الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 27th October,2003 العدد : 34

الأثنين 1 ,رمضان 1424

واقع الفن التشكيلي المحلي
تقدم فيها الشكل على المضمون
المدارس الحديثة حجبت الرؤية عن بحث الفنانين في خصوصية الابداع المحلي
محمد المنيف

تطرقنا في الحلقة الخامسة لبعض الأسماء كنماذج لأفضل المراحل التي مرت بها المسيرة التشكيلية المحلية وأكثرها تعرفا على كيفية المزج بين الحداثة واستلهامهم للموروث على أسس متينة يشاركهم آخرون أمثالهم تزخر بهم الساحة استطاعوا ان يضعوا في إبداعهم شخصية وسمة تشكيلية خصوصا فئة الشباب التي نخشى ان يكون فنانوها في المنطقة الرمادية بين من لهم حق الريادة وبين فنانين لم يحددوا هويتهم حتى الآن فلا هم من أولئك ولا من هؤلاء ومع ذلك ما زالوا باقين تحت الأضواء الإعلامية في وقت افتقدوا فيه القدرة على الإبداع، فالشباب اليوم هم الأحوج للدعم دون ان نستثني رفاق الدرب من الفنانين الكبار سنا وخبرات من المبدعين المخضرمين ممن استطاعوا اللحاق بالركب الجديد بما لديهم من لياقة وحيوية لما يطرأ من جديد وفي مقدمته الوعي الفكري والثقافي عالميا وبما يمكن ان يسخر لإبداعهم المحلي بجانب النقلة النوعية في التقنية والأداء لئلا يبقوا ضيوفا ثقيلي الظل في كل مناسبة تشكيلية فالزمن والإبداع وديناميكيته المتجددة كفيلة بوضعهم على خط الاحتياط خصوصا ان الساحة تعج بالأسماء والأعمال التي تمكن النقاد والمتابعين من خلالها معرفة من لديهم الإمكانية للاستمرار أو ممن توقف من الفنانين عند سقف معين لا يستطيع تجاوزه لأسباب كثيرة منها عدم استيعابهم لمفهوم الفن في المرحلة الأولى ودخولهم المراحل اللاحقة، ونحن هنا نرمز للفترة الزمنية بالمرحلة لكون الساحة التشكيلية المحلية مازالت في عمر الصبا والشباب لم تمر بها فترات طويلة تقاس بالجيل أو يطلق على من عاش في تلك المراحل بالأجيال إذا كان الجيل من يعيش ما بين العشرين إلى الثلاثين عاما إلا أذا عنينا بالجيل انها الفئة أو المجموعة التي تواجدت في مرحلة معينة وقدمت أعمالا وأقامت معارض اسهمت في بناء مسيرة الفن التشكيلي بما لديها من رؤية مشتركة وبذلك نلغي صفة أو اسم «جيل» المحددة للفترة الزمنية نظرا إلى ان الأجيال تتحرك وتتفاعل محدثة حالات من التبادل بين اتفاق أو تناقض يشوبها الكثير من المؤثرات بين تعرض للهدم وبين السعي للبناء في مجالاتهم الإبداعية. أو كما هو مفهوم الجيل في المجالات الإبداعية الأخرى إذ يعني توافق جماعة من المبدعين في مجال إبداعهم في اتجاه معين يقدمون من خلاله الرؤى عبر أسلوب أو نهج متقارب متميزين به عن الآخرين، ويمكن ان ارجح ان تكون صفة المجموعة أو المرحلة أقرب من تسمية الجيل لعدم وجود أي دليل يمكننا من خلاله اطلاق صفة الجيل لا زمنيا ولا توافقا في الأساليب والتوجهات.
تلك المجموعة والتي جاءت كما ذكرنا بين المرحلتين مازالت متخبطة في مستوى أدائها لم تحافظ على وضعها ولم تلحق بالجديد وتتفاعل معه، فأصبحت أعمالهم أقرب إلى الفنون الساذجة منها إلى الفنون الحقيقية باءت فيها كل السبل بالفشل في الانضمام لركب التجديد والتحديث والمعاصرة دون أدنى خطوة يمكن ان تحسب لهم لعدم استزادتهم بكيفية التعامل معها فخرجت أعمالهم تلك اشكالا دون مضامين وتجارب دون سابق خبرات، وجهل لا أمل في خروجهم منه جعل من لوحاتهم مجرد تداعيات خطية ولونية استسهل منتجوها وضعها على اللوحة والحديث شامل للجنسين من الفنانين السابقين ممن يطلق عليهم الأوائل زمنيا وليس إبداعيا واللاحقين من بعض الشباب، مع ان هناك حديثا خاصا حول تجربة الفنانات مع التحفظ على الكثير ممن وصفن بهذه الصفة نتيجة تميزهن وبين من دخل الساحة منهن بالمصادفة أو المغامرة أو المحسوبية دون أدنى زاد أو سلاح تمثله التجارب والخبرات، ومن المؤسف ان أعداد من جاء منهن للساحة من باب الهواية هن الأكثرية ممن اضعن الصيد في العجاج فظهرت الأعمال المعروضة في معارضنا من غالبية الجنسين استنساخاً لأعمال غربية الهيئة والشكل بين سريالية سلفادور دالي وانطباعات فان جوخ وسزان ورموز كاندنسكي أو تكعيبيات بيكاسو مع محاولة تطويعها للتعبير عن ايحاءات لا طعم لها أو نكهة فكانوا كمن اراد ان يمشي مشية الآخر فأضاع مشيته.
يبقى ان نقول ان ذلك الاندفاع والسرعة المذهلة التي مرت بها الساحة والتواجد الكمي على حساب الكيف أو المستوى باستثناء من ذكرناهم كنماذج للنخبة القليلة قياسا بحجم الأعداد الكبيرة المتواجدة التي يراها البعض ظاهرة ايجابية بينما يراها الكثير انها للسلبية أقرب وان شواهد سلبيتها قد ظهرت على السطح وان مثل هذه الكثافة هي ما اثقل كاهل من حاول القيام بمهمة التصنيف، إلا اننا مازلنا نحمل التفاؤل بأن الحركة التشكيلية السعودية تواصل التقدم بنجاح مشهود له متنقلة من مرحلة إلى أخرى بشكل متواز ومدروس خصوصا من قبل الفنانين الواعين لدورهم تجاه إبداعهم منتظرين الوقفة الرسمية من قبل الجهات المعنية والمتمثلة حالياً في وزارة الثقافة والإعلام لتثمين ما حققه الفنانون التشكيليون بما قدم لهم من دعم من جهات سابقة رغم قصر الفترة الزمنية التي يقدر بها عمر الحركة أو المسيرة التشكيلية كما أسلفنا مقارنة بمن سبقونا بالتجرية على المستوى العربي إذ استطاع أولئك التشكيليون السعوديون قطع المسافة الفارقة بسرعة مفاجئة للكثير من النقاد والمؤرخين للثقافة والإبداع متجاوزين كل الأرقام والحسابات مقدمين إبداعا يحمل روح ورائحة وملامح الوطن إرثا فكريا وبصريا بتقنية معاصرة، مع ما يحمله أولئك الفنانون من بحث دائم تحول إلى هم كبير في كيفية التعامل مع مثل هذه الازدواجية بين ابداع غربي يحتاج للتواصل معه وبين أصول وثوابت لا يمكن لأي فنان التنصل منها أو تجاهلها لمعرفته التامة بنهايته وضياعه في حال تغريب ابداعه على حساب هويته الثقافية والتاريخية التي يفتقدها كثير من دعاة الحداثة المفرطة مع الحاجة إلى المرونة في التعامل مع هاتين الحالتين والأخذ في الاعتبار ضيق وقصر الفترة بين استيعاب الجديد في هذا الفن وبين عدم الالمام بمصادر الالهام الحقيقية في الموروث وهذه أهم بل أكثر المعضلات أو العقبات التي لايزال الفن التشكيلي المحلي يعيش دوامتها منها ما يتعلق بالفنان ووجوب بحثه عن تلك المصادر ودور المؤسسات المعنية بكيفية تحقيقها والتعرف عليها كمرجعية للإبداع وقد تحدثنا عن هذا الجانب في مقالات سابقة منفصلة أشرنا فيها إلى عدم فهم الكثير من الفنانين وجهلهم بمصادر الإلهام أو مصادر توظيف العناصر البصرية في الموروث التاريخي الذي توثقه حفريات الآثار أو بالموروث الأدبي الذي اشتهرت به الجزيرة العربية رواية أو قصيدة أو اسطورة..
مع هذا كله أو بما ألمحنا إليه تبقى الساحة التشكيلية في مرحلتها الحالية أقرب كثيرا لتحقيق التوازن لوضع الأسس الحقيقية لبنائها إضافة إلى اننا الآن أمام مرحلة أخرى من أسلوب وطريقة ونمط التنظيم مع ما نؤمل به من وضع الخطوط العريضة ورسم الخارطة التشكيلية بكل حدودها اطرها للوصول إلى الآلية الدقيقة في تحديد الفنانين المستحقين لحمل هذه الأمانة وواجباتهم تجاهها يقابلها ما يأخذه الفنان من حقوق تجعل من هذا الفنان كيانا فاعلا وعضوا عاملا ومفيدا في جسد الثقافة السعودية التي يعاد اطرافها وتجديد قوامها باعتبارها رمزا هاما فيما تحقق للوطن من بناء حضاري له خصوصيته وتميزه.
وقبل ان ننتقل إلى صورة أخرى من صور واقع الحركة التشكيلية المحلية أو الإشارة إلى ان الفترة الزمنية الماضية تحقق فيها للفن التشكيلي دعم مادي ومعنوي قل ان يوجد في أي قطر عربي آخر إلا انه لم يستغل استغلالا تاما ليحقق الوصول إلى الهدف المنشود إلا في وجود هذه الكثافة من الأعداد والزخم الكبير من الأعمال التي فاق فيها الغث على الثمين يتنقل اصحابها من أسلوب إلى آخر ومن شكل ومضمون إلى مساحات لا حدود لها من الركض في كل الاتجاهات دون معرفة المراد الذي يجب ان يكونوا عليه بين مفهوم العمل الفني واعتباره جزءا من ثقافة وفكر وأدب هذا الكيان الحضاري العظيم للتعبير عنه بما يتوازى مع ما يطرأ من قفزات في الوعي والمعرفة وبين ان يكون شكلا من أشكال اكمال انماط الديكور او استنساخا مكررا للواقع مع ما يشوبه من تشويه في النقل والتقليد أو لتسجيل الحضور. وقد يعجب الكثير بما مررنا به لمثل هذه الحالات غير الواضحة المعالم في وقت كان من الممكن ان نحقق الكثير في كيفية التعامل مع المجريات عودا إلى ان هناك من التجارب السابقة ما يجعلنا أكثر وعيا واكثر قدرة على صنع آلية حديثة موازية لكل ما نسير بجانبه من مراكب الابداع على المستوى العالمي والعربي لا أن نبقى في دوامة تجعلنا نتلمس الجديد في كل معرض من المعارض ونتفاءل به مع انه لا يستمر طويلا لعدم قناعة الفنان بما يدور حوله من انماط وأشكال لا تبعث فيه الاحساس بالمنافسة والبحث او تريحه من عناء التعرف على كيفية صياغة إبداعه أو تشبع فيه فضول المغامرة والتجديد مهما كان في ذلك العمل من اختلاف وبما يحدثه من حوار مع صوت آخر يقبل المداولة ويحترم اختلاف الرأي، إيمانا منا بما يعنيه رقي ثقافة امتنا مع حفاظنا على قيمها الخاصة المتجذرة في روحها وفي كل مناحي الحياة فيها حلوها ومرها دون خضوع لسيطرة الثقافة المستوردة بقدر ما نأخذ منها ما يخدم ابداعنا ونسعى لاستبدال السيئ منها بالحسن، وان نعي معنى بلورة ما نتلقاه لا ان نقولبه ونكرر انتاجه، مع ان مثل هذا الفعل يحتاج إلى تنوير الذات بحرية مؤطرة بقيمنا الأصيلة معلنين من خلالها قبولنا النقد لتصويب الخطأ، لا اخضاعها للفكر الآخر لمجرد الاعجاب.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved