الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th November,2005 العدد : 131

الأثنين 26 ,شوال 1426

أعر اف
المثقفون والأوطان
محمد جبر الحربي

ارتبط عدد كبير من المبدعين العرب والسعوديين بترابهم الوطني، وأهلهم، وقضايا أمتهم، وتلاحموا مع البسطاء والفقراء والأغنياء أيضاً، تلاحموا مع كافة الأطياف، وكل شرائح المجتمع، وعبّروا عن الطموحات الصغيرة والكبيرة. لم يصطنعوا الآهات وإنما عاشوها، ولم يزيفوا الحزن وإنما ألفوه، ولم يلغوا الفرح وإنما سعوا إليه.
كانوا صوت الناس، وصوت الحق، وصوت الخير، وصوت الجمال، وكانوا صوت ضمائرهم قبل كل شيء..
وكانوا في نفس الوقت إبداعاً متجاوزاً لا ضجيجاً مفتعلاً عالياً.
لم تمنعهم بساطتهم وتواضعهم والتصاقهم بالتراب والناس من إنتاج إبداع عالٍ متجدد متجاوز حديث.
ولم يمنعهم تجاوزهم للعاديّ والمكرور، وعظم وتنوع ينابيعهم الثقافية من تقديم إبداع يقتات به الناس، ويسعون إلى فهمه وحفظه، ويختلفون في المسعى إليه.
عاشوا بين الناس وبالناس وللناس.
وكانوا وما زالوا شجراً طيباً مثمراً، وكلِماً طيباً مثمراً.
لكل صوت منهم ميزته وفرادته ومكانته عبر الأوطان.
ولكل منهم حلمه الخاص والعام، طريقته، أفكاره، ورؤاه.
لكنهم وفي كل الظروف حملوا أوطانهم على راحاتهم، وفي أعينهم.
فلقد ارتبط معظم أدباء السعودية بمدنهم، وتنقلوا في فضاء وطنهم، وهم كثر لا يسعهم كتاب، وعربياً ارتبط البردوني بقريته وصنعاء، ودنقل بشوارع القاهرة ومقاهيها، وعدوان بدمشق، وناجي العلي بمخيم عين الحلوة، وفواز عيد بالمخيم ودمشق والرياض..
وقد تنقل كثير منهم بين العواصم والمدن العربية كبيروت ودمشق والقاهرة وعمان وتونس، وبعض العواصم الأوروبية كلندن وباريس...
لكنهم كانوا مرتبطين أبداً بهم الإنسان، وهم الوطن الصغير والكبير...
ما اعوجت ألسنتهم، ولا اعوجت أفكارهم ومبادئهم.
وقد عانوا جميعاً بدرجات مختلفة، وكافحوا من أجل حياة أفضل لهم ولأهلهم ولأوطانهم..
ومع ذلك لم نجد من يقف منهم ضد وطنه أو أمته.
ولم نجد من يتآمر على وطنه أو أمته.
ولم نجد من يبيع هويته، وطنه، وأهله بثمن بخس.
بل على العكس وجدناهم وإن اختلفوا في التفاصيل الصغيرة أول من يقف مع قضايا الناس والأوطان.
وقضايا الأمة عندما تطعن في صميمها.
لم نر أياً منهم يكتب في صف الاحتلال.. أو يقع ضحية الجهات التي تعمل ليل نهار لاصطياد أصحاب الكلمة بغرض تمرير خطط تستهدف الأمة والأوطان.
ولم نر أحدهم يمجد المحتل، أو من يلوح بوهم مِنَح الحرية، والديموقراطية الزائفة التي يراد بها الشر والدمار والخراب والتفتيت والتقسيم..
ولم نر أيا منهم يقبض مقابل تشويه وطنه أو أمته.
لم نرهم في أوضاع مريبة، ولا كانوا مصادر ريبة أو أذى.
لم يمنع التنقل أو الإقامة خارج الحدود هذا المثقف أو ذاك من السكن في قلوب الناس، وسماع أصواتهم، والإحساس بأوجاعهم ومتطلباتهم، ولذلك سكنوا بالفعل في قلوب وعقول الناس الذين أحبوهم وباركوا نتاجهم، والتفوا حول نشيدهم العذب الصادق الدافئ.
لكن في المقابل تاه مثقفون وضلوا سواء أظلوا في عواصمهم ولم يبرحوا، أم ساقتهم رغباتهم إلى ركوب أقرب الموجات إلى المنفى.
هؤلاء سنعرج عليهم لاحقاً لأنهم درجات متفاوتة من الضلالة، ولأنه لا يجوز خلط كدرهم بصفو الشرفاء.


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved