الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th August,2006 العدد : 168

الأثنين 4 ,شعبان 1427

القضايا العربية في الثقافة الأمريكية (3)
سعد البازعي

أشرت في المقالة الماضية إلى أن الثقافة الأمريكية كلٌّ مركبٌ لا ينبغي اختزاله كما لو كان كياناً متجانساً، ليس بالنظر إلى مفهوم الثقافة فحسب، الذي نعرف جميعاً كم هو معقد، وإنما أيضاً بالنظر إلى صفة «الأمريكية» التي نختزلها أحياناً كما لو كانت كلاً واحداً وواضح المعالم.
لكني أعرف أن الدخول في لجة هذه المفاهيم يعني عدم الخروج منها قبل مقالات ومقالات، وهو ما لست مهيئاً ولا راغباً في الدخول فيه، ولا هذه المقالات الصحفية من النوع الذي يستوعب كل ذلك التعقيد. يكفي أن ننطلق هنا من الوعي بإشكالية المفاهيم التي نتعامل معها، والتي أختصرها وإن على حساب تعقيداتها بالقول إن المقصود بالثقافة الأمريكية هو تلك الأنماط المتعددة من الإنجاز الفكري والفني والأدبي المنتج على مستوى النخبة المبدعة في مختلف المجالات المشار إليها والتي تعكس تعدد التركيبة الإثنية (العرقية/ الاجتماعية/ الثقافية) للنخب الأمريكية من ناحية، وتعدد اهتماماتها ومصالحها، من ناحية أخرى، مثلما تعكس، من ناحية ثالثة، اندماجها في السياق الحضاري الغربي.
بتوضيح المنطلق المفاهيمي نستطيع أن نعيد طرح الأسئلة حول الكيفية التي تبدو فيها الثقافة العربية للمثقف الأمريكي، والمقصود به هنا المثقف المعاصر.
وقد أشرت في المقالة الماضية إلى عدد من الأسماء التي يمكن تناولها في هذا السياق، ومنها للتذكير فقط شعراء مثل روبرت بلاي ونقاداً مثل هارولد بلوم وروائيين مثل جون أبدايك وفلاسفة مثل ليو ستروس.
وكنت قد أوردت أسماء أخرى في المقالة الأولى من هذه السلسلة مثل: عالم اللغة والمحلل السياسي نعوم تشومسكي. وإشارتي، كما أوضحت في المقالتين الماضيتين، محصورة في المثقفين الأمريكيين خارج إطار التخصصات السياسية والاقتصادية، أي أنني لست معنياً بمن يكرسون اهتمامهم لقضايا الشرق الأوسط ضمن اهتماماتهم بالوضع السياسي العالمي. ومن هنا فإنني لست معنياً بتشومسكي بوصفه واقعا إلى حد كبير ضمن ذلك السياق التخصصي نتيجة لكثرة دراساته ومواقفه السياسية وشهرتها. مثلما أنني لست معنياً بمفكر سياسي آخر مثل فوكوياما أو هنتنغتون أو بيرنارد لويس أو بالمختصين بالشرق الأوسط عموماً.
فهؤلاء شأنهم معروف أو أسهل متناولاً لقربهم من القضايا العربية والجيوبوليتكية عموماً.
عندما نأتي إلى المثقفين خارج الدائرة المشار إليها، أي إلى المفكرين والكتاب والفنانين سنجد أن الثقافة العربية، أو بالأحرى العربية الإسلامية، احتلت واجهة الاهتمام لدى بعض أولئك ممن لم يكونوا ليهتموا بها من قبل، وذلك لسبب واحد معروف، هو الحادي عشر من سبتمبر.
فمن يزور المكتبات الأمريكية، أي أماكن بيع الكتب وليس المكتبات الجامعية والعامة، سيجد أن كتباً كثيرة حول العرب والإسلام تحتل الواجهة، سواء جاء العرب والمسلمون لوحدهم أو جاؤوا في سياق الاهتمام بإسرائيل أو بالحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان، أو من زاوية الاهتمام بالبترول والطاقة، أو بما يطلق عليه حالياً (الحرب ضد الإرهاب).
الثقافة العربية تتسلل من خلال هذه الموضوعات عبر زوايا مختلفة وبمواقف مختلفة، لكن الطاغي على كل تلك يظل الجانبان السياسي والاقتصادي.
إلى جانب المكتبات هناك قطاع ثقافي مهم وبالغ التأثير هو قطاع السينما الذي يطرح العرب وثقافتهم من زاوية تهيمن عليها النزعة التجارية الهوليوودية التي تقتضي الإثارة ومجاراة التفكير الشعبي بما فيه من تنميط ثقافي وسطحية وتحيز واضح. لكن الأفلام السينمائية ليست بالطبع متساوية هنا، فقد يهتم بعضها بطرح رؤية أكثر توازناً في حين يميل الآخر إلى تغليب الشعبوية على التناول أو كيفية التقديم. ففي فيلم مثل (سيريانا) (2005) الذي أنتجته شركة «وارنر برذرز» وقام ببطولته الأمريكيان جورج كلوني ومات دامون نرى فيلماً يعكس من ناحية الطريقة الأمريكية الهوليوودية التقليدية في تناول العرب وثقافتهم وعلاقتهم بالغرب، أي طريقة الإثارة والتنميط وغلبة الموقف السلبي. كما أننا، من ناحية أخرى، نجد عرضاً مختلفاً في معدل التوازن الذي يقدمه، أي في كونه يتضمن موقفاً إيجابياً من خلال تسليط الضوء على شخصية عربية ذات طموح يثير الإعجاب، هي شخصية الأمير العربي الراغب في النهوض ببلاده بعيداً عن التسلط الأجنبي. لكن ما يلفت النظر بشكل خاص هو أن الفيلم يبدو وكأنه مهتم بأمريكا وعلاقاتها الخارجية أكثر من اهتمامه بالعرب بحد ذاتهم. فثمة نقد كثير موجه للولايات المتحدة وكيفية إدارتها لمصالحها وعلاقاتها، ومن ذلك ما تفعله الشركات الأمريكية واشتباك أعمالها بأعمال الحكومة الأمريكية. فهنا نقف على مساوئ السياسة الأمريكية ووجوه الطمع والاستغلال سواء في التعامل مع ثروات الشعوب (العرب وأوزبكستان) أو من خلال بيع السلاح. كما أن الإرهاب الذي يشغل العالم وأمريكا بشكل قوي يبدو هنا وكأنه من نتائج تلك التصرفات السياسية الهوجاء.
هذا الموقف الانتقادي إزاء السياسة الأمريكية ليس مما اعتادت هوليوود على إنتاجه، ويعني أن الفيلم يخرج عن إطار الشعبوية ومغازلة جيوب المشاهدين إلى الطرح الثقافي الجاد.
ولا يعني هذا بالطبع أننا نشاهد فيلما رفيعاً من هذه الناحية لكنه يعني ميلاً إلى الجدية في التناول، مثلما يعني أن الثقافة العربية تبدو، من خلال تصرفات بعض ممثليها في الفيلم، بوصفها ثقافة إنسانية لها عمقها، الأمر الذي يكاد يغيب عن مجمل ما تطرحه هوليوود في تصورها للعرب والمسلمين عموماً.
هذا الموقف الانتقادي إزاء أمريكا نجد ما هو أعمق منه بكثير لدى الروائي الأمريكي جون أبدايك في رواية صدرت مؤخراً بعنوان (الإرهابي) طرح فيها رؤية لكيفية تحول شاب عربي أمريكي إلى إرهابي. ولأنني سأتوقف عند هذه الرواية وقفة أكثر تفصيلاً في مقالة قادمة فسأكتفي هنا بالقول إن أبدايك في روايته هذه إنما يواصل اهتماماً قديماً لديه بالإسلام تحديداً نجده في رواية سابقة بعنوان (انقلاب) (1978) تخيل فيها دولة إفريقية من خلال صراع الماركسية والإسلام. ويلفت نظر القارئ أن الروائي يبدأ رواية (انقلاب) بالاستشهاد بسورة (الدهر) من القرآن الكريم. وإذا كان ذلك الاستشهاد يشير إلى اهتمام الروائي بالثقافة الإسلامية فإن الرواية الأخيرة، أي (الإرهابي)، تؤكد أن اهتمامه اتسع وازداد عمقاً.
فمما يتضح منذ الصفحات الأولى من هذه الرواية الأخيرة أن أبدايك وسع اهتمامه كثيراً بالثقافة العربية الإسلامية لمعالجة موضوع يعد موضوع الساعة. ولكني سأؤجل الحديث إلى مقالة قادمة مؤثراً أن أتناول جانباً آخر من الاهتمام الأمريكي بالثقافة العربية في التناول القادم.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved