عندما قرأت مؤخراً ما جادت به بعض الصحف الجميلة وأعني الجزيرة في تأبين هذا العَلَم من رموز وطني في أحد ملاحقها، بل وتخصيص ذلك الملحق له، شعرت بالحبور.. بل وأن مجتمعي لا يزال وفياً للأوفياء.. رغم ما يبث أو يشاع من أنه كغيره من مجتمعات الدنيا انساق مرغماً نحو المدنية والمادية وجفاف المُثُل والأخلاق. |
هكذا سقطت تلك الورقة الخضراء الجميلة من أيكة الوطن التي تظللنا هكذا دون ضجيج رغم دويه، يقيني أني لم أحزن إلا لعدم تدوين ذلك الإرث النقي من خبرته وعلمه ومروياته، وتوثيق ذلك لكي ينهل جيلنا الفتي من ذلك المعين الصافي. أما لوعة الفقد والحزن.. فلمريديه ومحبيه الصبر والسلوان، فهو لم يترك ابناً ولا كتاباً إلا عبق وجوده وطيف حضوره، وعليهم نشر علمه وسيرته وتعريف بقية الوطن به، بعد أن انكر ذاته في حياته وترك الأضواء لعاشقيها. |
بكته مطلّة بستانه ولاعها فقده وفراقه بعدما كانت تنهل من معين ثقافته كل مساء عندما تصمت الطيور وتبدأ الأشجار بغنائها وحفيفها المسائي الجميل ويتداخل صوت المريد مع أستاذه.. الجميع يحيط به، لم يكن مجلسه نخبوياً عاجياً مقيتاً، كل ألوان الطيف والطبقات ستجدهم يحيطون به يجمعهم الصفاء والصدق.. والوفاء العنيزاوي الأصيل. |
وشيء من محبة ذلك الطود الشامخ.. أبا إبراهيم.. عبدالرحمن البطحي.. فكر عنيزة ومؤرخها الشفهي وقيّم المدرسة العزيزية وراعي فتيانها ونشئها لمدة أربع وثلاثين سنة. |
ثم ماذا..؟! وهل يكفي التأبين والرثاء.. أو حتى التكريم شكلياً كان أو موضوعياً في الحياة أو بعد الممات كعادة أهل عربستان ومدن الملح لمثل أولئك النفر والأعلام حتى نزيل عن كواهلنا وزر عقدة الذنب لنستمتع ما بقي لنا من أيام سادرين في غي النسيان اللذيذ؟.. إذن أين حقوق المواطنة؟.. لا نريد أن يتحول عقوقاً.. الوطن يتعطش لمثل أولئك.. أين المعنيون بهذا الأمر خصوصاً ونحن نعيش هذا الأيام توجهاً ثقافياً وطنياً جميلاً آملين أن يثمر يانعاً بعيداً عن سبخة الاقصاء وعفونة التطرف.. كم نتحرق شوقاً لظل تلك الغيمة ولا سيما نحن لدينا أرض الرسالة ومهبط الوحي، فهل يبدأ زمن المتاحف الشخصية لأولئك الأعلام، وتسمية الميادين والطرق الرئيسة والمدارس والمنتديات ومجالس الثقافة وفعالياتها بأبناء الوطن الاعلام بعيداً عن التقعر والتقهقر، بعيداً لبعض أسماء أنصاف مشاهير في عصور هامشية لا تمت إلينا ولا لرائحة الوطن وحراكه الثقافي بأي صلة؟. |
|
ابتسام إبراهيم سليمان الهويريني |