الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th April,2003 العدد : 9

الأثنين 26 ,صفر 1424

فاطمة الرومي.. قاصة مختلفة.. لماذا؟!
حمد العسعوس

الشيء الوحيد الذي كنت أعرفه عن فاطمة الرومي أنها محررة متعاونة مع إحدى المجلات السعودية، اتصلت بي ذات يوم وأجرت معي حواراً ادبياً، تركزت معظم اسئلته على علاقتي بالمرأة، ومدى تأثير تلك العلاقة في عطائي الشعري.
ومنذ ايام فوجئت بأن «فاطمة الرومي» قاصة، اقامت امسية قصصية في جمعية الثقافة والفنون بالدمام، وذلك من خلال اطلاعي على تغطية لهذه الفعالية على صفحات جريدة الجزيرة.
ومن المقاطع التي استشهد بها المتداخلون في الامسية، ادركت اهمية القضايا والمضامين التي تطرحها «فاطمة».
ولانني احد المهتمين بقضية المرأة، استطعت الحصول على بعض تلك النصوص، التي سوف اتوقف عند اثنين منها هما:
1 عندما تغيب عائشة.
2 جواز سفر.
النص الاول:
«عندما تغيب عائشة»
في مفتتح النص تلقي القاصة حزمة من الضوء «الفلاش» على الموقف المتأزم بين عائشة وزوجها.
هي تهدده بالهروب وبأنها ستخرج من اسره ذات يوم، وهو يهددها بأنه يستطيع ان يستبدلها بأخرى ان لزم الامر.!
***
في المقطع الثاني اصبحت الرؤية غائمة وتكتنفها الضبابية كعيني عائشة اللتين رأى زوجها حين صحا من نومه «خواءً غريباً يغمر فراغ عينيها الغائمتين» .
وكنت اتساءل، وانا انتقل بين جُمل هذا المقطع:
ماذا اصاب عائشة؟!
هل ماتت..؟! هل هربت..؟! هل كانت في حُالة اغماء..؟!
لان العبارات التي تألف منها هذا المقطع، وهو الاطول بين مقاطع النص الثلاثة، يوحي بكل هذه الحالات.
وظلت هذه الاحتمالات تساورني حتى جئت على بداية المقطع الاخير من النص:
«بعد ان داهمه غيابها».. الخ
عندها وصلت إلى حالة اليقين بأنها خرجت..
ولكنها تركت له جسدها على المقعد..!!
جسدها فقط.
***
النص الثاني
«جواز سفر»
هذا النص يطرح او يعالج ثلاث قضايا للمرأة هي: قضية السفر، وقضية التعليم، وقضية الزواج. ويوحي النص بأنه لا خيار للمرأة في كل هذه القضايا، فهي مسلوبة الارادة، لا تستطيع السفر، ولا تستطيع إكمال تعليمها، ولا تستطيع الزواج بإرادتها واختيارها.
مقدمة النص لا علاقة لها بالاحداث والمواقف والحوارات التي يتألف منها، هي مجرد تهيئة للدخول في اجواء النص. وتصور مشهداً لفتاة تصحو من نومها، وتصفف شعرها، وتتناول افطارها، وتقرأ جريدة الصباح.
***
في المقطع الاول تطرح القاصة فاطمة الرومي قضية سفر المرأة وتفكيرها في الحصول على وثيقة تخولها زيارة اجمل بلدان العالم، مثل اخيها «الذكر» الذي اصبح يمتلك جواز سفر، ويستطيع بواسطته ان «يتخطى كل الحدود ويحلق في كل سماء».
ذلك التفكير الذي يتلاشى.. يتبخر.. ينتهي.. برد أبيها الصارم:
«سفر البنات عيب.. البيت هو مكان البنت.. البيت فقط».
***
المقطع الثاني من هذا النص يطرح قضية تعليم المرأة، وتفكيرها في الحصول على المفتاح الذهبي «الشهادة» ذلك المفتاح الذي طالما حلمت به، والذي يتحول الى رماد تذروه الرياح، حينما جاء صوت والد بطلة القصة كالرعد، بعد حصولها على الكفاءة المتوسطة:
«إنك الآن تقرئين وتكتبين، وهذا يكفيك، ولا ذهاب للمدرسة منذ الآن».
***
وفي المقطع الثالث حولت بطلة القصة حلمها الضائع في الحصول على «جواز» سفر الى حلم للحصول على «جواز» من نوع آخر «سوف يطرق الباب يوماً، ويخرجها من دائرة العيب والممنوع». وكان «العوام» في نجد يطلقون على الزواج «جواز»..! إذن فالمسألة «جواز» بدلاً من جواز..!
ثم دخلت في هواجس المرحلة القادمة.. او «الجواز» القادم، بكل احلامها المتناقضة:
«ترى هل ستكون حياتي القادمة افضل من هذه»؟!
وتعقد في هذا الاطار مقارنة لطيفة بين جواز اخيها و «جوازها»، فجواز اخيها يخوله العودة بعد السفر اذا احس بعدم ارتياحه، اما «جوازها» فيجب ان تستبعد فكرة العودة من خيالها.. لماذا؟!.
لان «عودة البنت الى بيت ابيها لغير الزيارة عيب».
***
ما تطرحه القصتان من مواقف مجرد نموذج للاشكالية المتأزمة التي تعاني منها المرأة، ولا يريد ان يعترف بها الرجل.
دعونا نفكر في نماذج اخرى تدل على ان تهميش المرأة والتقليل من شأنها وسلبها ارادتها واختيارها، انما هو جزء من ثقافتنا.. شيء او طبع مغروس في نفوسنا وعقولنا، لا نستطيع التخلص منه.
وكمثال على ذلك:
رجل متعلم وعلى درجة كبيرة من الوعي يتزوج ويرزق بطفلة جميلة، يفرح بها ويختار لها اجمل الاسماء، ويكنى باسمها «ابو فلانة».. ربما على مدى سنوات طويلة.
واذا رزق بطفل ذكر بعد اربع.. خمس.. ست.. سبع.. ثمان.. او اكثر من البنات، فانه يلغي هذه السلسلة، وهذا العقد الجميل من الجواهر، ومنذ اليوم الاول لتسمية الطفل «الذكر» يصبح الاب «ابا فلان» بدلاً من «ابي فلانة»..!!
ولكم جميعاً ان تتصوروا مدى الشعور بالمرارة في نفس ووجدان فاتحة العقد «فلانة» عندما يشطب اسمها الطفل القادم ويلغيه، ويتقبل اهلها هذا المسخ بكل فخر؟!
واعرف صديقاً جاهدت ابنته في سبيل الابقاء على كنية ابيها.. ولكن دون فائدة. كانت اذا اتصل احد اصدقاء ابيها وقال:« ابو فلان» موجود؟ تقول له:« ابو فلانة» لو سمحت.
ظلت على هذا المنوال فترة من الزمن ولكنها احست بأنها عاجزة عن هزيمة تلك العقلية الراسخة في الجهل، ولذلك فقد استسلمت للأمر الواقع، ولم تعد تقول جملتها الاعتراضية للمتصلين.
***
اما لماذا «فاطمة الرومي» قاصة مختلفة؟! فالجواب: لانها تحمل قضية المرأة في وجدانها.. لانها اختلفت مع واقع المرأة الذي يستمرؤه غيرها.. لانها تطرح قضاياها بكثير من الوعي والتجرد والمصداقية.
وهذه صفة المصلحين المبدعين او المبدعين المصلحين الذين يسعون الى تنوير المجتمعات واضاءة زوايا العتمة، من خلال عطاءاتهم المضيئة.
وكم نحن بأمس الحاجة الى امثال هؤلاء المبدعين والمبدعات، لإزالة ركام الماضي واخطائه وتداعياته.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved