الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th March,2005 العدد : 99

الأثنين 18 ,صفر 1426

الأديب مسلم السالم
عبدالرحمن إبراهيم المرداس
التقيته أول مرة في فندق العزيزية بالطائف، منزله في بداية الصيف من كل عام، حيث كان مديراً لمكتب وزير الداخلية الأمير فهد بن عبدالعزيز آنذاك وكانت الطائف المقر الصيفي للحكومة، كنت حينئذ حدثاً يافعاً أجد متعة خاصة في صحبة والدي رحمه الله لزيارة أصدقائه ومعارفه، وكانت العلاقة بينه وبين والدي علاقة قديمة تعود إلى أيام الطفولة، وصداقة وثيقة تشمل عموم الأسرة.
رأيت فيه حسن الخلق والتواضع الجم ولم أشاهده إلا طلق الوجه باسم الثغر لطيف الحديث رقيق العبارة أنيس المعشر هادي الطبع يفيض على من حوله ما يملأ النفس اطمئناناً وأماناً، ويشيع في الصدر بهجة وسروراً، لم يحدث المنصب في نفسه كبراً أو غروراً، فلم ينقطع عن أقاربه، ولم يتخل عن أصدقائه، ولم يتعالَ على معارفه، ومع كل ذلك كان ينزل الناس منازلهم.
كان عصامياً، محباً للعصامية ولم يكن اختياره اسم عصام لابنه الأول إلا من هذا الباب، وعصاميته أوصلته إلى أن ينال ثقة ولاة الأمر ليكون فاعلاً في أكثر المراكز حساسية وأشدها أهمية وأخطرها قيمة ( مدير مكتب وزير الداخلية، أول أمين عام لمجلس الأمن الوطني، أمين عام مجلس الوزراء ) وما كان ليتدرج في هذه المناصب لولا صفات القوة والأمانة التي يتمتع بها.
والجزيرة الثقافية وهي تفتح اليوم ملفاً تكريمياً لمعالي الأستاذ عبدالعزيز بن عبدالله السالم لا تفتحه على الجانب الوظيفي من حياته وإن كان جانباً مشرقاً ومهماً، وإنما تفتح الملف على الجانب الثقافي والأدبي لتتناوله الأقلام المختلفة بالكتابة والتأريخ، وهو الجانب الذي خلد الوزراء والقضاة وموظفي الدولة على طول التاريخ، وتاريخنا الإسلامي زاخر بكثير من ذلك، والتاريخ العالمي لا يخلو من إنتاج أدبي للزعماء والقادة والوزراء وأصحاب الوظائف الكبرى سواءً كان سيرة ذاتية أو مذكرات شخصية أو كتابات فكرية.
إن المسارعة إلى الإنتاج العام ظاهرة نزع إليها كثير من الشباب، وفتنة اُبتلي بها طائفة من الكبراء، أملاً في أن تمنح الكتابة أصحابها شهرة ووجاهة تضفي عليهم هالة من الاحترام والتقدير، ولا يبالي بعضهم بالوسيلة التي توصلهم إليها طبيعية كانت أم انتهازية!! لم يكن عبدالعزيز السالم ليسلك هذا الطريق، فهو أبعد الناس عن ثوب الشهرة والزور، كان يؤمن بدور الكاتب ورسالة الأديب وواجب المثقف تجاه مجتمعه وأمته، وكان يعلم أن من كتم علماً ألجمه الله لجاماً من النار يوم القيامة، ويعلم أيضاً أن لديه ما يجب أن يقال وعنده ما يستأهل أن ينشر، وكان يخشى إن كتب باسمه الصريح أن يُقْرأ لمنصبه ومكانته لا لعلمه وأدبه وثقافته، ولا يرتضي أن يكذب على الناس ؛ فبدأ نشر مقالاته في صحيفة الجزيرة تحت اسم مسلم بن عبدالله المسلم، ولم يكذب في شيء من ذلك، وحظي بإعجاب القراء ومتابعتهم، وتساءلوا عن شخصه إذ لم يروا صورته، ثم انتقل إلى صحيفة الرياض، يكتب بالاسم ذاته من غير صورة أيضاً، ودام على ذلك طويلاً، ولكن تسربت المعلومات واستعلن السر وذاع الخبر وانتشر الاسم الصريح، فلم يجد بداً عندئذ من كتابة مقالاته باسمه الصريح.
وإذا عُرف السالم على مستوى القراء بكتاباته الرصينة موضوعاً والعالية لغة وأسلوباً؛ فله جانب آخر مشرق في حياته الأدبية يعرفه المحيطون به وأصدقاؤه من أهل الثقافة والأدب ويستحق أن يذكر، فهو رغم ظروفه ومشاغل عمله على اتصال وثيق بالمثقفين والأدباء والشعراء، متابع لأعمالهم وإنتاجهم متابعة المتذوق الناقد، وكان من أحرص الناس على حضور ندوة الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي رحمه الله مساء كل خميس بالرياض، كان من أول الحاضرين ومن آخر المنصرفين، وما كان يتغيب عنها إلا من سفر، يُقدِّمها على غيرها من أموره الخاصة، يجمعه وصاحبها التواضع وحسن الخلق وحب الأدب، فليس غريباً أن يمضي الساعات الطوال في هذه الندوة ؛ فهي موئل الأدباء ومعقل الشعراء، حيث كانت الندوة الأولى في الرياض، وكان من شهرتها أن اتُخِذت مزاراً أدبياً لضيوف المملكة من العلماء والمثقفين والشعراء والأدباء.
وما كان يرتضي لنفسه الانقطاع عن هذه اللقاءات، فبعد أن فارق الأستاذ الرفاعي الحياة، اقتطع من وقته الثمين ساعات من كل أسبوع يستضيف في بيته محبيه وأصدقاءه من الأدباء والمثقفين.
حفظ الله معالي الأديب الأستاذ عبدالعزيز السالم، وأمد في عمره، ويسَّر أمره لكتابة مذكراته وذكرياته، وما أكثرها.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved