الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th February,2005 العدد : 95

الأثنين 19 ,محرم 1426

...وترجّل فارس الندوة..

** انتقل إلى رحمة الله الأستاذ محمد موسم المفرجي بعد رحلة طويلة مع المرض.! سبقتها رحلة حافلة مع الصحافة والثقافة والأدب.
** عمل الأستاذ المفرجي رحمه الله في منابر إعلامية وثقافية مختلفة منها رابطة الأدب الإسلامي.. واتحاد جماعة أبولو الجديدة ورابطة الأدب الحديث لكنه برز بشكل ملحوظ من خلال جريدة الندوة..!
** رسم من هناك ملامح فكرية وأدبية واضحة.. كان يعتقد بها رحمه الله ويناضل من أجلها.. فحدد بذلك موقفه جيداً وقدم لما يراه كل ما رآه..!.
** (الثقافية) تقدم أحر التعازي وصادق المواساة.. إلى ذوي الصحفي الأستاذ محمد موسم المفرجي.. وإلى جل المهتمين بالشأن الثقافي المحلي.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}
****
مات محمد موسم المفرجي بعد أن نفض غبار الحياة عن نفسه وفارق دنيانا غير آسف.. مات ابن مكة المكرمة البار، وفارس (الندوة) الذي لا يبارى، فترك على مآقينا دمعة حائرة وفي قلوبنا لوعة وحسرة..
مات رجل الأصالة وداعية العودة إلى الاستقاء من المنابع الثرية والنقية.. مات عاشق الحضارة الإسلامية حالما بقدوتها في سلوك أبنائها.
مات محمد موسم المفرجي ففقدت به الصحافة السعودية مهنياً خبيراً، وقلماً شجاعاً، وأديباً مثقفاً، ورجل مبادئ لا يبيع دينه بدنياه ولا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
مات عاشق (الندوة) والكلمة، والمعني الجميل.. ظهر في (صحيفة الندوة) فارساً لا يُبارى عند تولي مسؤولية صفحاتها الثقافية، فالتزم ما توجبه عليه أمانة الصحفي ومسؤولية صاحب الكلمة، فلم يجامل، ولم يداهن، هاجم التيارات المستوردة في الأدب واعتبرها تابعة لفكرهدام، وحذر أبناء قومه منها بغير تعصب، وأتاح مساحة للحوار في الخلاف وإبداء الرأي، وكان يؤمن أن كل من ينشر رأياً لابد ان يتقبل المنافسة والرفض او القبول، وانه وان كان حريصاً على نقاء الراية عن الألوان الدخيلة إلا أنه لم يحظر على انسان رأيه.
أصبح الملحق الثقافي في الندوة على يد محمد موسم المفرجي محط الأنظار، وساحة حوار، وخلية دائبة بالحركة والتجديد والنشاط.. تألقت بها الندوة ردحاً من الزمن كان جميلاً.
وعندما اضطر محمد موسم المفرجي على الترجل عن فرسه خسرت به الندوة خسارة فادحة شعر بها القراء، وفقدت الصحافة الأدبية السعودية جانباً مضيئاً من صفحاتها، فقد كان الكثير من المثقفين والمهتمين بالأدب يقتنون الندوة لصفحاتها الأدبية، كانت الندوة معشوقته وكانت حبه الأول وحبه الأخير.
وأذكر اني هاتفته يوم ترجله عن ثقافة الندوة، وقلت له لتطييب خاطره: لقد آن الأوان ان تأخذ نفساً جديداً، وترتاح قليلاً؛ لتعاود التحليق، فجاءني صوته من الخط الآخر حزيناً عمق من فقد عزيزاً وقال: هذه هي النهاية الحقيقية.. انها الموتة الأولى فلا تتوقع تحليقاً بعدها. وصمت لحظة حسبتها دهراً فشعرت أنه كان ينزف من الداخل: إن النجوم التي تسقط من كبد السماء وهي في قمة تألقها لا تحلق كالطيور ثانية؛ لانها تتهشم على الأرض لوعة وقهراً.
وآثر محمد موسم المفرجي أن يسقط نجمه في بيته حتى لا يؤذي أحداً، ولاذ بالصمت، وكنت أشم رائحة الاحتراق كلما رأيته أو تحدثت إليه، ووجد في جمع ما كتب ونشره في كتب عوضاً عن طموحاته.. أما أشواق روحه فقد وجدت سلوتها في المسجد صلاة وخشوعاً وفي كتاب الله تلاوة وتفكراً.
وعندما التقيته بعد ذلك بفترة رأيت في وجهه صفاء نقياً، وفي نظرة عينيه اطمئنان التقي ولا نزكي على الله أحدا ولما جرى الحديث على سبيل المزاح عن نظريته في الموتة الأولى قال: نعم.. الموتة الأولى التي يموتها الإنسان هي أن يموت قهراً ويستمر على قيد الحياة. وابتسم ابتسامة اضاء لها وجهه ثم قال: خلاص.. نسيت هذه النظرية.
وتلا قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} (43) سورة الأعراف.. وكنا في الحرم، ومد يده وصب كوباً من ماء زمزم وشرب ومسح صدره وقال: اللهم اجعله شفاء.
كانت كبده تحترق ولكني هذه المرة لم أشم رائحة الاحتراق رغم انها حقيقية فقد غطى عليها عبق روحه العالية وصوت إيمانه.. وتفاقم عليه المرض فامتدت اليه يد كريمة حانية تتحسس دوماً آلام مواطنيها.. وسافر الى الولايات المتحدة الأمريكية على نفقة سمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وفقه الله وأجريت له عملية زراعة كبد ناجحة.
وعاد مفعماً بالأمل، وعكف من جديد على كتبه ينقحها ويعد ما تبقى من كتاباته للإصدار، فأصدر (رفيق الوجد)، و(وهج الحروف) و(الاندلس ورماد التاريخ) و(سوق عكاظ) وأخيراً (المرحلة) الذي وثق في إجزاء منه تجربته مع المرض.. ولم يلبث ان عاد الاحتراف من جديد، وشعر ان كبده بدأت تشتعل، فسّلم أمره إلى الله، وهو يردد: اللهم اجعلها برداً وسلاماً..). وفي الشهور الأخيرة ثقل عليه المرض، فأقعده عن لقاء الناس والتحدث إليهم، لكنه لم يقعده عن ملاقاة ربه وقت كل فريضة في المسجد المجاور ولم يلجمه عن التحدث إليه بما لم يستطع أن يفهمه منه الناس. وظل صابراً مصابراً حتى أسلم الروح الى بارئها في ساعة مباركة من يوم الجمعة المبارك 691426هـ الموافق 1822005م.
وقد احسنت الندوة صنعاً ووفاء ممثلة في زميله القديم رئيس تحريرها الحالي الأستاذ فوزي عبدالوهاب خياط بإصدار صفحة عنه، وما الوفاء بغريب عن من طبعه الوفاء.
ليجزي الله محمدموسم المفرجي خيراً عن ما قدم من صالح العمل لوطنه وأمته.. ليرحمه الله.. ويرحمنا من بعده إذا صرنا الى ما صار إليه.


د. محمد أبوبكر حميد


****
إن فقدنا للعزيز محمد موسم المفرجي، بعد أن عانى الكثير من المرض الذي ابتلاه الله به، وصبر ورضي بقضائه سبحانه وتعالى، لن يُعوض بمثله في الوسط الأدبي والثقافي السعودي لأجل طويل إلا أن يشاء الله.
إنني أقترح على النادي الأدبي بمكة المكرمة، أن تكرمه بكل الوسائل والسبل المتاحة.. كأن تخصص في إحدى قاعات النادي جزءاً من المكان لجمع ما تركه من دراسات ومخطوطات وأبحاث وصور لها، مع ذكر نبذة سيرته الذاتية ومراحل تعليمه وما ناله من شهادات وعضويات في (رابطات) الأدب الإسلامي العالمية، اتحاد جماعة أبولو، والزمالة الفخرية وما تركه من آثار تاريخية اجتماعية إنسانية، أثرَت الساحة الأدبية الثقافية السعودية، لتظل ذكره باقية في مخيلة أبناء هذا الجيل وما يليه من أجيال، فهو جدير بهذا التكريم الأدبي الثقافي في وطننا الخير المعطاء.
وليت وزارة الثقافة والإعلام تقوم بإجراء لقاءات حية مع أبنائه وبناته وأهله ومحبيه من العاملين في المجال العلمي الثقافي السعودي.
وأطمع وأتطلع لأن تعمل إدارة صحيفة (الندوة)، التي أفنى زهرة شبابه ما يزيد عن عقدين من الزمن في خدمتها على تخصيص (معاش) لأفراد أسرته الصغار، ترعاهم وتحدب عليهم وتحيطهم بالمحبة والتقدير، فمحمد المفرجي جدير بذلك.

أحمد طاشكندي
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved