الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th March,2005 العدد : 99

الأثنين 18 ,صفر 1426

عبد العزيز السالم في اعترافات (معرفية)
أجرت (مجلة المعرفة) (1420هـ) لقاءا اعترافياً جميلاً مع معالي الأستاذ عبدالعزيز السالم يعد من اللقاءات النادرة التي استجاب فيها (أبو عصام) لرغبة المحررين والصحفيين، وقد زودنا أستاذنا أبو بدر حمد القاضي بصورة من اللقاء تختصر بعض ملامحه التي يتواضع فيها الكبير.
فيُعدّ إخفاقاً ما يراه كثيرون نجاحاً.
في المجال الاجتماعي
1 أعترف بفشلي في بناء علاقات اجتماعية واسعة، فأنا بين أفراد يفضلون العزلة الاختيارية على الانفتاح الاجتماعي بمفهومه الشامل، وأعتقد أن الحياة على الرغم مني قد سارت بي في الاتجاه المعاكس لأعمالي وأحلامي، فمنذ تفتح وعيي المبكر وأنا أجد متعتي في القراءة وتتركز هوايتي في الاطلاع، وقد نمت معي هذه الهواية حتى أصبحت جزءاً من حياتي ونسقاً من سلوكي، فهل أفادتني في بناء الذات الثقافية فيما بعد أم أن الفشل هو النتيجة التي انتهيت إليها؟
2 ومما أعده من صور فشلي في الحياة الاجتماعية عدم حضور الاجتماعات العامة والنفور من الاحتفالات الكبيرة والدعوات الواسعة إلا ما اضطررت إليه تحت إلحاح واجب لا بد أن يؤدى، وذلك ما انعكس على عدم حضوري الندوات الثقافية والأندية الأدبية فضلاً عن اعتذاري عن المشاركات فيها، وهو فشل قادته دوافع ذاتية تؤثر العزلة وتبتعد عن وهج الأضواء، وأنا أعتبر ذلك تقصيراً يمكن أن يمثل لوناً من ألوان الفشل في الاهتمام بكل جوانب الحياة.
3 وكنتيجة لإيثار الظلال على الاضواء فقد لبثت حوالي أربعة عشر عاماً أكتب مقالا ًأسبوعياً باسم مستعار، ولم أعد للاسم الصريح برغبة مني وإنما تحت إلحاح أصدقاء، أعزاء وبعد ما كتب الصديق الدكتور مرزوق بن تنباك مقالة في صحيفة الرياض التي أكتب فيها كاشفاً للقارئ الاسم المستعار الذي اختفيت وراءه طيلة تلك الأعوام الأربع عشرة.
4 ولعل من بواعث تلك الرواسب النفسية للعزلة الاجتماعية أنني فشلت في مقاومة إغراء الشهادات مع عدم حاجتي إليها، فأول وظيفة عملت بها كانت بالشهادة الابتدائية التي كان لها وزنها في حياة جيلنا المخضرم، ولكني حين رأيت أفراداً من طلائع البعثات يعودون من مصر يحملون الشهادات الجامعية التي كان لها رنين ساحر في المجال الثقافي وصدى مسموع في المحيط الاجتماعي شدني ذلك الرنين بجرسه العذب وذلك الصدى بأفقه الرحب لمواصلة الدراسة لما بعد الابتدائية.. فحصلت على المرحلة المتوسطة وبعدها الثانوية العامة التي كانت بمنزلة المفتاح لدخول كلية الآداب بجامعة القاهرة وللقارئ العزيز أن يسألني هل تعد هذا نجاحاً أو فشلاً الحقيقة تكمن في اختلاف الرؤية هنا.
المجال المالي
1 أعلن فشلي من فوق هذا المنبر الإعلامي بلا تردد في المجال المالي فقد فشلت في أن أصنع ثروة أو ما يشبه الثروة على الرغم من أني عايشت ما أطلق عليه (الطفرة) لكني كنت فاشلاً في الاستفادة من عطاء تلك الطفرة التي ودعناها ربما إلى غير رجعة.
2 ولملازمة هذا الشعور لي فقد امتنعت عن المساهمة في الصفقات المالية ولا سيما البنوك الربوية والإيداع فيها بقصد الحصول على فوائد مالية، وامتنعت كذلك عن المساهمات التي لم يتضح لي فيها قول صحيح أو تبين لي أن تبريرها يعتمد على رأي مرجوح.
3 استقر في وعيي أن المال الكثير مدعاة للحساب العسير، وبهذا الإدراك فشلت في جمع المال لأني لم أركض في الطرقات الموصلة إليه والممرات المؤدية للكسب المشبوه.
4 وإذا كنت أؤكد فشلي الواضح في جمع المادة وتنميتها فإني أحمد الله سبحانه أن لم يجعلني خادماً للمال الذي أجمعه وأضعه في أرصدة تنمو مع الفوائد البنكية.
في المجال المهني
1 إذا كان القصد بالمجال المهني العمل الوظيفي فإن الموظف أو صاحب المنصب كبيراً كان أو صغيراً لا يمكنه الحكم لصالحه ولا يقبل منه ذلك، وإنما الحكم له بالنجاح أو عليه بالفشل يصدر ممن يتعامل معهم من خلال عمله أو طبيعة وظيفته.
أما بالنسبة لمن يملك موهبة أدبية فإن الوظيفة جناية على أدبه ذلك أنها تعتبر قيداً ثقيلاً على ممارسة الموهبة الأدبية فإنها تحد من حرية الأديب وتقيد تصرفاته وتعطل فاعليته الفكرية في مجال العطاء الثقافي.
2 لعلي من بين قلة من الأفراد الذين ينظرون إلى الدنيا من منظور مختلف عن النظرة السائدة لدى الكثيرين، والمتمثلة في تكييف النجاح والفشل على أنه محصور في الوجاهة التي تأتي عن طريق المنصب أو المال، وإذا كان الإخفاق فيهما معاً فشلاً فإني أعد نفسي من الفاشلين، فأنا لا يسعدني أن يرتبط اسمي بالمنصب، وإنما الذي يسعدني أن يرتبط اسمي بالأثر الثقافي الذي أنتجه، فوصفي بالكاتب أفضل عندي من وصفي بلقب الوظيفة.
3 لم يعد يهمني المنصب الوظيفي ولمعان الجاه الدنيوي، وإذا كان ذلك يمثل نجاحاً لدى كثيرين فإني لا أعده كذلك، وربما صنفته في قائمة الفشل ولا سيما إذا جنح بصاحبه إلى الغرور والاستعلاء.
وإذا تجاوزت الدائرة الاجتماعية التي أعيش داخلها، فقد ينظر إليّ أفراد آخرون لا يعرفون حقيقتي فيضعون علامات تعجب تجاه ما يشبه العزلة التي اخترتها والتي كان من نتائجها ضعف صلاتي الاجتماعية..(!!)، فأنا ممن يؤثرون الاحتفاظ بقلة من الأصدقاء الأوفياء دون الاهتمام بتوسيع دائرة الصداقة إذا كانت لا تقوم على المبادئ وإنما ترتكز على المصالح.
4 ولو تأملت مسيرة حياتي لوجدت أن محطات الفشل ربما كانت أكثر من محطات النجاح، وأعتقد أن الحياة قد سارت بي علي الرغم من إرادتي نحو الاتجاه المضاد للأماني التي كنت أتمناها والطموحات التي كنت أسعى إليها، ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لعدلت مسيرة حياتي إلى مجال أفضل لا من الناحية المادية الدنيوية التي لا أهتم بها، وإنما من الناحية التي تهمني جداً وهي الناحية الثقافية الفكرية.


عن مجلة المعرفة ذو الحجة 1421هـ

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved