الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 29th March,2004 العدد : 52

الأثنين 8 ,صفر 1425

تركي الحمد لـ «الثقافية »:
رواياتي لم تعد من المغضوب عليها فاقرأوها
حوار: عبدالحفيظ الشمري

الأديب الروائي تركي الحمد ومنذ أعماله الفكرية الأولى ظل وفياً للمجتمع، وظل محافظاً على علاقته بالمتلقي البسيط، فقد ناشد الدكتور الحمد من خلال أكثر من قناة ومن فوق أكثر من منبر أن تكون الكتابات الأدبية موجهة للقارئ في الدرجة الأولى من أجل أن تنعكس على ثقافته وفكره من جديد، وذلك بعيداً عن النظرة القاصرة لمفهوم القارئ النموذجي الذي يتصور البعض أحياناً أنه نخبوي.
حول جملة من القضايا الثقافية والأدبية وهموم الرواية وأبعادها المنظورة والمستقبلية .. كان لنا هذا الحوار مع الدكتور الحمد، خصوصاً أنه يعكف على تقديم عمل روائي جديد يؤكد من خلاله كما يقول على أهمية أن نقترب أكثر من (القارئ المجتمع) ونبتعد عن (القارئ النخبوي).. ليأتي الحوار على هذا النحو:
* د. تركي الحمد.. قطعت وعداً أمام القارئ قبل أشهر بأن روايتكم الجديدة ستكون وشيكة الصدور.. إلا أننا لم نطالعها حتى الآن؟
بالفعل أذكر أنكم استضفتموني عبر (المجلة الثقافية) وألمحت إلى قرب صدور روايتي الجديدة، لكن لظروف خارجة عن الارادة ارتأيت تأجيلها، فقد كان والدي رحمه الله يمر قبل وفاته بظروف حرجة جعلتني أبتعد عنها.. لكنني هذه الأيام أسعى لأن تكون بين يدي القارئ قريباً.
* تتهم د. تركي الحمد بأنك روائي تستخدم أحكامك الشخصية وتجاربك الشخصية في كل عمل تقدمه .. ما تعليقكم على ذلك؟
دعني أقول لك أخي عبدالحفيظ وأنت ممن كتبوا الرواية، ألا ترى ان كل ما يكتبه الروائي من أحداث وقصص ومواقف هي ناتجة عن احتكاكه بالمجتمع.. فكل ما أقدمه من رؤى هو من صنع المجتمع الذي أعيش فيه، وللأمانة أقول ان مجتمعنا على وجه التحديد يرقد على كم هائل من الحكايات والقصص المؤثرة والمعبرة، وطالما أنني من هذا المجتمع من المؤكد أنني سوف أنهل من معين حكايته، فأحكامي غير ملزمة، ورؤيتي هي من خلال الفن الذي أتعاطاه، وأقدمه للقارئ.
ولكي نستبعد فكرة الأحكام والمحاكمات أخبرك شيئاً مهماً يتمثل في تحول جديد نحو الرواية لا سيما رواياتي التي أثارت حفيظة البعض، فها هي اليوم تخرج من (نطاق المغضوب عليها) إلى مساحة واسعة من القراءة الحرة التي يقبل عليها الجميع، وتأكيداً لما أقوله وصلت طباعة رواياتي إلى عدة طبعات، فالثلاثية في طبعتها الخامسة، وشرق الوادي ثلاث طبعات، وهذا لا أفسره إلا بشيء واحد ألا وهو التفات المجتمع إلى قراءة الرواية ووثوقه بما تقدمه من طروحات وأفكار، أحسب أنها تتقاطع مع رؤاه وطريقته في التفكير.
* تأسيساً على ما سبق، ما الذي يفترض أن يقدمه الكاتب في هذا السياق؟
إذا سلمنا بأن ما يكتب متميز فستكون الظاهرة القرائية متميزة . وما يفترض في الكاتب هو أن يكون يقظاً في كل ما يكتب، فنجاح (مدام بوفاري) مثلاً كان نابعاً من قضايا مجتمع كان يسهم في صنع هذه الأحداث ويتداولها من خلال هؤلاء الرواة الذين نطالع اعترافاتهم في مواضيع كثيرة في روايات تحترم القارئ لتقدم عملاً يحقق المتعة والفائدة، ودعني أشير هنا إلى أن القارئ يبحث عن الصدق، أو لنقل الصراحة، فإن قدمها الكاتب بشكل مناسب ستحقق كتابته أهدافها، أما إن كانت دون ذلك فلن تكون إلا من قبيل العبث والمجانية.
* كيف تنظرون إلى رؤى من هاجمكم وجادلكم كثيراً في أمر ابداعاتكم الروائية؟
من خلال الثلاثية وما بعدها من أعمال استطعت تحقيق ما ذكرت قبل قليل.. (المتعة والفائدة).. إلا أنني واجهت، بمقدار هذا النجاح، هجوماً شرساً من قبل شريحة من القراء الذين تطرفوا في آرائهم ورؤاهم حول رواياتي، فقد جادلوا كثيراً في تفاصيل هامشية وعامة، فيما قرأ البعض أعمالي بعين تبحث عن العيوب، وتلتقط السقطات.
المدهش في الأمر أن من كان يحاربني، ويهاجم رواياتي أراه وقد تحول إلى قراءتها من جديد، حتى أنني قابلت في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام بعض هؤلاء واكتشفت من واقع النقاش أنهم تحولوا إلى القراءة الجادة يقيناً منهم بأن ما كتبته كان عين الحقيقة، ومنتهى الصراحة التي يبحث عنها العقل.
* إجابتكم تقودنا د. تركي إلى سؤال مشابه، يتمثل في قراءات بعض النقاد للأعمال الروائية التي يصدرها كتّاب منطقة الخليج، فيما البعض الآخر نراه وقد تجاهل المنجز أو قلل من قيمته .. كيف ترون هذه الظاهرة؟
أولاً لا أخفيك أنني أكتب ولا أضع الناقد في اعتباري إطلاقاً، ثم أنني أرى أن النقد الأدبي مقصر في تتبع الإنجاز الروائي بشكل عام، إلا أن هناك ما هو أخطر من ذلك وهو تجاهل الكثير مما يبدعه الكاتب لدينا، وفي الخليج بشكل عام، ويتم هذا التجاهل من قبل الحركة الثقافية التي تدعي الريادة، وصناعة رموز التنمية.. ففي مصر مثلاً هناك من يتعالى على أدبنا ويشعر بأنه الأفضل في مجال الفكر والثقافة، لنراه وقد انشغل، منذ عقود، بما كتبه العقاد وطه حسين وما يسمون رموز التنمية الثقافية.
إذن نحن أمام عقدة الريادة التي أصيب بها بعض الكتاب في مصر، فيما هناك سبب ثان يتمثل في نظرة خاطئة تشير إلى أننا دول نفط لا يمكن أن نصنع أدباً أو إبداعاً، وسبب ثالث يتجسد في قلة قراءتهم لما نكتبه نظراً لارتفاع سعر الكتاب لديهم، فهذه الأسباب الثلاثة، فيما أعتقد، عائق حقيقي أمام انتشار ما نكتبه عربياً، ولو أنني أؤكد على أن هناك في لبنان وسوريا والأردن تحديداً من يقرأ أعمالنا الأدبية ويتفاعل معها بشكل واقعي، وإجمالاً هناك، كما أسلفت، اهتمام بالكتاب القيم والصادق والصريح من قبل القارئ الذي لا يقبل أدنى من هذا المعيار.
* د. تركي الحمد.. ما الذي يبحث عنه القارئ في العمل الروائي تحديداً..؟ وماذا تقول لمن يكتبون الرواية اليوم؟
لا يغيب عنا جميعاً أهمية أن تكون الكتابة جماهيرية تسعى لأن تؤثر في القارئ العادي وتقدم له من خلال هذه الطروحات فكراً يسمو به، وثقافة تطور ذائقته، وأهم من هذا وذاك أن تكون المتعة والفائدة متمثلة في قوة الأحداث التي يطالعها من خلال القراءة.
فحينما يتأثر القارئ بالأحداث بشكل قوي وفاعل تتولد لديه ثقافة جديدة.. كما أن الأسلوب مطلب ضروري للكاتب من أجل أن يوصل فكرته إلى القارئ، فلو جاء الأسلوب أو الخطاب الافصاحي غير مؤثر حتماً ستكون الرؤى ضبابية، ولن تؤدي دورها في خدمة النص الأدبي، لذلك أرى أن العمل الروائي الجديد أخذ على عاتقه مهمة إيصال الأفكار والأحداث بأسلوب شيق يحفل باللغة ويثري السرد بخطاب إنساني حياتي فاعل.
أذكر على سبيل المثال أن كتّاب الرواية لدينا من أمثال الدكتور غازي القصيبي ورجاء عالم وأحمد أبو دهمان وآخرين استشعروا أهمية الكتابة من منظور انساني حياتي يغوص في أعماق الذات، ويفتش في الذاكرة عن جملة من الأحداث الهامة والشيقة ليعكسها من خلال السرد الروائي نحو القارئ الذي يتلقاها بشكل مباشر، فإما أن تحقق لديه المتعة وتحوز على الرضى، أو أن تصبح ملغزة أو عبثية ويتجاوزها إلى غيرها، فبين هذا وذاك تقع التجربة الروائية، في وقت أؤكد على ان روايتنا أخذت دورها وستصبح رائدة في هذا المجال بفضل جيل جديد من كتّاب الرواية سيثرون الساحة الثقافية بابداعاتهم المتجلية.
* خارج همّ الرواية الذي تخصصتم به، صدر حديثاً كتابكم (من هنا يبدأ التغيير).. أي خطاب تريد ايصاله من خلال هذا الاصدار..؟ وهل صدوره له علاقة في تحولات عالمنا اليوم..؟
القارئ الكريم بحاجة دائماً إلى شهادات مقنعة وجريئة ترشده إلى مواطن الضعف والقصور، بل لعله يبحث دائماً عن فرادة في القول، وصدقاً في الطوية من أجل أن يلتقي القول بالفعل بشكل جيد، فكتابي (من هنا يبدأ التغيير) يناقش بوضوح وصدق معضلة الثقافة في عالمنا العربي التي لم تعد اشكالية ثقافية، انما تجاوزتها إلى الهوية حتى أننا أصبحنا للأسف نبحث عن حلول للمشكلتين معاً.
كما أنني تطرقت في كتابي هذا إلى العديد من القضايا التاريخية التي جعلت الفكر العربي قاصراً وعاجزاً أمام هذه التحديات، لا سيما تحديات (الديموقراطية)، وأخلص في هذا التناول إلى ضرورة أن يكون لنا خطابنا الثقافي الجديد الذي يؤسس على الوعي، ويصاغ في لغة عصرية تحقق الهدف.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved