الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th March,2005 العدد : 99

الأثنين 18 ,صفر 1426

(مكاشفة) تحاور شاعر الفجر الذي ينثر (أبجدية السنين) فوق (تضاريس الوطن) 22
تستهويني كتابة الملحمة الشعرية وهي قريبة من نفسي وسوف أتجه إليها

متابعة: علي بن سعد القحطاني
تحدث شاعر الفجر الدكتور إبراهيم العواجي فيما سبق عن النشأة وقيم التنشئة التي يفتقر إليها جيل اليوم كما سماهم (جيل الجدران) وعن العمل الإداري هو هل نعمة أم نقمة على المبدع وعن الأمن والمثقف.. وتتوالى المكاشفة في حلقتها الثانية مع الضيف الكريم حيث يتحدث حول تجربته في الإدارة العامة.. كما أشار إلى الحافز الجمالي الذي يدفعه لكتابة النص الإبداعي وعن أسلوبه التلقائي في كتابة الشعر.
***
إبراهيم التركي: الدكتور إبراهيم العواجي.. تركت وزارة الداخلية منذ عشر سنوات.. دعنا نتحدث عن أدبيات الإدارة وعالمها، مثلما نعرفها جميعاً ، كما هي موجودة عند أساطين الإدارة الذين نتتلمذ عليهم،في مثل التنبؤات والدراسات المستقبلية.. هل أغفلها الدكتور إبراهيم داخل تفاصيل العمل اليومي بحيث طغى الجانب الإداري على الجانب العلمي وهو الجانب الذي درسه وأخذه منهجاً وإطاراً وكان يطمح أيضاً إلى أن يمارسه في الجامعة.. هل تاه المدار العلمي في التفاصيل الصغيرة وتوقيع المعاملات، وما جرى مجراها؟
إبراهيم العواجي: الإدارة العامة في الدولة بصفة عامة هي عبارة عن تراكمات بدءاً من الإدارة الاقليمية التي نشأت بمكة إلى أن وصلت لإدارة الدولة إذن هي مجموعة من التراكمات وقمت بدراستها في الواقع إن رسالة الدكتوراة كانت جريئة لدرجة أن بعض الناس رفض أن يشارك في الاستبانة لأن فيها أسئلة عن النظام السياسي والنظام الاجتماعي والنظام الإداري والنظام الاقتصادي وكانت الدراسة عبارة عن دراسة سلوكية وعندما تحدثت عن العلاقة، تكشفت كيف كانت العلاقة بين ما سميناه بُعْدَين باللغة العنصرية والاقليمية وبين تطور الإدارة وأن الإدارة لعبت دوراً في تأجيجها.. نعم عندما انتقلت الوزارات كتبتها بجرأة.. كانت الإدارة فعلاً إدارة في الحجاز لأنهم هم الذين كانوا لهم خبرة سابقة في الإدارة ومتعلمين أكثر، ولم تغب عني مبادئ الإدارة، وأنا إنسان يمكن علاقتي بالورق علاقة تعامل بطريقة أنا أذهب بحقيبتي وثلاث ولكن لا أذهب الساعة السابعة صباحاً وهناك ورقة على مكتبي بالأمس هذا مبدأ التزمت فيه وأراحني ومستحيل أن يكون على مكتبي أو تنتظرني ورقة أو معاملة للتوقيع أو للتأشيرة أو للاطلاع، هذه كلها مبادئ كنت أمارسها، لكنني مارست بعض المبادئ مثل تفويض الصلاحية ومعروف عني في الوزارة أنني أقوم بتفويض الموظفين الذين يتبعون ادارتي، وعندي قاعدة أن هؤلاء الموظفين عندما تختارهم قد تصيب وقد تخطئ، ويجب أن تمكنهم من ممارسة أعمالهم وأنا مثلاً كما هو معروف عني كنت (اللامركزي) وهذه هي الحقيقة وعادة عندما أفوض موظفاً ببعض الصلاحية فإنني أحاول أن أفهمه منهجي وأسلوبي في الإداري، ومبادىئ الإدارة فن جميل عبارة عن تراكمات وتستدعي فيها عدة مراجعات ومحاولات للإصلاح الإداري، وهنا أتذكر حالة تطبيقية مررنا بها، فعندما تعينت في الوزارة وكنت وكيل الوزارة المساعد كان هناك دائرة بالوزارة تعني بالصادر والوارد وقمنا بإجراء التغيير الإداري، ونعلم أن صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني أصدر قبل أكثر من عام أمراً إلى جميع الدوائر الحكومية بأنه يجب أن لا تبقى المعاملة أكثر من ثلاثة أيام، أحياناً حتى وإن كنت أنت صاحب القرار لا تستطيع في بعض الأحايين أن تحقق الالتزام بالتنفيذ ناهيك عن أن هناك عقبات تتعلق بالإرث الإداري والإرث السلوكي والنظرة للوظيفة والتجربة الوظيفية، ومع الأسف الشديد أن هناك موظفين بيروقراطيين قد يتجاهلون المعاملات أو لا يعيرونها اهتماماً لذا كان من الأفضل الأخذ بمبادئ الإدارة الحديثة.
محمد العبد اللطيف: نلاحظ أنه المجتمع ينقسم إلى قسمين قسم يعنى بالمحافظة وقسم آخر نجد أنه أقل محافظة وبالتالي يستجيب مع المتغيرات وظروف العصر ونلاحظ أن هناك فئات في المجتمع لديها استعداد كبير للتغيير ربما للظروف الاجتماعية المحيطة بها بينما نجد أن هناك نزعة لدى المحافظين من أجل إبطاء التغيير والحمد لله أننا كمجتمع مسلم وملتزم ودستور الدولة قائم على الشريعة ولكن آن الأوان لوضع نظم وقوانين تحدد للناس حقوقهم، بحيث تحميهم من الطرف الآخر، لا تخضع للآراء أو أهواء، نحن نجد مثلاً في النظام الأساسي للحكم أن هناك خطوطاً عريضة ولوائح تنفيذية، لكننا لم نر لوائح تنظيمية يمكن أن تنظم المجتمع بشكل أفضل.
إبراهيم العواجي: التباين والاختلاف في المجتمع ظاهرة صحية، حتى أنك تجد من الطبيعي جداً أن يكون هناك أخوان في أسرة واحدة، ولا يجوز تغليب رأي على رأي وهذه إشكالية موجودة في المجتمع، وأعتقد أن سؤالك مهم جداً، أتمنى أني فعلاً أملك الإجابة عليه.
الملحمة
حسين المناصرة: عند سؤال حول التجربة الشعرية، إذا قلنا: الدكتور عنده قصيدة الفجر وهي قصيدة وجدانية ونفسها قصير، وأيضاً قمت بالإقرار بأن قصيدة (التحولات الاجتماعية) لا يمكن كتابتها إلا بالرواية، كتبت قصيدة (القضية) ولكن أيضاً بقيت في النفس القصير، هل هناك اتجاه ما إلى كتابة قصيدة (القضية)، (الوطن)، بشكل ملحمي؟
إبراهيم العواجي: كان لي قصيدتان إحداهما نشرت بجريدة الجزيرة كانت تتحدث عن حادثة (تفجير المحيا)، وقصيدة أخرى بعنوان (سؤال في جنيف) وهي مهداة إلى قرينتي:
امنحيني لحظة الصمت تغفو
في سكون هذه الأمواج
تغتال شجوني
وعواء الريح
يغتال فتوني
أنت والبحر
شبيهان
فيكما عمق وجيه تستأثران
بجنوني
في خبايا الليل
أوهام وأحلام
لم أعد أعرف ما يجري
أهي أسرار في ثنايا
أليم تسري
أم هي الحالة
ماهي الحالة تطفو مثل
قش في لسان الموج
أو قذف سفني الظاهر
السفينة لا تقولي يا ابنة الصحراء
عُد بي لسراب القيظ
واستلهم أملاً
ضاع على وضع السنين
فأنا المرسوم على أشرعة الريح
في عواء الريح أصداء أنين
غير أن للبحر أبعاد
كالنهايات
حسبها
أن عواها يقتفين
سميني الهارب إن شئت
هذه نصف الحقيقة
غير أني قد جئت
كي أبحث عن نصف يقيني
كي نمشي فوق رمل
صار صخراً
يتحجر
مثل أسوار السجين
كي نسلو
فوق جمر يتلظى
وتباشير عيني
كيف نغفو فوق
بركان من الحقد دفين
أنحاور
من نحاور
صوتنا الواحد
أم أهازيج الظنين
ها أنا العاشق يحذو
ها أنا العاشق يجثو
تحت ظل الصمت
لا صدى
لا يستطيع
همساً لحنين
ها أنا الوعي
أدفن الوعي
وأمضي باحثاً
في البحر عن مأوى يقيني
أمنحيني لحظة صمتٍ
علني أسمع من تحتي
أنقاض المنون
صوت حلم كان بالأمس
رفيقي علّه
ظل خليلي
قد سأمتُ
الركض فالأشواق
تدمي في حسي
وفنوني
لم أعد أفهم
ما يجري
طالما العقل
لدينا في إجازة
وحده الطوفان يعلو
في جنوني
في حمى الجهل تنامت
كل أشكال المجون
عبث يلوى بنصٍ
يدعي وصلاً
لدين
وهلامي يحاول كسر
أسوار العرين
أمة نحن ولكن
هل فقدنا الخطو
في درب المتون
في زمان ليس فيه من
مكان لرهين
يركض الكون
ونبقى
نلعن الحظ اللعين
قصيدة أخرى (سؤال)
ألقيتها بعد حادثة تفجير المحيا
سؤال ظل يجردني
ليحرمني من التفكير
ويسرق مني الإحساس
بالفرحة كالمعتاد
وأسألكم بني وطني بلا إحراج
لماذا نرتدي الأبيض
ليعيد لونه أحمر
أعيد مثله الأعياد
وكيف الحال
يا ثكلى
وكيف الحال
يا جرحى
وكيف لنا
يا أحبائي أن
نهرب وأن نطرب
بيوم العيد
ويوم الهزيمة الكبرى
وفي أعماقنا أوتاد
وكيف لنا بأن نحفل
وأيادينا ملطخة
وأعيننا مشوهة
ويرقد بيننا أوغاد
وكيف لنا بأن ننسى
هدير الرعب
في دمنا
يطاردنا
وكيف لنا أن نسمح
أن يسرق
أراذلنا
عقيدتنا
إرادتنا
وتزرع حولنا الأصفاد
وكيف لنا أن نسمع
عواء الذئب
يرقبنا
يرعبنا من الداخل
ونحسب أنه الآخر
وهذا الوحش في أحضاننا
يرتاد
أنا أبحث في بلاغتنا عن التبرير
ونسمع صوت موتور
يدس السم في التبرير
أنهرب من مناحتنا
إلى أدغال فرحتنا
ونمعن في براءتنا
خصوصية القمر
إبراهيم العواجي: عندي مجموعة شعرية تتحدث عن خصوصية القمر، خيام القبيلة وأذكر أنه كان لي صديق من أذربيجان، أخذ مني مجموعة قصائدي وقام بترجمتها إلى اللغة التركية.
محمد العبد اللطيف: هل قمت بترجمة شعرك إلى اللغة الإنجليزية بنفسك، أم أوكلت الأمر إلى غيرك؟
إبراهيم العواجي: ترجم لي تلك القصائد وكانت الترجمة إلى اللغة الفرنسية أكثر شيء، هناك قصيدة ترجمت لي تحت عنوان (الغربة الأولى).
فكرة ترجف في حمى الضباب
رحلة تعقب رحلة وسحاب
ومات في رحم الضباب
وضباب ظنه الناس
سحاب
أيها العائد من بطن السراب
هل تحدثني
كثيراً عن تاريخ الذهاب
واستلاب الاستلاب
في زمان العولمة
وعن الأحلام
عن حظ الشباب
نقطة في تضاريس الوطن
سهم الدعجاني: دكتور إبراهيم العواجي.. هل لديك تجربة في كتابة الأوبريت؟
إبراهيم العواجي: طلبت مني مدارس الرياض أن أكتب لهم أوبريتاً.. وأذكر أنني كتبت ذات مرة قصيدة بعنوان (نقطة في تضاريس الوطن) حاولت فيها أن أعالج قضية شائكة في مجتمعنا خصوصاً في مسألة الزواج ما بين القبيلي وغير القبيلي.. وكثير من النقاد يرى الجماليات في تلك القصيدة من حيث لغتها وصورها أقول في مطلعها:
قرية تؤمن بالله
وتحلم
حلمها الضارب
في عمق الزمن
حول ما صار
وما يمكن أن
سوف يأتي
من أمانٍ
وفتن
تتسلى
بالزمن
في سباق قدري
لضمان القوت
فالقوت تحدّ
وشجن
تمضغ العمر
رتيبا
في صمود أبدي
رغم اصرار
المحن
لوحة مغمورة
في تضاريس الوطن
الحافز
عبد الله الصالح: سؤال يختصر الهواجس الوجدانية للشاعر الكبير.. بصراحة من الآخر الجمالي الذي يتحداه إبراهيم العواجي ويحفزه لإنتاج النص الشعري.
إبراهيم العواجي: سؤال جيد.. عندما تقرأ بعض قصائدي فسوف تلاحظ أن المرأة تختلط مع الوطن في النص الشعري، والجمال له أوجه كثيرة، الجمال ربما يعني المواقف الجميلة التي تمر في حياة الناس وهي بمثابة مجسمات مع الأسف أن تلك المواقف الجميلة في حياة الناس تذهب غير مرصودة إلا إذا كان الناس لهم في الهيكل الاجتماعي.
نقاد
إبراهيم التركي: هناك سؤالان من زميلنا محمد الدبيسي حول ملحمة الرواية الشعرية وموقف النقاد من قصائد إبراهيم العواجي؟
إبراهيم العواجي: فعلاً تستهويني كتابة ملحمة الرواية الشعرية وهي قريبة من نفسي وسوف أتجه إليها، أما بشأن النقاد فإنهم لم يتصدوا لشعري بالنقد لسببين:
1 فيهم من يجامل.
2 فيهم من يخاف بحكم موقعي الوظيفي.
(وكيل وزارة الداخلية) مع العلم أن قصيدة (نقطة في تضاريس الوطن) لم يكتب عنها النقاد إلا مرتين وأنا على رأس العمل وأحب أن أؤكد أنني شاعر تلقائي وأنا على يقين أن قصيدتي التلقائية مليئة بالأخطاء اللغوية وأعتقد أنه يفرحني جداً عندما يذكر الناقد سلبياتها وإيجابياتها على حد سواء.
وأنا شاعر لا أحفظ قصائدي، وأكتبها في وقت قصير جداً ولا أعود إليها إلا عندما أقرر بصدد إصدارها في مجموعة شعرية.
الرقيب
عبد الله الصالح: هل عانيت كمبدع من سلطة الرقيب؟
إبراهيم العواجي: دعني أقول لك بصراحة، لم أعانِ من سلطة الرقيب وأعتقد أنه من الخطأ أن يوجد هناك رقيب خصوصاً إذا علمنا أنه يوجد في الرقابة أشخاص مجتهدون ليس لديهم اطلاع في الفكر أو الاقتصاد أو الفلسفة والعلوم الأخرى، أضف إلى ذلك أن الأشياء التي يخشى الرقيب دخولها أصبحت موجودة بشكل ما هو أبشع منها في الإنترنت، لذا من الخطأ أن يكون هناك رقيب ويجب على المبدع أن يكون هو الرقيب المباشر على أعماله.
إبراهيم التركي: الدكتور إبراهيم العواجي وصل إلى أعلى مرتبة أو قريب منها في العمل الحكومي، كما حاز على أعلى الشهادات ويبقى العواجي المبدع الشاعر الذي ارتبط به كثيراً ونسي الناس ما سواه من ألقاب وشهادات ومناصب.. سؤالي: لو استقبلت من أمرك ما استدبرت ما الذي كنت تغيره من أمر حياتك؟
إبراهيم العواجي: سؤال مهم وأنا والله قانع بما كتبه الله لي، وأنا راض وأعتقد أن تكويني النفسي وتكويني المبدئي وغيره منطلق من هذ التجربة حتى أذكر أن كثيراً من الناس سألوني عندما تركت الوظيفة وقالوا: كيف لك أن تترك وظيفة من وظائف السيادة في الدولة وأنا على قناعة بأن الإنسان يظل أكبر من الوظيفة المناطة به، ولقد كنت محظوظاً بخدمة الناس من خلال موقعي وهذا أعتبره شرفاً كبيراً أن أكون في خدمتهم.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved