الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th March,2005 العدد : 99

الأثنين 18 ,صفر 1426

بعد تجربة فناني الدوادمي في الغرفة التجارية
فنانو المملكة يفقدون الأمل في دعم واهتمام رجال الأعمال
محمد المنيف

في حقيبتنا لهذا الأسبوع إطلالة على قضية هامة لا يمكن تجاهلها تتمثل في أهمية اقتناء الأعمال من قبل المتلقي أو الجمهور وما يعود به هذا الموقف من دعم معنوي إضافة إلى ما يحققه الفنان من الدعم المادي لحل الكثير من المعوقات وفي مقدمتها ما يغطي كلفة إنتاج تلك الأعمال وما يترتب عليه إقامة المعرض من طباعة كتيب وخلافه.. ومن المؤسف أن يواجه الفن التشكيلي مثل هذا التراجع في الاهتمام مقابل ما يجده أمثاله في الدول الأخرى من الأخذ بالفنانين وتسهيل سبل عطائهم من منطلق وطني ثقافي، وإذا كنا لا نعتب على الطبقة العامة من الناس عودا إلى عدم قدرتهم على اقتناء مثل هذه الأعمال فإننا نعتب على فئات أكثر قدرة ولديها ما يمكنها من اقتناء أعمال مستوردة من هنا وهناك نتيجة جهلهم بالمردود الاقتصادي للوطن في حال وضعهم السمن في الدقيق كما يقال بتشجيعهم المنتج الثقافي المحلي.
***
لهذا وبعد تجارب محبطة نجد أن علينا تسليط الضوء ولو بالتلميح المختصر لنتعرف على حال نعتبرها من الأمور المهمة في واقع الساحة التشكيلية المحلية أصبح يصفها الجميع (بالقضية) ونعني بها القصور في مستوى الاقتناء في المعارض التي تقام في مختلف القاعات المتاحة حاليا في عدد من القطاعات الحكومية، هذه الصالات تستقبل العديد من المعارض التشكيلية وهي بيت القصيد اليوم أو هي ما نعنيه في سياق استعراض واقع الفن المحلي نتيجة ما يتم فيها من صدمات وإحباط للكثير من الفنانين، فالفنان مهما كانت تجربته يرى أن إقامة معرض لأعماله أو المشاركة بها في معرض جماعي تعتبر إحدى مراحل تحقيق الطموح ومؤشر لبدء الدخول في عالم الشهرة ابتداء بالجانب الإعلامي وصولا إلى الكسب المادي وهو بيت القصيد.
من هنا وحول هذا الموضوع وبعد فترة من التردد في التطرق له ومع ما حدث لمعرض فناني نادي الدرع بالدوادمي في شهر شعبان العام الماضي من تجاهل مؤلم ومؤسف من قبل رجال الأعمال وبعد متابعة لعدد من المعارض التي أقيمت لا حقا باستثناء البعض منها نتيجة تدني مستواها في الشكل والمضمون وجدت أن هناك دافعا للكتابة وللحديث مع أن المعرض يقام في حضن رجال الأعمال (الغرفة التجارية بالرياض وهي خطوة تشكر عليها الغرفة والشكر لمن كان خلف إقامة المعرض، منهم الأستاذ فهد الحمادي رئيس أعضاء المجلس التنفيذي في غرفة الدوادمي وللأستاذ صالح السلوم رئيس نادي الدرع وللأستاذ خالد الحميضي رئيس اللجنة الثقافية بالنادي والشكر موصول للداعم والمستضيف الشيخ عبد الرحمن الجريسي رئيس مجلس الغرفة بالرياض.
جاء الفنانون إلى رجال الأعمال بعطاء مشرف راق نافسوا به على المستوى العربي و العالمي جاءوا ليس استجداء بقدر ما هو تعريف بهذا الفن لهذه الطبقة من المجتمع رجال الاعمال ودعم الابداع لقد كان المعرض محط أسماع وأنظار مختلف الفنانين على مستوى المملكة بعد الإعلان عنه خصوصا انه جاء في وقت يقام فيه مناسبة هامة لرجال الأعمال جمعت غالبيتهم فأصبح تواجد المعرض بمثابة اختبار وتعرف على ما يمكن أن يقدمه هؤلاء الرجال للتشكيليين السعوديين ممثلين في فناني نادي الدرع بالدوادمي من دعم إذ إن رجال الأعمال أهم ما يمكن أن يعتمد عليه لمثل هذه الفعاليات والمناسبات أسوة بما يجده التشكيليون في مختلف الدول العربية الشقيقة حيث يبرز دور هذه الفئة أو النخبة الهامة واهتمامهم بالثقافة بمختلف مشاربها ومنها الفنون التشكيلية، فعلى سبيل المثال أكثر المهتمين بالفنون التشكيلية في مصر وفي الكويت والإمارات هم رجال الأعمال.
لقد توقعنا في هذا المعرض أن تقتنى جميع أعمال الفنانين إذا اعتبرنا أن المعرض يمثل نموذجا للفن السعودي بما يضمه من مبدعين من خيرة الأسماء المطروحة على الساحة كما أن من بينهم نخبة لا يمكن إغفالهم أو إغفال تواجدهم ومشاركاتهم لامتلاكهم الخبرات والتجارب الناضجة أسهموا بها في مسيرة الساحة وشاركوا في بنائها عبر تشكيلهم مجموعة فناني الدوادمي للفنون التشكيلية التي حققوا بها حضورا محليا كبيرا كما حقق بعض أفرادها حضورا عربيا وعالميا فأصبحت أسماؤهم بارزة وفاعله، فالمجموعة مزيج جميل من التخصصات تنوعت في معارضهم الإبداعات التشكيلية من أعمال زيتية ونحت على الخشب والرخام وغيرها من سبل التعبير إضافة إلى تجدد وتنوع الأساليب الفنية بين واقعية وتجريد ورمزية إلى آخر المنظومة، لهذا فالمعرض كان مرضيا لجميع الأذواق والثقافات بجانب أن عدد رجال الأعمال الذين حضروا المعرض ليس بالقليل.
صناعة المبدعين استثمار وطني
توقعنا أيضا أن يخرج لنا المشاركون من التشكيليين بقناعة من بعض رجال الأعمال بمساهمة وطنية تتمثل في مشروع تشكيلي يتضمن إنشاء قاعات او تبنى معارض او تأسيس معهد للفنون التشكيلية مع أن كل هذه الرغبات أو المتطلبات الوطنية يمكن استثمارها إذا عدنا إلى أهم ما يسعى إليه الحضور، إلا أن الأمر لم يكن كما تخيلناه أو كما استوعبته أحلام التشكيليين حيث كان تجاهل الجمهور الحاضر للمعرض دليلا قاطعا على أن الفن التشكيلي لا زال في حاجة ماسة للتعريف به كجزء من حضارة وثقافة وطنية لا يمكن إغفالها وعلى وزارة الثقافة والإعلام أن تبادر في قادم الأيام على الأخذ بها تعويضا لتلك النتائج السلبية في الساحة التشكيلية السعودية والتي يبرز فيها الجمهور وقت الافتتاح مجاملة للمفتتح ويختفي او يغض الطرف عن الاقتناء.
هؤلاء دعموا الفن التشكيلي
ورغم الشعور بالإحباط من الموقف إلا أن الأمر لا يعني افتقار الواقع بشكل عام للمقتنين من هؤلاء النخبة فهناك أسماء نقدر ونعتز بمواقفها لدعم الفنون التشكيلية المحلية، منهم الشيخ عبد المقصود خوجه، والشيخ عبد الرؤوف خليل و د. طلال ادهم، والشيخ إبراهيم الخريف، والشيخ محمد أبالخيل والذي قال لي في وقت سابق مجيبا على سؤال حينما كان وزيرا للمالية عن اهتمامه باقتناء الأعمال التشكيلية السعودية، انه يسعد بإهدائها لزوار المملكة وهم أيضا يسعدون بها، ففيها كل ما يعنيه الإبداع الوطني, كما لا أنسى الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة الذي حرص على أن يحتضن منزله العامر أعمال فنانين سعوديين وكذلك الأستاذ تركي السديري رئيس تحرير جريدة الرياض واهتمامه بالفنون التشكيلية واقتناؤه لها.. هذه نماذج لرجال أعمال مثقفين واعين بدورهم في صناعة ودعم الإبداع، هؤلاء هم من نبحث عن أمثالهم ونتمنى أن نجدهم في معارضنا التشكيلية..
الفنانون بين كاسب
للمادة ومرتقٍ بالذائقة
وفي هذا الإطار ومع ما عتبنا فيه على رجال الأعمال الا أننا لا يمكن أن نتجاهل الجانب الآخر من القضية وهو الفنان ففي الساحة التشكيلية من لا يعي كيف يتعامل مع المقتني وكيف يضع القيمة المادية لأعماله فقد يكون في مبالغته فيها ما يدفع المقتني لصرف النظر عنها وعن الساحة بأكملها، لهذا يأتي السؤال (كم هي قيمة لوحاتك) ابرز الأسئلة المطروحة على كل من يتعامل مع الساحة التشكيلية من الفنانين أياً كان حجم تجربته او عمره الفني، والمعني هنا (المكسب) أو الكسب المادي مع تحفظنا على الكسب المعنوي الذي لا يجد له في عقلية بعض من يطرح مثل هذا السؤال أي مكان، دون علمه أن مثل هذا السؤال يسقط كالمطرقة على مشاعر غالبية الفنانين ليضعهم في دائرة البحث عن كيفية الإجابة.. وهنا تختلف الحقيقة بين فنان وآخر في مستوى حقيقة العلاقة مع النفس ومع الآخرين عودا إلى حجم تمسك الفنان بمبادئه التي تحتمل الصدق او عكسه، فهناك من الفنانين من يغلف واقعه بالمبالغة ويدعي بيع أعماله بأسعار كبيرة وأن هناك من المقتنين من يقف في طابور طويل على مرسمه بينما نجد أن تلك الأعمال قد غلفها الغبار وتبدلت نظارتها إلى شحوب، هذا الأسلوب من إضفاء ما لا يمكن تصديقه أحدث فجوة في العلاقة بين الفنانين وبين المتلقي أو المقتني في حال جس نبض الساحة يدفعه للابتعاد والبحث عن بديل ارخص.
إضافة إلى المبالغة في قيمة الأعمال الفنية التي يشارك بها الفنانون في المعارض الجماعية مع أن غالبيتها ضعيفة المستوى في الشكل والمضمون، ولا ننسى انتشار الأعمال الغثة التي تحمل أسماء سجلت في تاريخ الفن التشكيلي كفنانين مع أن ما يقدمونه من لوحات اقل من أن يوصف أصحابها بالرسامين فانتشرت تلك الأعمال في المقاهي ومحلات الحلاقه.
حلول وجسور تواصل قد يتساءل البعض عن كيفية الوصول إلى الفنانين والبحث عن الفنان المتميز الذي تستحق أعماله الاقتناء وهذا تساؤل مطلوب مع أننا لا نعتقد بوجوده ولكن الحلول التي نرى أنها تشكل في حال تنفيذها حلقة وصل بين الجمهور المتذوق والحريص على اقتناء الأعمال المحلية تتمثل في التالي: إنشاء متاحف فنية تشكيلية بدعم رسمي أو بمساهمة رجال الأعمال تحتوي هذه المتاحف على التعريف بتاريخ الفنون العالمية وصولا إلى الفن المحلي وعرض الأعمال التي تحمل خصوصية المكان والتاريخ بمختلف سبل التعبير مع التأكيد على اكتمال شروط العمل الفني المتميز فيها.دعم الفن التشكيلي إعلامياً بتخصيص برامج تغطي جميع جوانبه وتعرف به للجمهور.
إصدار مطبوعات منها مجلة متخصصة إضافة إلى دعم الكتاب التشكيلي إعادة النظر في تدريس مادة التربية الفنية والارتقاء بها من مرحلة تنمية المهارات إلى مرحلة تذوق العمل الفني والارتقاء بوجدان التلاميذ. إنشاء قاعات عرض متخصصة في مختلف المدن الرئيسية.
إدارة للفنون التشكيلية
ولتكن جمعية ذات أهداف وبرامج تعنى بالفن والفنانين تتضمن قاعدة بيانات تتم من خلالها معرفة مستوى الساحة وتكون مرجعا هاما لدعم المتاحف وقاعات العرض.
الاهتمام بجانب إجازة الأعمال والتركيز على المستوى الفني احتراما للذوق وحفاظا على مستوى ما يقدم من أعمال للجمهور.
جهل المقتني بمعنى اقتنائه للعمل التشكيلي هذا الموقف يدفعنا للحديث عن أصناف المقتنين في مجتمعنا العربي عامة وفي السعودية على وجه الخصوص ولنا أن نستعرض بعضها الصنف الأول: الأكثر ندرة يتميز من ينتسب إليه بالثقافة والوعي يقتنون ما يتناسب مع ثقافتهم ورقيهم بناء على معرفة مستفيضة بما يعنيه العمل الفني بكل أشكاله وأنماطه كونه ثروة وطنية.
الصنف الثاني: يرى أن في اقتناء العمل الفني أو التحفة الفنية ما يربطها بتنوع مصادرها توثيقا لرحلاته السندبادية حول العالم وهذا أمر لا يختلف عليه أي محب للفنون والرحلات إلا أن فيه إجحاف بحق الفنان المحلي.
الصنف الثالث: نظرته محدودة وقدرته لا تتوازى مع الأصناف السابقة فيلجأ إلى البحث عن الأعمال المقلدة التي تبرز فيها ملامح البيئة والتراث بشكل تسجيلي رسمت بأيدي عمالة مستقدمة أو أعمال مستنسخة بخسة الثمن.
الصنف الرابع: هؤلاء لا تعنيهم اللوحة أو مصدرها بقدر ما يعنيهم صلتها بالديكور وبألوان الستائر وبقية الإكسسوارات.. أخيرا نصل إلى أن الساحة التشكيلية في حاجة ماسة لإيصال مفهومها وما يعنيه منجزها الإبداعي من أهمية ثقافية وطنية تندرج ضمن سياق الحضارة وان واقعها يحتاج وقفة مشرفة من رجال الأعمال استكمالا لما تم القيام به من الدولة والنظر إلى أن الأخذ بالفن وفنانيه وتهيئة السبل لهم ما يدفعنا لتحقيق المنافسة الثقافية فالحضارة لا تكون بمظاهر البناء إذا لم تنطلق من الإنسان أولا وبما يحمله من ثقافة متأصلة ومنبعثة من تراثه, وبما يتحقق له من سبل الدعم، ويكفي لنا الفخر بما تحقق للإنسان السعودي الكثير من الأمثلة والشواهد، أما الجانب الآخر فيكشف أن غالبية الفنانين غير قادرين على التعامل مع منجزهم التشكيلي نتيجة جهلهم بالفارق بين الكسب المادي وبين الارتقاء بالذائقة من منطلق احترامهم لإبداعهم.


monif@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved