهم شرف لا ينبغي أن يفلت من طموح الطامحين. مرة بعد أخرى حتى تحاملت على وهني وتعلقت كغريق بإحدى رياش أجنحة الكلام.
الأجنحة تحركها هذه المرة بقوة عارمة شجاعة نادرة أدهشتنا في الجزء الثاني والأخير من حديث الدكتور عبدالله الغذامي إلى الأستاذ عبدالله السمطي، شجاعة المتحدث والمحاور والناشر، وصدقهم مع النفس ومع الآخر في طرح قضايانا الهامة، وبنفس الشجاعة أعلن بصوت جهور أنني أتفق مع الغذامي تماما في توجسه وارتيابه أن تفي الوزارة بأبسط تطلعاتنا، واختلف معه بقوة في أمثلته التي ضربها، اختلافاً يلح على تأكيد ما أحسه الغذامي من عبثية الترقب والانتظار، ومن ثم استحالة تلك التطلعات.
تأكيداً على رؤية الغذامي أن الثقافة لا تصنعها جهة حكومية أو يشكلها قرار، أشير إلى أن هذا أيضاً هو الرأي الرسمي للدولة في وثائقها الرسمية المهمة، فقد جاء في وثيقة خطة التنمية الرابعة «1405 1410هـ» ص 367 ما نصه: «وتعد الثقافة حركة عفوية للعقل الإنساني، لذا فإنه ليس من الممكن ولا المرغوب فيه تخطيط ثقافة بلد بالطريقة التي يتم بها تخطيط الطرق.. أو الزراعة على سبيل المثال، والواقع أن الثقافة هي التي توجه البيئة المساندة لتنفيذ برامج التنمية، وبالمثل فإن نوعية البرامج ومجالاتها هي التي تؤثر في حركة ومسار ازدهار الثقافة، والتجاوب مع الثقافات الأخرى».. وفي وثيقة خطة التنمية الخامسة «1405 1415هـ» ص 375 تأكيد أكبر، وبشكل تفصيلي على نفس المعنى، وبالتالي فإن استحداث جهاز للثقافة، في ضوء هذه القناعة لا يمكن أن يخرج عن إحدى اثنتين، فإما أنه إجراء مناقض للقناعة في حال يسند إلى ذلك الجهاز أن ينهض بعبء حفز الحياة الثقافية، واما أن يكون الجهاز محققا للقناعة، فلا يتدخل في شيء، ولا يطالب بشيء بالتالي، ليبقى مجرد واجهة لامعة فوق جدار ليس خلفه إلا الفراغ، وفي هذه الحالة لا ينبغي أن ننعى على شيء!
إلى هذا الحد اتفق مع الدكتور الغذامي، ليبدأ الخلاف معه في أمرين، أولهما اختياره لأمثلته للبلاد التي تردت فيها الثقافة لوجود وزارة للثقافة، والتي ازدهرت فيها الثقافة في ظل غياب وزارة للثقافة، أمريكا التي تضج بحركة ثقافية نشطة، تدعمها مؤسسات لا وزارة للثقافة، ومصر أيام طه حسين قبل إنشاء وزارة للثقافة بها، مقارنة بمصر الآن وتراجعاتها مع وجود وزارة للثقافة..! والدكتور الغذامي في هذه الأمثلة يعلل الظواهر بغير أسبابها، وإلا فكيف شهدت كل المدارس الأدبية والفنية والنقدية الجديدة، وكل التيارات والاتجاهات تقريباً مولدها على أرض فرنسا وفي ظل وزارة للثقافة تدعمها، وأحيانا تخطط لتغليب احدها على الآخر، والواقع أن السبب لا يعود إلى الوزارة قدر ما يعود إلى الوزير، يعرف الدكتور الغذامي أن هذا المنصب لم يكن يشغله إلا أديب ومفكر وفيلسوف مثل أندريه ماليرو، أو جيتان بيكون أو غيرهما، وفي مصر أيام طه حسين كان هناك ألف وزير للثقافة بلا وزارة، واليوم ربما بها وزارة لا وزير، أو أنه منصب شاغر يشغله أحد الموظفين من غير ذوي الاختصاص، والغذامي نفسه أشار إلى هذه المسألة بإشارته إلى ما أنتجته وزارة الثقافة المصرية في عهد عالم وأديب وفنان مثل ثروت عكاشة.
بمعنى آخر أريد أن أؤكد على أنه متى ما توفر سياق ثقافي على درجة عالية من الرقي، أفرز ذلك السياق ألف شخصية، كل منهم قادر على قيادة جهاز للثقافة وتفعيله لإذكاء حركة الثقافة كحال فرنسا، مثلما هو قادر على نفس الإسهام في ظل غياب وزارة للثقافة كحال أمريكا وأنه في ظل غياب هذا المناخ لا يكون بوسع ألف وزارة أن تنهض بجانب من المهمة، وأغلب الظن أننا بدأنا بداية عكسية، فوفرنا جهازاً للثقافة قبل أن يتوفر لدينا سياق ثقافي مناسب، وأوكلنا إليه مهمة ليست من طاقته أو ضمن كفاءته.
وثاني مواقع الخلاف مع الدكتور الغذامي قفزه على كثير من الأسئلة الجوهرية أو تجاهله لها، أسئلة مثل: من الذي سيتولى إدارة الجانب الثقافي في وزارة تجمع بين الإعلام والثقافة؟ هل هم نفس كوادر الإعلام الذين ضجر من وصايتهم المثقفون على منافذ الدخول، يختارون لكل قادم ما يقرأ وما لا يقرأ عند عودته من أحد معارض الكتاب؟ وتبلغ هذه المأساة ذروتها حين يقام لدينا معرض للكتاب، فلا يضم إلا الكتب التي لا يرغب فيها فرد واحد من المثقفين أو المهتمين بالثقافة، وهؤلاء هم الذين يحددون لكتابنا القابل للنشر من المحظور دون إبداء لأسباب مقنعة أو غير مقنعة؟ الحق أن عدداً هو الأكبر من موظفي الإعلام قد أسهم بقدر لا بأس به في تعطيل حركة الثقافة فكيف نعهد إليهم بتغيير المهمة مع بقاء روتين العمل؟ أم أن هذه الكوادر سيتم دعمها بعدد من المثقفين، وفي هذه الحالة في ظل ما يمكن أن يجود به المناخ الثقافي قد نجد حشداً لا بأس به، أهم إنجازات كل منهم أنه كتب عموداً في صحيفة أو قدم برنامجاً ترفيهياً في الإذاعة أو التليفزيون.. وفي الإجمال فإن وزارة للإعلام والثقافة غالباً ما تصطدم مع نفسها بين وقت وآخر بسبب ما يمليه كل جناح ضد رغبة الآخر، وفي مصر أيضاً ظلت وزارة الثقافة فترة طويلة موزعة بين الضم والفصل مع وزارة الإعلام، إذ كان الإعلام هناك سياسة حكومة، وكانت الثقافة تطلع عامة، ولم يتفق الاثنان في التوجه، ولم يتوفر لهما معاً المسؤول صاحب الضميرين.
لماذا نتحدث في هذا الآن؟ فالقضية ليست وجود جهاز أو غيابه، هنا في المملكة، القضية تتسع لتصبح قضية الثقافة العربية كلها، التي يهدد وهنها حد الغياب وجودنا العربي بالغياب أيضاً.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved