الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 27th December,2004 العدد : 89

الأثنين 15 ,ذو القعدة 1425

فكر النهضة وأعلامها في قراءة البيُّومي
فاروق صالح باسلامة
من سنين امتدت حوالي العقدين من الزمن ظهر كتاب عنوانه (النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين) ، لمؤلفه الدكتور محمد رجب البيومي عميد كلية اللغة العربية بالمنصورة المصرية .. وقد احتفيت بالكتاب حين نظرته في إحدى مكتبات مدينة جدة ، وبكاتبه الذي عرفته قبل صدور كتابه بعقد ثالث من السنين ، وكنت شديد الشغف بمطالعة وقراءة كل ما يصدر في عالم النشر من كتب ومصنفات تحمل الطابع الذاتي لحياة الأعلام الفكرية والأدبية والشخصية من جانب السير والتواريخ العامة لتوجهاتهم المتنوعة في الثقافة والعَلَم والدين والأدب والسيرة والتاريخ.
بل إن شغفي بهذه الكتب بدأ باكراً من سني حياتي وبالتحديد عام 13891969 ، حينما قرأت وطالعت كثيرا في موسوعة الأستاذ خير الدين الزركلي التأريخية والسيرية (الأعلام) ، في داخل مقر مكتبة الحرم المكي الشريف ، عندما كان يطل على الصفا وبالتحديد في عمارة المشروع لتوسعة هذا المسجد الحرام حول بيت الله العتيق.
إذ أجد في أعلام الزركلي قراءة ماتعة للفكر والروح والمعرفة والأدب لأعلام الأمة منذ الجاهلية وصدر الإسلام وحتى قبيل رحيل الزركلي عام 1396هـ 1969م ، في هذا الكتاب الذي سماه مؤلفه قاموس الأعلام تحمل مجلداته العشرة أجزاء آلافاً من تراجم الرجال والنساء من العرب والمستعربين الذين وافتهم المنية عبر السنين ، ولكن الدكتور البيومي في كتابه قد أبدع كتابة جديدة حول الشخصيات وهو إبداع التأليف لا إبداع التصنيف ، فالتأليف هو أن يأتي الكاتب بمجلد جديد يضع من خلاله موضوعات فيها أفكار تدور حول عقلية العَلَم أو فكره أو اتجاهه المعنوي أو العلمي ، ومع هذه المزايا يجلي بجهاد العَلَم العملي وكفاحه الفعلي موضوع الحديث ذاتياً وشعورياً ونفعياً وعقلانياً وفعلياً ، حتى يمضي واصفاً العَلَم بالعامل تحت راية الإسلام يتخصص في شتى اتجاهاته ليجمعه مع أنداده أي الإسلام في النهاية طريقه المستقيم : طريق الذين أنعم الله عليهم من عشاق الفضيلة ، ورواد الحقيقة ، وطالبي الإصلاح ، وما أهداه من طريق !
(مقدمة الكتاب الجزء 1 الصفحة 6) قلت : وهذا تصور من عندي عن أسلوب التأليف في الكتاب .. كتاب الدكتور المذكور ، أما في (المفردات للراغب الأصفهاني) : في مادة ألف فقد قال : (والمؤلَّف بتشديد اللام المفتوحة ما جمع من أجزاء مختلفة ورتب ترتيباً قدم فيه ما حقه أن يقدم ، وأخر فيه ما حقه أن يؤخر). إ.هـ.
ولذلك ألف الدكتور البيومي أمثلة من أعلامه كالآتي : (ففي اتجاه مكافحة المحتل الغاصب تجد أعلاماً ضحوا براحتهم ، وأفنوا صحتهم ثائرين على الاحتلال ، مرحبين بعذاب السجن ، وأليم الجوع ، ومرير البرد ، حتى تعلو كلمة الله ، ومن هؤلاء : عبد الحميد بن باديس ، وعبد العزيز جاويش ، ومحمد البشير الإبراهيمي ، ولهم مع ذلك صرخاتهم البيانية في إيقاظ الرقود ، وإلهاب النفوس) .. (وفي مجال الدعوة إلى مجد الإسلام والاستمساك بعروته الوثقى ، وتدبيج الكتب وإقامة الندوات لإذكاء الهمم وإيقاد العواطف ، تجد أمثال : محمد إقبال ، ومحمد عاكف ، وعبد الرشيد إبراهيم ، وشكيب أرسلان ، عبد الوهاب عزام ، واللورد هدلي داعية الإسلام في بلاد الإنجليز).
وفي مجال الذود عن مقدسات الشريعة ، وحماية القرآن والسنة من كيد المبشرين ، ورد السهام الباغية إلى صدور ذوي الغرض من المستشرقين تجد أمثال : محمد فريد وجدي ، ومحمد رشيد رضا وطنطاوي جوهير) (وفي مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذل الجهود المضنية في العمل بشريعة الإسلام مهما قامت الحوائل وتكاثفت الصعاب تجد أمثال : محمود أبي العيون ، وأحمد غلوش ، ومحمد الخضر حسين).
(وفي مجال تقدير التاريخ الإسلامي والنظر إلى أبطاله بعين الإنصاف مع التصدي لكل شبهة يلوكها الاستشراق تجد أمثال : رفيق العظم ، ومحمد الخضري ، وعبد الوهاب النجار وأحمد أمين).
(وفي مجال تنشيط الأدب العربي وإحياء اللغة العربية والعمل على نشر الثقافة الإسلامية ، وبعث التراث القديم ، تجد أمثال : أحمد حسن الزيات ، وأحمد تيمور ، وسيد بن علي المرصفي وعبد القادر المغربي).
والأمثلة الواردة بالأسماء من أعلام النهضة الإسلامية الحديثة إنما ألف بينها المؤلف بما جمع من أجزاء الكتابة الخمسة ، من حيث ترتيبه لأفكار هؤلاء الأعلام الكبار ومجالات نشاطهم المتعدد الأنواع ، ولذلك قال في المقدمة مستطرداً : (وقد تتشابك هذه المجالات وتتعانق ، فتتعدد آثار هؤلاء الأعلام وتتشعب مواقفهم في أكثر من اتجاه ، ولكن الرابط العام وراء ذلك هو الغيرة المفرطة على الإسلام والهيام الكلف بمبادئه وقيمه ، والإسلام بعد ذلك كله جنة سابغة لأصحابه ، ودرع ناصرة وكم اعتز به الذليل ونبه الخامل ، فإذا تجمع المخلصون للذود عنه في دنيا المطامع والأهواء ، فإنما يأوون منه إلى معقل أشم ، ويلوذون بركن شديد).
مما جعله يقدم ويؤخر عَلَماً عن آخر بحسب مقتضى الحال التأليفية ، أو الاهتمامات الواقعية لنشاط العَلَم الفكري أو العملي أو العلمي ، الذي يتناوله ، فهو يذكر على سبيل المثال محمد فريد وجدي قبل شكيب أرسلان في الجزء الأول من الكتاب ، أو يقدم محمد كرد علي على أحمد محمد شاكر في الجزء الثاني ، فما بالك لو أخر من حقه التقديم أو قدم من حقه التأخير لا في الجزء الواحد ، وإنما ذلك يتعدى في أكثر من الجزء ، بحيث يقدم أبا الأعلى المودودي ويترجم له في الجزء الأول على جمال الدين القاسمي الذي يترجم له في الجزء الرابع ! فتأمل هذا التأليف أو الرؤية الناظرة في تصوير المؤلف الفاضل لأعلام النهضة الإسلامية من خلال هؤلاء الرجال الميامين!
ففي تقديمه ذاك عن هذا ، تأليف علم عن آخر ، أما التصنيف فالزمخشري في الأساس يقول : صنف الأشياء جعلها صنوفاً وميز بعضها من بعض ، ومنه تصنيف الكتب (أساس البلاغة : مادة صنف) ، فالدكتور بهذا المعنى لم يصنف بل ألف كتابه عن أعلام النهضة الحديثة للإسلام ، بحيث أبدع كتابة جديدة حول هؤلاء أو حول شخصيات كتابه ، إبداع التأليف لا إبداع التصنيف كما قلت سابقاً.
وإذ وضح لنا ذلك ، فإن الإبداع في التأليف بديع ، أي جديد ، تلكم هي الفكرة الموضوعية في كتاب (النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين) ، أو لنقل (مفكرو الإسلام في العصر الحديث في القرن الرابع عشر الهجري) القرن العشرين للأديب العربي والمفكر الإسلامي د. محمد رجب البيومي ، والله ولي التوفيق.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved