الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 27th November,2006 العدد : 178

الأثنين 6 ,ذو القعدة 1427

رسالة الجامعة ..ما الذي تحقق
سعد البازعي

في العام الجامعي 1393-1394هـ عقدت جامعة الملك سعود مؤتمراً بعنوان (رسالة الجامعة) كنت أحد المشاركين فيه لا بوصفي من المؤتمرين أصحاب الرأي والمشورة وإنما من جهاز التنظيم الإداري. فقد كنت حينئذٍ معيداً في كلية الآداب وجندت مع من جند للمساعدة في تنظيم المؤتمر. وما زلت أذكر تلك البهجة الغامرة التي اعترتني وأنا أعيش ذلك التكليف المبكر بما تضمن من إحساس بالمسؤوليات الأولى في الجامعة.
كم أود لو استدرجت القارئ معي ومع الذكريات في سرد شخصي حول ذلك المؤتمر قد لا يخلو من الطرافة، لكن هذا ليس ما أردت الوصول إليه من هذه المقالة. ما أردت الوصول إليه هو إجابة عن السؤال الكبير الذي تمحور حوله المؤتمر وما يزال يتمحور حوله بالنسبة لي ولآخرين بالتأكيد: رسالة الجامعة، ما هي يا ترى؟ وهل حققتها جامعة الملك سعود بعد نصف قرن على إنشائها وما يزيد على الثلاثين عاماً من انعقاد ذلك المؤتمر اليتيم - فيما أعلم - والرائد بكل تأكيد؟ أين هي رسالة الجامعة؟
إحدى الإجابات - التي لا تخلو من خبث - تقول إنها تحولت إلى صحيفة طلابية أسبوعية تصدر عن الجامعة، وأن معنى الرسالة تجدد وفق معايير ومفاهيم إعلامية معاصرة تحصرها في إطار الخبر والصورة والرأي، لتصير الرسالة إضمامة معلومات وآراء متفرقة.
لكن بعيداً عما في هذه الإجابة من إيحاءات، ينبغي أن نؤكد أن الصحيفة التي تمخض عنها ذلك المؤتمر في وقت لاحق كانت إضافة مهمة للحياة الإعلامية والثقافية الجامعية.
غير أن تلك الإجابة، على ما فيها من مغالاة أو تخابث، تصدر عن قلق حقيقي مصدره الشعور بأنه لم يتبق من رسالة الجامعة الكثير، أن الجزء الأكبر من تلك الرسالة استهلك في المهمتين الرئيستين للجامعة، أو بالأحرى في إحداهما. تلكما المهمتان، أي التعليم والبحث، ليس من شك في أن جهوداً كبيرة تبذل للاضطلاع بهما. لكننا نعلم جميعاً أنه على الرغم من اضطلاع الجامعات السعودية بالمهمتين معاً، وعلى تفاوت طبعاً في مدى الاضطلاع وفي مستواه، فإن الحقيقة الماثلة هي أنه بالنسبة لجميع الجامعات يأتي التعليم أولاً، ولا غبار على ذلك لأن من الجامعات في بعض الدول المتقدمة ما يحدد لنفسه المهمة الرئيسة فتوجه الجامعة اهتمامها في أحد المسارين، التعليم أو البحث. لكن ذلك (الترف) كان يمكن تبريره لو كانت لدينا جامعات أو مراكز بحث كافية أخرى لتغطية النقص الحاصل في البحث طالما أن الجامعات القائمة تولي التعليم أهمية أكبر من غيره، أما في الوضع القائم فإن البحث يظل طفلاً يتيماً في العيد يرى الحلوى ولا يحصل على ما يكفيه منها، الأمر الذي يجعل من المهم أن تولي الجامعات مسألة البحث أهمية أكبر مما هو متحقق حالياً، أو أن تتوسع الجامعات في إنشاء المراكز البحثية المتخصصة والمستقلة.
إن مما يلفت النظر أن هذا النقص في جانب حيوي من جوانب الرسالة الجامعية يستمر ونحن نعلم ما يذكر وينشر بين فينة وأخرى حول تأخر البحث العلمي في العالم العربي وكيف أن دولة صغيرة الحجم والسكان مثل إسرائيل تصرف على البحث أضعاف ما تصرفه الدول العربية من دخلها الوطني.
يبقى وجه آخر من رسالة الجامعة يغيب عن الناظر أو يكاد، وأنا من خلال ذلك الوجه أعود إلى مؤتمر (رسالة الجامعة) الذي ابتدأت به. ففي تقديري أن وراء انعقاد ذلك المؤتمر شعوراً جميلاً لدى جامعة الملك سعود آنذاك بأن رسالتها تتجاوز مهمتيها الرئيستين المشار إليهما، أو ما عُد من البدهيات. كان ذلك هو الشعور بأن على الجامعة أن تظل متصلة بالمجتمع المحيط بها عبر وسائل متعددة تتجاوز التعليم والبحث إلى المناشط التي تهم المجتمع: الندوات والمحاضرات العامة، إضافة إلى المطبوعات التي تهم المجتمع، والنشاط الفني ومنه الفنون المختلفة كالتشكيل والمسرح، وكذلك التواصل مع الناس عبر وسائل الإعلام المختلفة، كأن تكون للجامعات قنوات تلفزيونية محلية أو برامج تشرف على إعدادها في القنوات المتاحة.
حين عقد مؤتمر رسالة الجامعة كانت جامعة الملك سعود، بحكم الموقع كما بحكم النشاط، في وسط الناس تقريباً، إذا عقدت ندوة أمكن لغير المنتسبين الحضور، وإن أعلن عن محاضرة كان الجمهور غير المتخصص قريباً، وإن أقيمت أمسية شعرية أو قصصية دعت الجامعة شعراء من غير الأساتذة والطلاب ليشاركوا. أما الآن فقد انتهى كل ذلك أو كاد: لم يعد الناس يأتون إلى الجامعة إلا في مناسبات محددة وذات طابع رسمي، إذا استثنينا معارض الكتب التي لم تعد من نصيب الجامعات حالياً على أية حال.
لقد توارت الجامعة عن الأنظار في الموقع وفي الاهتمامات وزادت من عزلتها تنظيمات معقدة جعلت من الصعب دعوة غير منسوبيها للمشاركة، وأذكر في هذا السياق أنني عندما وليت النشاط الثقافي في كلية الآداب في أواسط الثمانينات وجدت أنه لا بد من الاستئذان من الجهات العليا لدعوة شاعر سعودي لأمسية في الكلية، فعدلت عن الفكرة. يضاف إلى ذلك في الوقت نفسه أن إدارات الجامعة المتوالية ركنت إلى هذا التنظيم، ثم زاد من المشكلة أن يتولى عمادات شؤون الطلاب - التي تتولى عادة النشاط اللاصفي الموجه للمجتمع - مسؤولون إما غير مهتمين بهذه الأنشطة ويودون التخلص منها أو يوجهونها وجهات لا تخدم الرسالة الجامعية المنوطة بها، وذلك بحصر نشاطها في أطر محددة ومعروفة وفرض قيود على النشاط المسرحي والطلابي قتلت التواصل ليس مع المجتمع فقط وإنما حتى مع منسوبي الجامعات.
إنها رسالة الجامعة التي نسيت أو كادت تنسى.
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
أوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved