الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 29th March,2004 العدد : 52

الأثنين 8 ,صفر 1425

واقع الفن التشكيلي المحلي (19)
تحججوا بغياب الكتب فكذبهم الإنترنت
ضعف الثقافة التشكيلية لدى بعض الفنانين جعلهم أميين في مجالهم

لا يختلف اثنان على أن أي إبداع أو إنتاج إنساني لا بد له من متابعة وبحث عن سبل تطويره ومنها التثقيف ومعرفة الجديد فيه فكيف إذا كان إبداع ديناميكي الحركة والتفاعل مع الأحداث بما يمثله الفن التشكيلي المعتمد كليا على الفكرة والتقنيات مع الاخذ في الاعتبار أن لكل منهما عالمه ووظائفه ومصادر الاستلهام فيه لتسخيره لإخراج العمل بالشكل المؤثر على المتلقي ليصل به إلى الهدف.
ومن هنا تصبح الثقافة رافداً هاماً للفنان في مجملها ونعني بالمجمل ان يكون الفنان جزءاً من الواقع العام متأثراً بما يحيط به مستخلصاً ردود فعله مسجلاً عبرها بالفرشاة والألوان وبما تحقق لإبداعه من معطيات العصر إضافة إلى معرفة الفنان بما وصل إليه المبدعون في مجالهم محلياً وعالمياً واستقراء ما يحقق له التواصل معهم لا أن يبقى في حدود ممارسة الهواية شأنه شأن رسامي الطرقات يعيد ما تلتقطه العين ليطرحه على اللوحة بسذاجة في الشكل والمضمون.
لهذا يأتي التساؤل الأول عن حاجة الفنان لتلك الثقافة بشقيها العام والخاص ونخص به الفنان الموهوب الممتلك لزمام الابداع وهل هناك بالفعل ثقافة خاصة بالفنان التشكيلي، وماذا سنستخلص حينما نبحث ونستعرض لمستوى أعمال من يشكلون السواد الأعظم في الساحة من الجنسين وهل سنجد تجديدا وتطويرا يكشف حقيقة تلقيهم لتلك الثقافة ام انهم باقون على إيقاع التقليد المباشر من أعمال متراجعة المستوى نتيجة ضعف معرفتهم بالمحيط محليا ودوليا، لتصبح الإجابة واضحة المعالم لأهمية الثقافة خصوصا البحث والتقصي والاتصال والتواصل مع المعنيين فيها مع التأكيد على ما يخص الثقافة التشكيلية المعتمدة على مشاهدة اعمال الآخرين على اختلاف تخصصاته وتنوع طرق تنفيذها وتعدد خاماته بمختلف السبل السريعة وهذا يحتاج الى جهد وتحرك مبذول من كل فنان يسعى لتطوير مجاله الفني.
ثقافة التنظير وثقافة العمل الفني
ومن المؤسف أن يظهر على واقعنا التشكيلي المحلي الكثير من الثغرات والفجوات نتيجة دخول البعض الى الساحة دون زاد او سلاح ثقافي يواجه به من يبحث عن حقيقة هذا الفن وقد يقول قائل : إن الفنان لا يعنية أي أمر بقدر ما يعنيه ابداعه وهذه مقولة وجد فيها الاميون التشكيلييون ملاذاً عن الضوء جاعلين منها مظلة وهمية يختفي وراءها من اقحم نفسه في هذا العالم او هذا المسار دون معرفة للقيادة فيه ومنهم من وجد نفسه في وسط الجمع نتيجة الصدفة او لرأي تلقاه من صديق او قريب واصفاً اياه بأنه فنان لمجرد ممارسة طفولية للخطوط والالوان وهذه مغالطة كبيرة خصوصاً في هذا العصر الذي اصبحت فيه الثقافة جزء من شخصية الفرد ومكمل لبنائه الفكري والاجتماعي ولهذا نجد أن هناك من اصبح في حالة من الدهشة عندما وجد أن ما يقوم به لا يتجاوز دائرة الهواية والتنفيس والتعبير العاطفي الى مساحة شاسعة تتطلب نفسا طويلا ومعرفة مستفيضه بحقيقة دور الثقافة البصرية في سياق ثقافة الشعوب وهناك من لم يعد يستطيع اللحاق بالركب والعودة للبحث واستيعاب المفهوم الثقافي التشكيلي لهذا بقوا بعيدا الا في حدود ممارسة الهواية.
مصادر الثقافة في
الفن التشكيلي المحلي
وليس عيبا الاعتراف بأن ضعف ثقافة غالبية الفنانين ومنهم من له مساهمة في تأسيس هذا الفن والمشاركة في بداياته يعود لقصور مصادرها الا من بعض المنابع او المناهل المحدودة لفئة معينة ممن اتيحت لهم الفرصة بالوصول اليها منهم على سبيل المثال الفنانون من خريجي معهد التربية الفنية باعتباره المعهد الوحيد المتخصص بتخريج معلمين في التربية الفنية فقط ويمكن أن نحدد فترة الفائدة القصوى في السنوات الأولى من تأسيسه فقد حظي الدارسون وقتها باكتساب الخبرات والثقافة من معلمين هم في الاصل رواد في هذا الفن في بلادهم يحملون درجات عالية في التخصص فكان لهؤلاء الفنانين المحليين فرصة الاستزادة من ثقافة التقنية وثقافة المعلومة التاريخية واذكر أن هناك أسئلة حول الفن العالمي والعربي وفنانيه يتم طرحها في اختبار القبول عند التقديم للدراسة في المعهد فكانت أول مؤشر لمن أصبحوا متواجدين على الساحة من الفنانين على اهمية الثقافة التشكيلية بكل عناصرها ليتواصل النهل ولو بشكل محدد بما تلقوه من معلومات ضمن مادة تاريخ الفن المقررة ضمن مناهج المعهد إضافة إلى الثقافة التقنية بالتجريب والعمل مع أولئك المعلمين فأصبح الفن بالنسبة لهذه النخبة مجالاً كبيراً وعظيماً تحول فيه مسار فهمهم من حدود الموهبة أو القدرات إلى واقع علمي ثقافي توصلوا منها إلى كيفية التعامل معه باعتباره رمزاً من رموز الحضارة وعليهم في هذه الحال الإلمام بالقديم والجديد فيه وكيفية تسخيره لتراثهم بكل معطياته وتوظيفه لعمل بصري تشكيلي ينطلق من مرجعية أصيلة بكل ما تمتلكه تلك المرجعية من مرونة للتعامل مع كل جديد دون إخلال بالانتماء فكراً وأرضاً وزماناً و مكاناً ليستمر هذا البحث بعد تخرجهم مع الفنانين العالمين مستفيدين من كل جديد في وسائل الاتصال والاطلاع على كل ما يطرأ من تطور فيه كما لا ننسى بعض الفنانين ممن وفقوا بمعلمين على نفس القدرمن التميز والتأهيل في معاهد المعلمين التي كانت فيها مادة التربية الفنية مدرجة ضمن بقية التخصصات.
تأتي بعد ذلك مرحلة البعثات ومرحلة أقسام التربية الفنية في الجامعات فهي مصادر هامة لمن اكتسب فيها تلك الثقافة تقنيا وفكريا مع ما كان متوقعا من خريجيها لنشر ما تلقوه من تلك المعارف لتثقيف طلبتهم حتى يتحقق هدف هام أيضا من أهداف الفن وهو المتلقي وتوعيته بالإبداعات التشكيلية فمشكلة المتلقي لا تزال هي إحدى الحلقات المفقودة في عالمنا التشكيلي المحلي وعلى من يقوم بهذه المهمة ان يكون بالفعل مثقفا لا ان يكون مجرد تكرار لما تلقاه في حدوده الضيقة، (سيكون لنا مع هذا الجانب وقفة خاصة).
ثقافة الكتاب وإصدارات المعارض
يعتبر الكتاب من المصادر التي وصلت للفانين التشكيليين عبر مراحل بطيئة في المكتبات التجارية غالبيتها مترجمة عن حيات فنانين عالميين وقليل من الفنانين العرب والبعض يتطرق للفنون الإسلامية وفنون الحضارات المختلفة او عن الزخرفة والنقوش والصناعات الحرفية كتقنيات الخزف والسجاد وخلافها..
وجاءت تلك الكتب تمشيا مع متطلبات السوق والتسويق وبأسعار مبالغ فيها ليستمر هذا التدفق ليشمل الكتب التعليمية في الرسم وكيفية إنشاء اللوحة وتلوينها وانواع الألوان وأحجام الفرش وكل ذلك بشكل بدائي باستثناء بعض الكتب لفنانين معروفين بالرسم اكثر منه إبداعاً وابتكاراً وقيامهم بشرح كيفية التعامل مع الطبيعة وكيفية نقلها على اللوحة هذه الكتب تجد العيون المتلهفة لكل مصدر يحقق لصاحبها شيء من التطور والأخذ بأدائه التقني مع أن كثيراً من تلك الكتب تحوي أنماطا وأشكالا رديئة في طريقة الرسم او التلوين مع أن تعلم العمل الفني لا يمكن أن يتم الا من خلال تلقي الخبرات من المعلم مباشرة عند التنفيذ والممارسة التقنية وهنا أود أن اذكر بصدق التعامل وصدق التعليم لمن كان في معهد التربية الفنية إبان دراستنا فيه مشهداً في ذلك كل الفنانين الرواد في الساحة اذ كنا في مسار متوازٍ مع ما يتلقاه طلبة الاكاديميات العليا في الفنون، تحية لكل من ساهم معنا في ثراء الساحة من اولئك الفنانين العرب من مصر ومن سوريا ومن العراق ومن الاردن لا تتسع المساحة لذكرهم بقدر ما يستحقون منحهم مساحة اكبر تليق بمساهمتهم الكبيرة .
اما المرحلة الحالية فهي اكثر قرباً لكل ما يستجد في عالم هذا الفن بشكل افضل من السابق حيث كان الفنان المؤمن بأهمية الثقافة في مجاله يعتمد كليا على جهوده الذاتية من خلال المراسلات او جلب الكتب من الدول التي تتوفر في مكتباتها مختلف مشارب المعرفة بالفنون عامة والفنون التشكيلية مع ما كان يعانيه من صعوبة في المرور بها من قبل الجمارك لعدم فهمهم لها او لتخصصه الجديد غير المنتشر ضمن ما يعرف من أنشطه ثقافية. من جانب آخر وجد البعض في ما يصدر من كتيبات في المعارض المحلية والعالمية مصدرا من مصادر المعرفة رغم محدودية المستوى طباعة ومعلومات أيضا مع أن كثيراً من محتويات تلك الإصدارات لأعمال انجزت في فترات البحث والتجريب المتدني.
صفة ممتلكي الثقافة التشكيلية
يختلف مفهوم الثقافة بين فنان وآخر وتبرز تلك الاختلافات عندما يتحدث بعظهم حول هذا الفن وفي مقدمتها الحديث عن تجاربه وعلاقتها بالجديد وكيفية التعريف بالمؤثرات التي ساهمت في تطوره ومسايرته لكل جديد مؤكدا بذلك قدرته على التواجد في كل المراحل الزمنية خصوصاً الفنانين المخضرمين ممن اسهموا بتأسيس الحركة التشكيلية المحلية ولا زالوا يعطون ويتفاعلون معها بأقلامهم وإبداعاتهم وأمسياتهم وفي كل حوار يُجرى معهم في مختلف وسائط الاعلام هؤلاء رافضين ان يوضعوا في أي جيل من الأجيال التي لا تعترف بها مسيرة التشكيل المحلي بقدر ما تعترف بالمراحل والتجارب إضافة الى قدرة أولئك الفنان المتمكنين من ثقافتهم على تقريب المسافة بين مفاهيم الفن وبناء جسور من التحليل والقراءات مع الفنون العالمية الحديثة بأساليب راقية مدعمة بالمعلومة والمنطق مع ما يتلاءم مع قدرات المتلقي المحلي.
إصدارات لم ترَ النور
كما لا ننسى الجهود التي بذلت من قبل بعض الجهات وتكليفها متخصصين في مجال الفنون التشكيلية نتج عنها عدد من الإصدارات التي أثرت الساحة مع انها لم يتم تداولها بشكل تسويقي يستفيد منه الجميع ومنها إصدارات ضمن المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالحرس الوطني ووزارة المعارف والرئاسة العامة لرعاتية الشباب ومنها كتاب مسيرة الفن التشكيلي السعودي للفنان والناقد عبد الرحمن السليمان الذي اعتمد فيه على دراسة مستفيضة لتاريخ مسيرة الفن التشكيلي المحلي معتمداً في ذلك على مراجع موثقة ومن مصادر رسمية أصبح بعدها مرجعا آمنا لتاريخ وبداية هذا الفن اضافة الى ما تبعه من رصد لبعض الفنانين البارزين من مراحل متعددة في خطوات الفن المحلي مع أن غالبية ما فيه مأخوذ من الكتاب السابق او من نفس المراجع مع سرد لاساليب الفنانين يحمل عنوان التصوير التشكيلي في المملكة العربية السعودية من اعداد الدارس سهيل الحربي.
ووجود صفحات تشكيلية
وتعتبرالصحافة التشكيلية التي تواجدت ضمن سياق الصفحات الثقافية والفنية وما تبعها لاحقاً من صفحات تشكيلية في الصحف المحلية والخليجية والعربية عامة نوافذ هامة في بيت الثقافة التشكيلية اطل منها الفنانون على الكثير من المعارف والمعلومات والاطلاع على كل جديد والتعرف على ما يتبع المعارض من تغطيات وتحليلات نقدية او لقاءات يكشف فيها الفنانون الكثير من خصوصيات ابداعهم.
مرحلة الانترنت
لتأتي مرحلة او زمن الاتصال السريع صوتاً وصورة عبر برامج متخصصة في القنوات التلفزيونية قدمتها قنوات خليجية كتلفزيون الشارقة والتلفزيون الكويتي وقناة النيل الثقافية اضافة الى الفقرات المقدمة ضمن برامج ثقافية في قنوات عربية كثيرة منها القناة الثانية للتلفزيون السعودي يتبع ذلك الاتصال عبر الإنترنت الاكثر حيوية ومباشرة للتحدث المباشر مع الطرف الآخر من الفنانين والاطلاع على جديدهم يوماً بيوم ومعرفة جديد المتاحف وقاعات العرض وامكانية قيام الفنان بتصميم موقع لعرض اعماله وقراءة الآراء حولها مع قراءة الدراسات المستفيضة عن المعارض والفنانين وعن أي حدث جديد في هذا المجال على مستوى العالم.
القضاء على الأمية التشكيلية
بعد هذا الايجاز مع ان لدى القارئ الكثير مما لا يحضرني ولدى الفنانين المثقفين المعرفة بكل تلك المصادر وغيرها الا اننا ومع هذا الزخم من المناهل ومصادر الثقافة التشكيلية لا زال يعيش بيننا أميون في ابداعهم لا يعرفون منه الا حدود أسعار الألوان واحجام اللوحات وعن علاقة الفن التشكيلي بالتربية الفنية ومتى اقيم اول معرض وكم كان عدد فنانيه الى آخره.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved