الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 29th August,2005 العدد : 120

الأثنين 24 ,رجب 1426

أعر اف
وقوفاً ببابك!!
محمد جبر الحربي

حين مررت أمام بيتك الذي لم يعد بيتك، لم يكن للمرور لهفة، ولا للشجر بهجة، ولا للقاطنين دعوة ولا أحضان، ولم تكن في القلب رغبة للوقوف ولا للدخول بل رجفة وذبول، فظللت واقفاً ببابك في انتظار وردك الذي لا يجيء.
لم يكن في الشارع طولك، ولا خطواتك المديدة المتواضعة باتجاه المسجد، أو منه. لا الماء ينساب من تحت يديك ليروي الشجرتين اللتين بهتتا، ولا أحد يهتم بالعصافير التي هاجرت إلى حنوّ آخر.
هي دمعة لم تجهد العين، وآثرت البقاء مع حرقة القلب، مع دموع أخرى متشبثة بالحجرات والنياط، متعلقة بذكراك، وخائفة ألا تكون موجودة حين تعبر بطولك الفارع، وجبينك العالي، وبسمتك المنحوتة في صبر السنين.
لم يكن أحد يسمع لي إلا أنت، ولم يكن أحد يستمع ويستمتع إلاك.
بحثت قبل فترة في عطورك فوجدت الأوراق التي كنت أهديتك على مر السنين ولم يكن أحد يحسن قراءتها إلا أنت..
تلك الأوراق التي لم تكن قابلة للنشر, أو تلك التي كانت منشورة ووجدتها مرتبة كما أنت، منظمة كما هو وقتك، ونظيفة كقلبك ومواقفك.
غريبة هي الحياة فكل من كان حولك ممن مُنحت لهم الشهادات الكبيرة اللامعة لا يحسنون القراءة، ولا الإصغاء ورغم ذلك لا نميز وجودهم.. وأنت رغم تعليمك الغض تجمع الحكمة والصمت البليغ، والجمال الفصيح إما تحدثت.
كم كنا نتبادل نظرات الاستغراب السريعة: ما هذه الوجوه الباردة التي لا مواقف لها؟! كأني بعينيك تسأل.
الناس يا ولدي هم الناس، لم يتغير شيء، سوى أن بيتك لم يعد دافئاً، وشجرك لم يعد مورقاً كقلبك. وكرسيك اختفى من تحت عريشة العنب، لا أحد يهذب الورد، أو يصطفي البرتقال. لا الفلّ ينشد الماء، ولا الياسمين يذرع الهواء.
قبل أشهر أعددت لك البياض، وبدأت في كتابة قصيدة (نشرة أخبار لراحل)، كنت سأبوح لك فيها بأحوال أمتك من بعدك، وما ينتابني من غيظ وأنا أرى كل مشوه عازم على التشويه ينتسب لآل البيت، وكيف أصبح العجم يتحدثون باسم العرب، بل ويحكمون أوطانهم.. وأمريكا كما يقول درويش وراء الباب أمريكا.
ورغم ذلك لم أرسم على البياض حرفاً واحداً، فهل اكتفت القصيدة ببياضها، أم ان الأخبار لا تسر عدوا ولا صديقاً.
أم أنني لا أريد أن أبعث لك إلا الورود الطائفية بعدما خنقتنا الطائفية التي تزرعها أمريكا في أوطاننا؟!
فآهٍ منها، وآهٍ منا يا والدي.
وقوفاً ببابك أستعيد فماذا أرى؟!
لم تعد العواصُم عواصمَ،
ولا المغانمُ مغانمَ،
ولا الهزائمُ هزائمَ..
لا مواسم للحصاد، ولا براعم للولادة
كل شيء أشبه بلا شيء، والفضاءات بطعم الضياع ونكهة العدم.
بالأمس مررت بالبيت بيتك فضاع مني بيت القصيد، وعرفت من بعدك سر ذلك العنوان: لا شيء يحدث، لا أحد يجيء!!
بالأمس الذي لا يبتسم كأمسك استعدتك لا كما أفعل كل صلاة، أو كل تقلب على فراش، فبالأمس لم أتمكن من الجلوس إليك، بل غادرت المكان بعد أن استقمت ببابك لأنه لم يعد يشبهك، لأنه لم يعد أنت.


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved