*** |
لذا فإنه يقل عدد المتميزين بأخلاقهم وصفاء نفوسهم وتفوقهم على ذواتهم في التعامل مع الآخرين، وهؤلاء هم الذين يمثلون النخبة التي تتمتع بالصفاء والودِّ نحو الجميع ومن الجميع، ومن أفراد هذه الصَّفوة المختارة صديقنا الحبيب أبوطارق.. لا أسجِّل له هذا الموقف جزافاً وانما أسجِّله واقعاً صادقاً لأنه أهل له بخلقة الرفيع ونبله المعهود، مواقفه المشهودة في كل مجال عمل فيه ومع كلِّ زميل أو صديق تعرَّف عليه، فهو يفرض احترامه على كل من عرفه أو تعامل معه بما حباه الله من حسن الخُلق وشفافية الروح. |
*** |
وباطلاعي على مجلة الجزيرة الثقافية يوم الاثنين الموافق 19/2/1424هـ فوجئت باطلالة هذا الصديق العزيز الذي تربطني به صلة قديمة متجددة كلما تفرقت بنا سبل الحياة جمعتنا أواصر المودة.. تربطني بهذا الصديق النبيل وشائج متينة شِخْنا أنا وهو وما شاخت تلك الصداقة، ولا وهَنَتْ تلك الوشائج فهي صداقة ممتدة بامتداد عُمرينا منذ أن كنَّا نخطو في مدارج الصبا والشباب، وقد كان اللقاء الأول الذي جمع بيننا جرى في أشرف البقاع وأقدسها في مكة المكرمة، ومنذ ذلك العهد الذي كنَّا نمارس فيه تطلعاتنا المحدودة وأحلامنا الصغيرة من خلال المسيرة التعليمية: ما زالت الرابطة الأخوية تتوِّج هاماتنا وتسود علاقاتنا. تحدوها ذكريات حين كنا نركض في مرحلة الشباب فنرى الآمال ولا نشعر بالآلام على الرغم من محدودية المادة وتقشُّف الحياة، وهانحن الآن لا نستطيع الركض كما كنا نفعل في الماضي، فنحن في حاضرنا نتعثر في خطوات الشيخوخة. أسأل الله تبارك وتعالى أن يختم لنا جميعاً بخاتمة السعادة. |
*** |
ومن ذكرياتنا في ذلك العهد وقد كان التعليم النظامي في مستهل بداياته: كنا شغوفين بقراءة المجلات والصحف الوافدة الى مكة المكرمة وكانت مكتبة الثقافة في باب السلام هي موردنا الذي ننهل منه ما نقرؤه فتختزنه أذهاننا الغضة وذاكرتنا الفتية، وكنا مع محدودية المادة في أيدينا نشتري تلك الصحف لنستوعب ما يُنشر فيها لأساطين الفكر ورواد الثقافة من جيل الرعيل الأول في العالم العربي الذي سبقنا في هذا المضمار، ومن ملامح ذلك الاستيعاب الثقافي أن أحد الدارسين في المرحلة الثانوية في مكة المكرمة في ذلك العهد كتب موضوعاً جيداً نشرته مجلة: «صوت البحرين» وقد كانت من بين المجلات التي ترد إلى هذه البلاد العزيزة، وصار لهذا الموضوع الذي نُشِر صداه في الأوساط التعليمية وبين الطلاب، فقد كان ا لنشر حينذاك حِكراً على كبار الأدباء والمثقفين، ولكن نضج الكاتب وابداعه فيما كتب؛ مما مهد لقبول نشره في مجلة أدبية كان لها دورها الريادي في صحافة البحرين. |
*** |
وهنا يرد التساؤل مَن هو هذا الفارس الذي اقتحم ميدان النشر وهو في سن مبكرة ولا يزال في غضارة الشباب في مرحلة دراسية ثانوية؟ الجواب أنه نبوغ مبكر وموهبة أصيله واستعداد ثقافي يوحي بمقدم فارس جديد الى الساحة الثقافية. أما فارسنا الأصيل فهو صديقنا على مدى نصف قرن أو يزيد الأستاذ عبدالله بن حمد القرعاوي، وقد سألته هل لا يزال يحتفظ بالعدد من المجلة التي نُشر فيها ذلك المقال، فأجابني أبوطارق أنه كان يحتفظ بذلك العدد فيما سبق أما في هذا الوقت فلا يدري أين هو، ولعله لم يهتم بهذا المقال الذي هو باكورة انتاجه ولا بالكثير مما انتجه نثراً وشعراً، ولعلها تكون مهمة الأصدقاء والمحبين وهم كثيرون. |
*** |
ومَن يعرف الأستاذ عبدالله القرعاوي تتجدد في ذهنه صورة هذا الانسان ثقافة وسلوكا بما يملكه من تألق السجايا وسمو الأخلاق، وهو الى جانب ذلك يتمتع بموهبة أدبية متوهجة لكنه كسول في تفعيل هذه الموهبة، ولعل مرد هذا الى أنه يحيا بمنأى عن الظهور فهو يتحاشى الأضواء ويتفادى البروز على الرغم من ان موهبته الأدبية وأصالته الشعرية تؤهله لأن يكون محطّ الأنظار. لكنه يمارس العزوف عن أضواء الشُّهرة التي لم تكن تُغريه بالنشر إلا في حدود سبحات فكرية من النثر والشعر، فهو شاعر موهوب له شعر في غاية الابداع وأديب متمكن من مادته إذا كتب، ولكنه متّعه الله بالصحة الدائمة والعمر المديد لا تفيض شاعريته ولا تتألق أفكاره إلا من خلال نداء تداعيات وجدانية أو إضاءة فكرية تحت لحظة آنية يستجيب فيها لحسِّه الداخلي وشعوره الذاتي فيبدع شعراً أو نثراً ولكنه ابداع المقلّ. |