الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 27th November,2006 العدد : 178

الأثنين 6 ,ذو القعدة 1427

تجاوز بالموروث حدود الوطن
الفنان زمان جاسم يمثل جيل الشباب بقدرات المحترفين وخبرات الرواد

إعداد: محمد المنيف
في الوقت الذي ينتظر فيه التشكيليون أن تبدأ جمعيتهم التشكيلية في التشكُّل وترشيح مجلس الإدارة لتنطلق فعالياتها مع بداية العام الجديد القادم ليأخذ الفن التشكيلي مساره الصحيح تجاه التأسيس الحقيقي بناء على المكتسبات السابقة، وليكون من بين خطوات الجمعية القادمة تصنيف الفنانين وإعطاء كل ذي حق حقه من الاهتمام؛ لئلاَّ يكون لبعض الإفراد حظ أوفر من الآخرين، وليعرف كل فنان مكانته وموقعه من الساحة؛ نقول: إنه في هذا الوقت وفي الوقت السابق، وعلى رغم عدم وجود الآلية المنظمة للواقع التشكيلي، استطاع عدد من الفنانين الشباب تجاوز الخطوط الحمراء أو الحدود المحرم عليهم تجاوزها في مساحة المنافسة التي أوجدها (وهمياً) الكثير من الإداريين في الفن التشكيلي أو بعض الفنانين ممن أوكلت لهم مهام إقامة المعارض والمسابقات واختيار المحكمين لمنح الفنانين الجوائز أو اختيارهم للمناسبات الرسمية المحلية والخارجية بناءً على العلاقات الشخصية والمحسوبيات، مقدمين بها أسماء أخذت الكثير من حقها وكادت تأخذ حقوق الأجيال الجديدة، فكانت قدرات أولئك الفنانين الشباب المتميزة سلاحاً وأداة فرضت تواجدهم بصدق على الساحة بما يتمتعون به من مواهب حقيقية وبحث مستمر في تجاربهم التشكيلية تجاوزوا بها التجارب التي تراوح في مكانها.
نماذج تستحق الإشادة
ويسعدنا اليوم أن يكون ضيف صفحتنا التشكيلية بالمجلة الثقافية أحد هؤلاء الشباب الذين جاؤوا إلى الساحة بكل ثقة وعزم على أن يكون لهم موقع مؤثر وفاعل في مسيرة التشكيل السعودي والوصول إلى أعلى درجات المنافسة والتواجد العالمي دون ضجيج أو تزلف على رغم بعدهم عن مركز الاهتمام أو عن أقرب نقطة منه، ومع ذلك أصبحوا في عين وقلب المسؤول وفي وجدان الجمهور المتابع لهذا الإبداع الراقي. ضيفنا اليوم الفنان زمان جاسم الذي ازدحم مرسمه بالجوائز والميداليات وشهادات التقدير التي سبق بها عمره الزمني بعمر إبداعي متألق ومتجدد ظهرت بوادر تألقه مع أول خطواته التي لم يكن يقف فيها عند حدود معينة يتلقى فيها إشادة أو إعجاب ناقد بقدر ما يفاجئك في كل جولة من جولاته التشكيلية بالجديد المتميز. فالفنان زمان جاسم وغيره من الفنانين الشباب، مع أن أمثاله من المتميزين قلة نسعد بتقديمهم بين فترة وأخرى من خلال جريدة (الجزيرة) ومجلتها الثقافية، إلا أن لهم الأثر الكبير في تحرك الساحة نحو مراحل جديدة مؤكدين ديناميكيتها المتطورة بدماء جديدة يظهر عطاؤها في كل وقت تفتح فيه السبل وتمنح الفرص للمبدعين أمثالهم بأساليبهم المعاصرة التي تختزل في ثناياها روح ورائحة الوطن بكل عناصره مهما تغيرت فيه الملامح أو تبدّلت سبل التعبير.
* أول سؤال طرحناه على الفنان زمان هو: ما كيفية تحقيقك إنجازاتك التي نقلتك إلى الساحات العالمية؟
- الحقيقة في رأيي أن دعائم أي منجز فني يقف على أسس مهمة هي الموهبة والفكر والحركة، الموهبة هي الأساس وتنميتها بالفكر والعمل ما يسهل تجاوز مراحل كثيرة، والزمن هنا ليس المقياس بقدر ماهية التجربة الإنسانية الأكثر نضجاً وانصهاراً داخل المنجز الفني، فالجيل الذي أنا فيه هو عالمي أعيشه بما فيه بواقعية تامة، وأحمل في ذاكرتي الماضي ليتصارع مع حاضري، وما قد يكون مستقبلاً هو حق لي في المساهمة فيه. فأنا لست منافساً لأحد بقدر ما أنافس ذاتي في تحقيق طموحي، وما أحمله من تجربة هو مجرد اقتراح مرن قابل للتغير بتغير المناخ والظروف، على أن يكون امتداداً للجذور التي بنيت عليها تجربتي، وتجارب المبدعين سواء من جيل الرواد أو من بعدهم وحتى من جيلي أتابعها وأرصد تطوراتها بما يجعلني أكثر قرباً ووعياً بالتغيرات التي تصبّ في النهاية في المصلحة العامة لخدمة الحركة التشكيلية في هذا البلد.. وهي دعوة لهذا الجيل بألاّ ينشغل فكرهم بما قدم الفنانون قبلهم سواء من الرواد أو من بعد الرواد؛ فقد بنوا أرضية لنا في الساحة التشكيلية السعودية، ولا زال هناك متّسع كبير لكل مجتهد أن يقف ويتكلم؛ فالإبداع الفني مجال متحرّر منفتح قابل للحركة والتجديد، وهذا ما يجعل الفنانين والمبدعين أكثر حظاً في الحياة.
* ما كيفية تجاوزك تجاربك الأولية إلى مرحلتك الجديدة؟
- الواقع هو جسد الخيال، والخيال هو روح الواقع. في طرحي دائماً يراودني سؤال: هل الإجابة عن سؤال ما في مجال الإبداع يعطي كل ما نريد الوصول إليه؟ إذا كانت هناك إجابة فتعني فقدنا متعة أخرى، وهو المجهول والبعد، والمجهول لا يعني الغموض بقدر ما يعني الخوض في أعماق تفتح لنا آفاقاً عدة قادرة على الحركة وتتسع أكثر لتعطي مفهوماً أبعد من الشكل الظاهري. بدأت تجاربي من مخزون الأرض والإرث الحضاري الذي أعيشه بكل ما يحمل من تفاصيله الدقيقة الواضحة، وكان صراعي في تحويل هذا الكم من الجهد إلى مساحة تختزل واقعاً ما أعيشه من خلال فضاء اللون والخط والشكل، محاولاً عدم تغريب تجربتي أو استنزاف طاقة هذا الإرث بشكل تقليدي ساذج.
* وماذا عن رؤيتك لتجاوب المتلقي لإبداعك، وخصوصاً في مجتمع لا يقبل إلا ما يعرفه ويتناسب مع مستوى ثقافته العامة؟
- أرى أن هناك تغيراً كبيراً في وعي المشاهد لمنجزات الفنون البصرية، وهذا يدلّ على توسع إدراك وثقافة المتلقي المحلي للفنون التشكيلية إذا ما قارنا الفارق قبل أكثر من عشرين عاماً حتى الآن، ربما ساهمت الحركة التشكيلية المحلية في المملكة سواء من المؤسسات الحكومية أو الأهلية في نشر الثقافة البصرية في مختلف مناطق المملكة، وأيضاً الاجتهادات الشخصية للمتلقي والرغبة في التواصل مع المحيط الذي يعيشه وما يشاهده خارج البلاد ساهم أيضاً في إثراء الذائقة البصرية لديه. وفي تجربتي يتمركز محور مهم، وهو عدم الانجراف غير الواعي وغير المدرك لأهمية الانتماء للأرض؛ لذا أعمالي على رغم تجريداتها لا زالت تحمل صبغة التراث المحلي بشكل معاصر، ومن هنا لا أتوقع أن يجد المتلقي صعوبة كبيرة في فهم تجربتي، ولا أعتقد أن هناك نخبة معينة متذوقه لأعمالي بقدر ما هو وعي عام يرتقي أكثر فأكثر.
* وماذا عن مشاركاتك العالمية الأخيرة في برلين؟
- كانت لي مشاركة في مشروع في ألمانيا (برلين) مع مؤسسة تطلق على نفسها أصدقاء الدببة المتحدة United buddy Bear، وقد تشرفت بدعوة من وزارة الثقافة والإعلام لأمثّل المملكة في هذا المشروع الدولي الخيري الذي يدعو للسلام في العالم بالتعاون مع السفارة السعودية بألمانيا التي أولت للوزارة ترشيح فنان للمشاركة في هذا الحدث، علماً أن المشاركات في هذه التظاهرة التشكيلية وصلت في هذا العام إلى 142 دولة، وكان أول معرض أقيم لها في برلين عام 2002م، ومن ثم النمسا وهونغ كونغ وإسطنبول في عام 2004م، وفي عام 2005م عرض في طوكيو وسيول، وفي عام 2006م عرض في سيدني وبرلين مجدداً، وتشارك فيه المملكة العربية السعودية لأول مرة، وسوف يكون محطته القادمة في فيينا هذا العام وبوينيس آيرس والقاهرة ودول أخرى.
كما أشار الفنان زمان جاسم في حديثه عن جولته الإبداعية إلى المشروع الآخر، وهو مشاركته في كرنفال الثقافة Karneval der Kulture في برلين في 4 يوليو 2006م، وهو من أشهر المهرجانات الثقافية وأقدمها في أوروبا وحضره هذا العالم أكثر من مليون ونصف زائر، والعرض لأكثر من مائة فرقة، وبلغ عدد المشاركين 4330 مشاركاً في هذا الحدث من 70 دولة.
وكان المشروع الثالث هو الانضمام مع وفد وزارة الثقافة والإعلام المصاحب لفعاليات كأس العالم في ميونيخ، فقد أقيم في مدينة ميونيخ ما يقارب 3 أسابيع لأنظّم مع زملائي المعرض التشكيلي السعودي الذي أقيم في إحدى قاعات مركز الغاشتيك الثقافي وافتتحه معالي السفير السعودي وسعادة وكيل الوزارة الدكتور أبو بكر باقادر بحضور جمع من المهتمين والمثقفين، وشمل المعرض أعمالاً من الفن التشكيلي والخط العربي والتصوير الضوئي.
* كيف يرى الفنان زمان جاسم نظرة الآخرين لإبداعنا بعد هذه التجربة؟
- على مستوى المنجز الفني فإن تجارب الفنانين السعوديين لا تقل أهمية عما نشاهده خارج البلاد، ولا ننكر المستوى المتقدم الذي وصلت إليه الدول الغربية مثلاً والأرضية الخصبة التي نمت فيها الفنون بموازاة الحضارة كاملة، فوجود مؤسسات قوية ومتخصصة راعية للفنون ساهم كثيراً في نشر الفن منذ نعومة أظافرهم وجعلت الفن قيمة أساسية وليست ثانوية كما هو الحال لدينا، ونحن لا زلنا نعيش مرحلة الاجتهاد الشخصي في ظل غياب جامعات متخصصة للفنون الجميلة من تصوير ونحت، وحتى مجالات الفنون الأخرى مرتبطة تماماً بتنمية وعي الفنان والمتذوق وسبل المنافسة التي تحقق تواجد العمل الفني المحلي دولياً، وهو زيادة مشروعات خلق فنانين موهوبين ليس على أساس الدراسة لمناهج التربية الفنية بل خلق بنية وبيئة كاملة للفنان من خلال ابتعاث الموهوبين لدول مرّت بتجارب وانصهارهم في عالم مليء بالروح الفنية، كما قامت مؤسسة المنصورية مشكورة بابتعاث بعض الفنانين السعوديين لباريس وتهيئة كل الأجواء للانصهار في تجارب عالمية كفيلة بخلق تواصل واعٍ بين الرؤية المحلية وما يحدث في العالم أجمع. ومن خلال تجربتي أيضاً لمشروعات الرئاسة سابقاً ووزارة الثقافة حالياً حول الأنشطة التي تقام خارج البلاد فهي لا تعطي الفرصة الكاملة لمعايشة الفن، حيث ينشغل الفنان بتنظيم ومتابعة الفعاليات الخاصة بالمناسبة؛ لذا نتمنى من وزارة الثقافة مشكورة النظر في إمكانية ابتعاث الموهوبين للخارج وبشكل منتظم ليس للدراسة الأكاديمية بل من أجل الاحتكاك لتوسعة الإدراك البصري والفكري للفنان وإعطاء فرصة أكبر لمعرفة ما يدور في هذا العالم.


monif@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
أوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved