الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 29th November,2004 العدد : 85

الأثنين 17 ,شوال 1425

البواردي والإبداع والعبارات الجامدة
أ. د. ظافر بن علي القرني
لدينا في حياتنا الثقافية مقولات شائعة مثقلة بالاحباط وإن كان ظاهرها التبجيل والثناء. من هذه المقولات مقولة فلان من شعراء السبعينيات، او الثمانينيات الميلادية. وظاهر هذه العبارة ان الشاعر الفلاني اثبت نفسه في جيله واصبح ممن يُشار اليه بالبنان بينهم، فإذا ما عد الشعراء في ذلك الجيل عد منهم، وهذه ميزة يفرح بها. ولكن التبعات السيئة لهذه العبارة كثيرة، منها ربط ابداع المبدع بمفهوم التاريخ او الزمن الماضي فلا حماس لما سيأتي به فهو معروف الموقع عند النقاد الذين يتشوقون لغيره من المبدعين الجدد الذين سيصبحون عما قريب في ذمة التاريخ مثله حسب هذا التصنيف العجيب. كأن لسان حال من يصنف المبدعين على هذا النحو يقول: لو كان في عمل هذا المبدع ابداع لبرز في زمنه في الثمانينيات أما وقد تجاوز مرحلته فما عساه ان يقدم للناس اليوم. وهذا جهل بطبيعة الإبداع وواقعه ومحركاته وشؤونه وشجونه، وجهل بقدرات الإنسان وثقافته، وترى المبدع اصبح رهن هذا التصنيف الضيق الصارم، فهو بدلاً من أن ينطلق في ميادين الإبداع أصبح يُقارن نفسه بفئة قليلة جداً قد لا تمثل في واقعها واقع الإبداع في حياة الأمة.
وعوار مثل هذه المقولة ظاهر، أما ترى الشاعر الجاهلي ابن ابي سلمى يقول:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حولاً لا أبالك يسأم
والشاعر الجواهري المعاصر يقول:
مرت ثمانون وأربعة
وتحجر النبع الذي انبجسا
فهذان شاعران عبرا الثمانين وهما يبدعان بل ويتوهج ابداعهما، ومثلهما جموع غفيرة من المبدعين على مرّ العصور والأزمنة الى يومنا هذا. أفهل يجرؤ أحد ان يقول إن زهيراً كان في شعراء التسعينيات قبل البعثة، او يقول إن الجواهري كان من شعراء الثلاثينيات في القرن الماضي حتى لو أنه بدأ تجربته في الثلاثينيات مثلاً. إن عطاء هذين الشاعرين، وفكر من يتلقاه ممن يفهم معنى الإبداع لن يسمحا بمثل هذا التحجيم القاسي حتى لو لم يُقصد به الاساءة.
والحقيقة ان سعد البواردي بإنتاجه الثر يعد احد النماذج الكثيرة التي تحطم مثل هذه المقولة الجامدة، وتجعل أصحابها في حيرة من تصنيفهم. فهو يعطي بدون توقف، تجده في الشعر، وتلقاه في النثر يزيد عطاؤه مع الزمن ويتطلع الى التأثير في الحركة الثقافية في بلاده، وما جاورها من بلدان. فيده والقلم متلازمان وهذا التلازم بحد ذاته سعي نحو الإبداع الذي يتأتى للمرء بدوام المثابرة، وصدق النوايا بإرادة الله. ولقد قرأت له قصيدة ألقاها في نادي جيزان الأدبي من أبياتها:
بغداد هل تستطيعي الصبر بغدان
وفي الجوارح تجريح ونيران
أراك بغداد في عيني فجر غد
يزهو على صبحه أمن وبنيان
بغداد أنت لنا مثل الرياض لنا
أهل وسهل وتاريخ وإخوان
فذكرتني بقصيدة كتبتها في ولاية أوهايو الامريكية في أواخر الثمانينيات الميلادية من القرن المنصرم من أبياتها:
هل يا ترى الجنّ في شرقي لهم هدف
أم يا ترى اندثر الإنسان والجان
لا ينهض الشرق إلا بعد مهلكة
يجثو على سورها بوم وغربان
فقال من قال آنذاك: دع التشاؤم فالدنيا بخير، قلت: هذا ما أراه وليس من التشاؤم في شيء، ومن لم ير أُمة التقنية على حقيقتها فهو أعمى. واليوم ليست مهلكة واحدة، بل هي مهالك متتالية يرقق بعضها حتى لقد اختلفت البوم والغربان على أسوارها فلم تستطع ان تعبّر عن فرحتها.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved