الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 27th November,2006 العدد : 178

الأثنين 6 ,ذو القعدة 1427

صورة المرأة في الأدب السعودي «1»
المرأة والخطيئة:في رواية فسوق - نموذج أول
سهام القحطاني
هل كل امرأة هي مشروع للفسوق؟ لعلك تحتاج إلى إعادة قراءة رواية (فسوق) للأستاذ عبده خال، أكثر من مرة كي تضبط فكرة العمل وتمسك بطريقته، التي بدأت تائهة وحائرة، أي الجهات الأربعة تختارها لقبلتها، وهو ما جعل فكرة العمل مضطربة مشتتة، لغياب إستراتيجية توظيف خلفيات الحدث، لقلة خبرة الكاتب بأسلوب الرواية البوليسية، مما جعل تلك الخلفيات تسقط تارة في فخ الأسلوب المقالي، وتارة في فخ أسلوب التحقيقات الصحفية، وهذا بدوره جعل الخلفيات لا تخرج عن كونها حكايات صحفية يجمعها الكاتب من هنا وهناك، مستعينا بالحكايات الأكثر غرابة التي تنقلها وتتداولها الأشرطة الدينية، مثل الحكاية الرئيسة التي يدور حولها العمل، وتذكرنا بقصص تاركي الصلاة من الموتى، الذين يحلم بهم ذووهم، فيفتشون قبورهم ويجدون وجوههم مسودة إما من ترك الصلاة أو سماع الأغاني أوعقوق الوالدين، حكايات تنقلها لنا الأشرطة الدينية أولاً بأول، وأخرى تنقلها لنا الصحف كمضاجعة بعض عمال غسيل الموتى في المستشفيات نساء متوفيات، ضاربين حرمة الموتى عرض الحائط لتحقيق أدنى مستوى من المتعة، لتظل المرأة مهانة بخطيئة الفتنة والغواية في حياتها ومماتها، فكرة حاول الأستاذ عبده خال أن يقترب منها، لكنه لم يفلح كثيراً أوأظن ذلك، رغم طرحها بأسلوب بوليسي، محاولاً من خلالها استدعاء الكثير من إشكاليات المجتمع السعودي، وإن كان استدعاء غير موفق، ليس لمحتوى الاستدعاء الذي تلون ما بين الهم الاجتماعي والديني والسياسي للمجتمع السعودي، وانتقل ما ببين مشكلة الزحف العمراني على القبور واستغلال الرأسماليين، ومشكلة الفقر والعدالة الاجتماعية، ومشكلة فكرة التمسك بالقبلية كشرط من شروط الزواج في المجتمع السعودي، والتفرقة بين السعودي وغير السعودي، وسلبيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومشكلة التطرف الديني، والخيانة الزوجية وأسبابها، ومشكلة التقاطع بين الثقافة السكونية والثقافة المتحركة، ومشكلة الفساد وعدم كفاءة التأهيل في جهاز الشرطة، وقضية بيع الأعضاء البشرية، وقضية حجاب المرأة وسفورها، وقيادتها للسيارة، إضافة إلى بعض الإسقاطات السياسية المفتعلة التي لم تعبر عن موقف سياسي جاد.
بل لطريقة استخدام تلك الاستدعاءات لتمثل خلفيات الحدث وتفعيل حركته، والتي ظهرت غير متجانسة مع جسد الحدث وروحه، مما زاد ترقيع مساحة الحدث، وشتت تركيز الفكرة المحورية للعمل، وهو ما يجعلني أزعم أن الكاتب هنا لم يرهق ذهنه بالبحث عن تطوير فكرة هذا العمل، بل اعتمد على مجموع الحكايات التي تسمع وتداول هنا وهناك، وهذا الطريقة للبحث عن مادة للعمل الأدبي لا تعيب العمل الأدبي، إذا صهرت هذه الحكايات لإعادة خلقها لتبدو أجمل من الواقع وأكثر إثارة،......، وهذا ما يميز الرواية عن الحكاية كخبر أو مصدر لفعل الإثارة، إذ تظل حكايات المجتمع هي روح الأدب ومصدر حقيقة الأشياء والأفكار والنفوس، أوكما يعبر عنها العمل (أنصت جيد إلى ما تقوله العامة، ففيه جزء من الحقيقة)-ط-4 ص72 ف(مقولات العامة تحمل جزءاً من الحقيقة) - ص 221-، وبذا فنحن نستمد مفهومنا للأمور عبر شبكة مترامية من الحكي، لكن الحكاية قد تكون ناقصة فيختل يقيننا في الحكم على الأشياء، إن كانت هي الحجة والبرهان والشاهد، مثل سؤال الطفلة (لماذا نغير أنابيب الغاز يوميا؟) - ص 97- سؤال سقط جزء منه، فدفع إلى حكاية، والحكاية دفعت إلى جريمة، ولولم يكن ناقصاً، لاختلفت الحكاية، ولوكان أيضاً يضّخ بالزيادة، لاختلفت الحكاية، وفي حالتي النقصان والزيادة يتساوى الناتج، شائعة وخطيئة وجريمة قتل، وقد تكون شائعة وخطيئة وجريمة حب، أو شائعة وخطيئة وجريمة خيانة، تجعلك تسأل، فوراء كل سؤال حكاية، ووراء كل حكاية امرأة،.... أسئلة تنخر في ذاكرة كل امرأة، وتعيد إحياء أسطورة الخطيئة وغواية التفاحة، وتتراكم الأسئلة ومن خلفها الحكايات، ما وجه الشبه بين المرأة وأنابيب الغاز؟! ما وجه الشبه بين المرأة والقبر؟ ما وجه الشبه بين جليلة وكل حواء؟ وأخيراً ما وجه الشبه بين المرأة والخطيئة إذا تجاوزنا فرضية المتعة، إلى فرضية الحرية التي يلّمح لها العمل، عندما (تخلق سجناً كبيراً، على الناس أن يتدبروا كيفية الهرب)- ص159- لتبدو لك كل الآثام والذنوب والشرور حيّل دفاعية للهروب من السجن، السجن المعادل الموازي للفكر الاجتماعي في صياغته الجماعية، والمرأة جزء داخلي من السجن الاجتماعي،لأنها السجّان والسجين، كما أنها القبّار والقبر، والقبر ليس بفلسفة بقدر ماهو حالة متحولة تجيّز الاختباء، كما أنها تجبر على الاختباء وهو بهذا المعنى مرادف للسجن إن الاختلاف بين جواز الاختباء وجبرية الاختباء التي يتعلّق بينهما القبر- السجن-البيت،-أي مكان قابل للفرضية ما دام يوفر قيمة الاختباء-، هي هوية الدافع ما بين الرضى والفرض، الفرض الذي تبدأ به الرواية (هربت من قبرها)-ص7- لكن الهروب فرصة ممكنة في ظل وجود الاختيارات، فكرة لم يفلح الكاتب كثيراً في إيضاحها الدرامي رغم إطلالتها السريعة على استحياء فوق الخلفيات السريعة والمتراكمة التي أرهقت جسد الحدث، أكثر مما أفادته، والخطيئة أكثر الاختيارات ترجيحا في ذهن العقل الجمعي عندما يتعلّق الأمر بهروب امرأة! أما الرجل فالهروب يفتح له احتمالات أكثر قيمة وشرفا، في ذات الذهنية، فهروب أيمن كان لتحقيق قيمة ذاته، وهروب محمود كان لتحقيق مبدأ مؤمن به، فدائماً ثمة قيمة لهروب الرجل من مسؤلياته ووظائفه الاجتماعية يفترضها المجتمع له، أما المرأة فتهرب وراء رجل من أجل متعة، أي ثمة دائماً خطيئة يفترضها المجتمع لهروب المرأة، هذا هوالفرق بين محتوى الهروب عند الرجل والمرأة الذي يقدمه لنا هذا العمل،لأن الخطيئة في ذهن العقل الجمعي هي اختيار عند المرأة، وضغط غواية عند الرجل، ولذلك يظل الرجل في عدالة المجتمع محمياً من القصاص، لأن الرجل لا يعيبه شيئا، ويستطيع بعد مغامراته أن يتزوج بواحدة ومثنى وثلاث ورباع، مثل (محسن الوهيب) وابنه (زهير) الذي كان نموذجاً للعهر الرجالي ورغم ذلك كان يفلت من قصاص المجتمع المادي والمعنوي رغم نزواته التي يضيع عليها المبالغ الزهيدة التي (يجمعها طوال العام وينفقها في الإجازات السنوية بين العواصم السياحية، يضخ وقوده المتجمد في خزانات المومسات المحترفات البغاء، ويعود من هناك مسحوقاً مجففاً كحليب منزوع الدسم... كان شبقا يرمم ما يصادفه ككناس، لا يفرق بين جواهر سقطت على الأرض، وبين قاذورات وضعت في وعاء بلاستك)-ص134- وهونفسه (زهير) من يصف أخته جليلة الهاربة بأنه (حين ينساب الماء إلى البيارات يغدو نجسا، وابنتك أدخلتنا القاذورات)-ص 10- (فتراجع عن طموحه كثيراً.. وذبل سريعاً كزهرات الليمون التي تسقى بمياه مالحة وقذرة في آن... بعد أن تأكد من خيانة زوجته له وهروبها مع عشيقها.) - ص27-وكأن القذارة صفة خاصة للمرأة الخطيئة دون الرجل، كما أن لعنة الألقاب: الساقطة والفاسقة والعاهرة، هي أيضاً من نصيب المرأة دون الرجل رغم شراكتهما في الفعل، اتهمت جليلة العاشقة بالفسوق، ولم يتهم محسن الوهيب شريكها بذلك، واتهمت جليلة الابنة بالعهر، ولم يتهم محمود الوبل شريكها بذلك، إنها العدالة التي يقسمها العقل الجمعي وفق موروثه القديم، بأن المرأة فتنة وشر.


* من دراسة (العقل السعودي في الميزان)

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
أوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved