الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th April,2003 العدد : 9

الأثنين 26 ,صفر 1424

ذاكرة الطفرة
قراءة في رواية «سياحة الشقاء» (1-2)
حسين المناصرة
JPG.19
«جاءت من غبار سياحة وثغاء أغنامها، وجدت منزلاً أرقى من سابقه، فهي بمجرد لمس زر في الحائط تجد النور مضاء، وكانت تقول بسم الله عند ضغطها للزر بحذر» «الرواية ، ص177».
تبدو ذاكرة الطفرة وتحولاتها الايجابية والسلبية، هي الصياغة السردية المهيمنة على رواية «سياحة الشقاء» لمحمد أبو حمراء، ويعني بالطفرة تلك النقلة المفاجئة في الظروف الاقتصادية واثارها العميقة على الحياة الاجتماعية نتيجة اكتشاف النفط وتصديره، حيث أثر هذا التحول كثيراً على مستويات حياة الأفراد وتكويناتهم الاجتماعية، وخاصة في مجال التحول الواضح من حياة البداوة التقشفية الفقيرة في الريف والبادية معاً إلى حياة المدينة الجديدة المرفهة اقتصادياً على وجه العموم..
وبذلك كانت العلاقة بين الريف والبادية من جهة والمدينة من جهة أخرى بنية محورية في تشكيل بنى السرد العربي الحديث عموماً، ولأن موضوع الرواية العربية هو التحول تحديداً فإن الانتقال الريفي أو البدوي إلى المدينة يعد جزءاً مهماً في سياق توضيح حركية الشخصيات في السرد، مع وجود فارق بين روائي وآخر، حيث يقدم الروائي الجيد ما يدهش أو يصدم في هذا المجال.
إلا أن السارد «أبو حمراء» لم يقدم في روايته هذه كثيراً مما يدهش أو يصدم، فهو اشتغل على السردية التسجيلية الخارجية عموماً، ولم يتغلغل كثيراً إلى أعماق الشخصيات، فيكشف آمالها وأهواءها وتناقضات الخير والشر فيها، وكذلك لم يتغلغل إلى أعماق المكان فيقدمه في سياق ما يمكن أن نسميه الواقعية السحرية بوصفها التحول الجمالي الأساس في تغييب التسجيلية الانشائية عن حركية السرد وتغيراته..
فهو إن جعل شخصية ثابت، ومن بعده ابنه راشداً، ثم ثابت بن راشد: «مفتاح الخير والشر» فإنه لم يظهر هذه الثنائية من خلال التغلغل إلى أعماق الشخصيات، فبقيت البنية السردية عموماً عادية، غير لافتة، بل قد تولد أحياناً من خلال القراءة تحديداً، ربما بسبب بلاغة الخطاب اللغوية، أي بسبب هيمنة صوت الكاتب اللغوي على الجمل السردية، مما يغيب التعددية الصوتية أو الحوارية، التناقضية بين الشخصيات..
وهذا ما يجعل «سياحة الشقاء» بالتالي بنية سردية تعود إلى مرحلة النشأة في الرواية العربية السعودية، بمعنى أنها تقصر عن أن تنتمي إلى رواية التسعينيات، أي أن هذه الرواية تنتمي إلى سياق روايتي «العدامة» لتركي الحمد، «وشقة الحرية» لغازي القصيبي، مع فارق كبير بين السياقين، وهو أن هاتين الروايتين فيهما ما يشير أحياناً أو يصدم من خلال الجرأة في التعبير عن المسكوت عنه، على عكس رواية «سياحة الشقاء» التي تقدم تاريخاً للقرية وامتدادات أهلها في المدينة مع كمية محدودة في المؤثرات الجمالية أو في الجرأة الاجتماعية.
يقول الرجل ذو اللحية البيضاء عن ثابت «ثابت الثابت. نعم الرجل إنه مفتاح الخير والشر.. إنه يجمع كل الصفات حلم وجنون، خير وشر، رجولة ولؤم، من أين أتيته وجدت ما تريد» «ص 86 87»، وهذه الصفات نفسها انتقلت إلى ابنه راشد، ومن بعده إلى ابنه ثابت، حيث تركز الرواية، على شخصية راشد بوصفه البطل الرئيس فيها، حيث وضعت الشخصيات الأخرى لتوضيح معالم هذه الشخصية، ولابراز دورها في تفعيل السرد بطريقة تقريرية فضفاضة!! يقول السارد عن راشد بن ثابت في بدايات بلوغه:«عقله عقل شيخ، وجسمه جسم مراهق، ولسانه لسان أفعى، وقلبه قلب طفل» «ص 1 2».. ولا نجد في المحصلة النهائية ما يوضح هذه اللغة الانشائية في حياة كل من ثابت وراشد، أو في علاقتهما بالشخصيات الأخرى..
يسيطر على القسم الأول من الرواية تصوير الحياة في قرية «سياحة» وكمد يتضح من العنوان فقد ربط الكاتب بينها، وبين «الشقاء» بوصفه أبرز معالمها، حيث نجد هذا الشقاء في الفقر، ونكبات السيل والجرب، والمشكلات الاجتماعية الكثيرة بين الناس خاصة في مجال «المعارك بين أهالي القرية التي غالباً ما تحل مشكلاتها بالطرق العشائرية، وكثرة القال والقيل خاصة بين النساء، يضاف إلى ذلك الحديث عن العادات والتقاليد في الزواج، وجني ثمار النخل، وتربية الأغنام، والتاريخ بالزواج أو السيل أو الجرب لحياة الناس.. وتبرز أسورية ثابت وموته، دون توضيح اشكالياتها أو الحديث عن سبب موته الذي يوضح في آخر صفحتين من الرواية من خلال اعتراف أحدهم بعدما يقارب ستين عاماً من موته بأنه قتله خطأ..
تركز الرواية على بيت ثابت، وزوجة أم راشد، وابنه راشد، حيث نرى الأم نموذج الصبر والحرص على البقاء في القرية بعد وفاة الزوج، بينما يميل ابنها راشد إلى الخروج من البلدة بحثاً عن الرزق في المدينة الكبيرة «الرياض»، وهذا ما يحدث بعد موت أمه، حيث تنتقل الرواية إلى متابعة حياة راشد في المدينة الشرقية «الدمام» لترينا من خلال هذه الحركية أو التحول المكاني سمات جديدة في المدينة تختلف عن القرية، لتسير بعد ذلك حركية السرد في سياق ذاكرة الطفرة وتحولاتها الاقتصادية والاجتماعية!!
فقد كان رحيل البطل «راشد بن ثابت» عن سياحة بعد أن فقد روابط كثيرة تربطه بها، وخاصة موت أمه وموت أغنامه، يقول لنفسه:«الأب مات.. الأغنام نفقت.. الأم ماتت.. ارحل يا راشد.. لا تبق هنا «في سياحة» فموتك وحياتك سيان» «ص 57 58».
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved