الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th March,2005 العدد : 99

الأثنين 18 ,صفر 1426

قصة قصيرة
رجع في زمن الأنين
محمد بن صالح القرعاوي
لم تكن تلك اللحظات الأولى من الفجر إلا خنجراً ينغرس في خاصرة الزمن الممتد بذلك الكيان عبر أزمنة من الصولات في أرجاء المنزل، خرجت من غرفتها على صوت التلفاز من قبل أن يرن جرس المنبه المؤقت على أذان الفجر، تجر الخطى نحو مصدر الصوت لعل أحداً يرد عليها وهي تحوقل وتدعو لهم بالهداية.. العكاز يسبح في الفراغ المتناهي في كنبة غرفة الجلوس.. مصدر الصوت ينذر بالهلاك، موسيقى وغناء في الهزيع الأخير من الليل، عبر نافذة التربية الأصيلة سقطت مفاتيح الكهرباء الموصلة للتلفاز. انغمست المخاطر في الخوف من القادم، نعم...... إنهم لايشعرون.
خرير صوت الماء عبر الصنبور في دورة المياه يرسم كوامن الغضب، يفجر قنابل الأسئلة.!
أليس الخوف من الله ديدن كل مسلم؟ ألا تشعرين بالملائكة المكلفين بحفظك؟
استدارت نحو مصلاها العتيق وهي تستغفر الله عن عدم القدرة على تصريف الأمور،.... الزمن تغير،،،، (هكذا كان التبرير المنطقي لامرأة في السبعين من العمر)... رجع السنين كان كفيلا بأن يضع الحمل الثقيل على أكتافها بعد أن فقدت العائل الوحيد الذي كانت معه لا تدرك معنى مسؤولية الإدارة.... وحين رحل...! جلست على قارعة الثقافة الجديدة على عالمها البدائي بتقنياته المعقده... وصيرورة الكماليات من الحاجات الأساسية لمسيرة الحياة.... فانفلت الزمام من بين يديها... سوى ترانيم الأدعية في جوف الليل... تقهر بها ضعفها من جوانبه العديدة.
عندما همت برفع يديها لتكبيرة الإحرام! فزعت لتلك الأيدي التي تلامس كتفها.... من؟ وماذا تريد...! همست بصوت يغلبه النوم...! ماما.. ماما... مكة مافي هنا......!
سارينا... وقد عرفت الصوت... لقد أفزعتني... ماذا تريدين...؟
ماما.... هذا قبلة مافي كويس.... وهي تحاول تغيير اتجاهها.
(ما تدرين عن البنات والأولاد هم قاموا للصلاة..؟) كان هذا التساؤل محاولة منها لتبرئة الذمة من هذه المسؤوليات الجسيمة..... لعل الخادمة تكون بذلك القوة حيث تطلب منها إيقاظهم.....!
(الله يهاديهم على طاعته)... دائما على لسانها حتى في ساعة الغضب.
حوار الصباحات... شيء آخر..! حينما تدك في نصائحها أسوار أولادها المستعصية على قدراتها اللفظية والجسدية.. عسى أن يروا منها وجهاً عبوساً فتتعدل طرقهم في الحياة.. التي لم تستطع قبولها منهم لأنها تعيش في زمن غير زمنهم...!
(الدين.. الصلاة... خير من هاللي يعمي العيون ولا فيه غير الشي الردي) هذا كان صورة صباحية تريح بها ضميرها اليقظ أمام غفلة هؤلاء الصبية.... تشعر بمن حولها... وتدعو لنفسها بحسن الخاتمة قبل أن تبتلى بمصائب هذا الزمان..
في إحدى الليالي رأت أن هذا العمل الذي تقوم به لا يرضي الله... حين لم تصعد سلالم المنزل وتوقظ الأولاد بنفسها... رأت أن الأمر يسير وصممت على المضي قدما... وقالت: خير البر عاجله...
أمسكت بعصاها... تجر الخطى... نحو السلم... وهي تنادي.... سارينا سارينا... لكن.... الليل يلف بصمته صحراء الراقدين ومقابر النائمين آخر الأمسيات....!
رجع الصدى عاودها حينما قام عصاها يتخبط بين أكوام المفروشات وتحف لا تعنيها شيئا... في مزالق الطرق المسلوكة لأول مرة.... تسمع الأنين.. وصوت العصا.. وتسارع الأنفاس... مؤشر على حساسية الموقف...!
في استراحة المنتصف عبر السلم الطويل.. وقف الشموخ.. حائراً...!!!
لأول مرة تمنت ذلك الصوت الحاضر الغائب في دهاليز المنزل القديم... تسير به الأقدام العارية.. لكن..!
فوق أبواب الغرف المقفلة يترنح عكازها المسكين.. حتى على باب المستودع العلوي...!
المساجد.. شرعت في أداء الصلاة... والسجادة العتيقة تفتقد تراتيل الفجر الأولى... حينها!
أجمع النائمون.... على إضافة النداء عبر التقنية الحديثة.
ومع هذا...! استمرت قبلات العكاز على وجنات الأبواب لكي..... تبرأ الذمة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved