خطيب النافذة
صالح الصقعبي
|
قتلني الصمت.. أحرقتني نار الوحدة.. سحلني الروتين ومزقت جوارحي الرغبات الخاصة والإجراءات الخاصة.. حتى المواقف الخاصة. قذف جملته الأخيرة والألم قد جعل وجهه بلا معالم.. توقف عن الهذيان.. أخذ نفساً عميقاً.. تقدم خطوتين.. وجد النافذة مغلقة.. قرر أن يفتحها.. هاله كثافة الناس في الشارع من أول نظرة.. تراجع للوراء.. أخذت عيناه تمسحان المكان ذهاباً وعودة.. صرخ.. إن كانوا قد سمعوا ما قلت فعليهم أن يسمعوا حتى النهاية.. عاد إلى النافذة.. وقف بشموخ في وسط النافذة.. وقال.. أيها الناس.. سأكون رمزاً من رموز الشفافية.. سأقول كل شيء.. سأتقيأ مرارتي وإخفاقاتي وكل معاني المهانة أمامكم. سأشنق الكلمات.. وأفخخ مدلولات اللغة.
لم يكن الحشد الموجود في الشارع يمت لصاحبنا بصلة.. إلى ان صوته أخذ يعلو شيئاً فشيئاً حتى بدأت الأعناق والأحداق تتحول تجاه مصدر الصوت..
صاح أحدهم...
ماذا يقول هذا الرجل الذي يطل من النافذة؟
أتاه الرد سريعاً من الواقف خلفه..
إنه يقول لقد بكيت كثيراً.. وقررت أن أضحك وبقوة في كل مكان بكيت فيه.
قال ثالث..
إن لديه حافظة قوية.. إن استطاع إحصاء دموعه..
ولكن ماذا يدفعه على البكاء؟؟؟؟
قال هذه العبارة شاب قد جلس على كرسي خاص وسط هذا الجمع؟
أخذ المتحلقون حول هذا الشاب يتبادلون النظرات خلسة وكل واحد منهم بدأ يستعرض حياة هذا الشاب عبر ما حوته ذاكرته عن أسرة هذا الذي لا يعرف دوافع البكاء..
ويبدو ان الجميع قد خلص إلى نتيجة واحدة من خلال إيماءات رؤسهم ولسان حالهم يقول.. من لا يعرف الظلم والألم.. لا يعرف البكاء.
صاح أحد الواقفين في الصفوف الخلفية.. انصتوا أيها الاخوة.. إن خطيب النافذة يقول..
إنه سيضحك أمام كل واحد من رؤسائه السابقين لمدة يوم كامل..
قال آخر.. ولماذا مدة يوم واحد فقط؟
وكم عددهم؟
رد خطيب النافذة:
وقبل أن أختم برنامجي البكائي.. أقول.. إن من سأضحك في وجوههم هم من أدماني وأحال جسدي إلى شرائح من اللحم لا تحمل سوى الحسرة والمرارة..
أما كون الضحك لمدة يوم كامل.. لكون ما تبقى من عمري لا يكفي لو أردت زيادة المدة لكثرة مواكب الظلمة والمتسلطين.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
