الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 29th March,2004 العدد : 52

الأثنين 8 ,صفر 1425

الوصاية إلى أين؟!
عبدالله بن عبدالعزيز الصالح

عندما صدر كتاب (الحداثة في ميزان الإسلام) بُعَيْدَ منتصف الثمانينات الميلادية أحدث ضجة وفوضى كلامية على مستويات عديدة: الإعلامية والشعبية ومنابر الجمعة .. حتى صار عوام المتعلمين وأنصافهم من الخائضين في جدل اللحظة الثقافية!.. وصار منهج التطرف الفكري والسعي إلى إقصاء الآخر وطرحه الإبداعي والفكري هو سيد تلك اللحظة الثقافية! فسعوا بكل ما أوتوه من فهم ضيق لتجليات الإبداع وإشراقات الحداثة إلى وأد الإبداع وتجفيف منابعه عبر إلصاق التهم الكاذبة بالكتاب وقذف المبدعين بالمروق من الدين.. وغير ذلك من ألوان التهم وأنواع الشتائم.
جميل بل من أوجب الواجبات الدفاع عن الدين الإسلامي، بل هو فريضة على كل مسلم ما دام ينتمي لهذا الدين العظيم.. ولكن قبيح بالمرء أن يدعي امتلاكه (الحقيقة) بمفرده، وأن يزعم لنفسه الفهم الشامل لمستويات التأويل، وأن يُمارِس دور الوصي على عقول الآخرين.. وأن يصنع ال(تابو) تلو ال(تابو) على كثير من أنماط السلوكيات الاجتماعية قبل الثقافية.
ومن المعروف بالضرورة أن الحلال بيّن والحرام بيّن.. فكل قارئ للمقتبس في الكتاب المذكور لبعض الشعراء المؤسسين لحركة الحداثة في أدبنا يعلم أن فيه خروجاً على قيم الشريعة وتعاليم الدين، وهذا أمر نرفضه ونقيم له وزنا، على الرغم من أنه لا يحتاج إلى التعليق عليه، فهو من المرفوض ديناً بالضرورة.
إن حركة (الحداثة) سواء في الإبداع أو في الحراك الاجتماعي والاقتصادي سنة كونية، ما دامت مقوماتها موجودة، ولا يمكن لأي تيار مهما علا كعبه في السلطوية أن يقف ضد نمو شجرتها، فالإبداع الجديد المتسم بالحداثة يفرض نفسه من خلال لغته الجديدة ورؤيته المتجددة ونأيه عن المطروق المستهلك، وهذا مطلب لا يمكن لعاقل أن يفاصل عليه..
نكرر القول بأن الخروج على ثوابت الأمة وأصول دينها ليس من الإبداع في شيء، بل هو هرطقة فارغة وهلوسات مقاهٍ يرفضها كل متأمل لتجليات الإبداع.
غير أن أولئك الذين يضعون مواصفات للإبداع كي يكون صالحا في نظرهم إنما يمارسون الوأد للإبداع ذاته، ولا تعود الكتاب إلا نسقاً أيديولوجياً تصاغ فيه الأفكار والرؤى سابقة التجهيز عبر لغة يعاد إنتاجها مرات عديدة في اجترار بالٍ.
إن الإبداع الحقيقي يرفض أن تمارس عليه الوصاية إلا من ذاته، فثمة فرق بين (الالتزام) بقيم الإبداع وشروط الفن، وبين (الإلزام) المؤدلج، فالأول ينبع من ذات المبدع، في حين أن الأخير يُملى عليه من خارج ذاته، ولا شك أن طرح مَن تُفرض عليه مقولات الكتابة عبر صيغها الجاهزة المعلبة لغة ومضموناً سيكون حتما مجرد (صف حكي) في حين ان الكتابة النابعة من وجدان ناصع التأسيس ثقافياً، ضالع في البصيرة والوعي، ستورق هطولاً مدهشاً ولذيذاً في تجرده من بلاهة (العارف) إلى شجن السؤال.
في السياق نفسه يمكن لنا أن نجادل مناهج (الأدب) في تعليمنا؟ فهذه المناهج في مجملها لا تفي بأقل متطلبات التأمل، ولا تسعى إلا إلى تكريس الحفظ والتلقين، فليس في همّ واضعيها سوى إثبات دورهم في فرض رؤيتهم لكيفية التعاطي مع النص! فالمنهج المدرسي لا يسعى إلى تدريب الذائقة النقدية، ولا يروم إلى تدريب الحواس على أن تحدق أكثر وتفهم برؤية أشمل.. ثم إن هنالك نوايا مبيتة من قبل واضعي المناهج لإحراق بعض مراحل الإبداع، وإخفاء تجلياتها عن أعين الطلاب، مثال ذلك عدم الاكتراث بإبداع الحداثة الذي تجلى في كتابة الثمانينات الميلادية وما تلاها.
إن التكريس لنصوص الإجماع الأعجم، وإغفال نصوص الإبداع البهية، خيانة للضمير التربوي. فهل نعود لتأمل تضاريس الإبداع في مشهدنا الثقافي عبر القنوات التربوية التعليمية؟!.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved