الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 29th November,2004 العدد : 85

الأثنين 17 ,شوال 1425

الغذامي.. النسق الأخير
رسالة مفتوحة للغذامي... مع المحبة
هاني نديم

مقدمة عامة
لا أخفي إعجابي الشديد بالأستاذ الكبير عبدالله الغذامي، وجل طروحاته المهمة على الصعيد النقدي والفكري، ولا أخفي أيضاً أنني كنت قد قدمت ورقة بحث لمهرجان شعري بتونس عن الأنساق (انسقت) بمعظمها لمنهل الغذامي الذاخر!، وأقر له إقرار التلميذ الذي بسط علمه على ظلال جدلية أفكاره المغرية منذ صدور كتابه (الخطيئة والتكفير)، لكن واليوم وقد أطلق الغذامي كتابه أو فجَّره (حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية) فإنني أقف على الجانب الآخر مضطراً من اسم كبير ومفكر مجتهد، بصفتي قارئاً نهماً، استفاد من الغذامي و (جيل الكعكة) في آن!.
حكاية الحداثة/ الكتاب الذي جاءنا على هيئة حكايات قبل النوم!، والغذامي الذي اعتلى منبر الخطابة بصفة (الحكواتي) هذه المرة، وهي صفة لم نعرفها عنه ولا يعرفها النقد!، الكتاب/ القنبلة، والذي حفل بألوان شتى من الظرف والاستفزاز (المبودر) الذي أخاله ذا نية حسنة، صبغ رسالتي اليوم بشيء من الظرف، أرجو أن يقع الرضى من معايير النكتة لدى الأستاذ الغذامي وقد آثرت انضماماً للأصوات الحداثية المهمة أن (أحكي) عن بعض ما شغلني وأربكني في إنصاتي لحكايته الجريئة خصوصاً وإزاء خط سير (نسق) الغذامي البياني المضطرب عموماً،وهو الناقد المسحور برؤى الغرب النقدية (الحداثية).
هنا أود أن أشير لبديهية قد أغفلت وهذا يحدث دوماً مع الدخول الدقيق من التفاصيل ألا وهي التنبه لكون النقد هو فعل لاحق بالإبداع مما يعني أنه ما يجاز على /في النقد ينسحب على الإبداع بالضرورة، مما يأخذنا قسراً للتساؤل عن ما أجازه الغذامي لنفسه (فننسنت ليتش، ورولان بارت وغيرهما) وحرَّمه على المبدعين وهو شرط أساسي لوجوده كناقد!، وهو أمر لا يضير، شرط أن نسمي الأشياء بأسمائها ولا ننتحل نهج الإلغاء وننحو نحو المغايرة إذ أثبت أنه الطريق الأقصر للشهرة، ولأن العرب قالت:(من قال فقد استشرف) فإنني ممن كنت تحت شرفة الغذامي وسمعت خطبته الشيقة ولم أستطع صبراً على لساني وعلى تلك الشرفات التي ما عادت عالية كفاية فتسلقها أي قول وانداحت منها أية حكايات.
سلطوية الغذامي
قصيدة النثر التي يقول عنها الغذامي في مقال للرياض:( قصيدة النثر بلا جمهور ولا قارئ، وستظل معلقة في فراغ ثقافي ينتج عنه مزيد من الضبابية والضياع والارتباك.. هذا الجنس يعاند ويواجه الذاكرة العنيدة المسيجة بالروادع والمقدسات، ويقول إنه غير معني بمجموعة من الشباب المطروحين الآن من كتَّاب النثر أو التفعيلة!! وأن على هؤلاء أن يكون طموحهم نحو القارئ وليس نحوي، وقضيتهم يجب أن تتجه للقارئ فإن لم يفلحوا في إيجاد قارئ فهذا فشل حقيقي وتاريخي ولن يشفع لهم ألف ناقد في أن يوجد لهم قاعدة قرائية).
كلام الغذامي هذا.. كيف أواجهه وهو الذي دار كتاباً كاملاً حول نازك الملائكة، فأنث الأشياء وانزاح لمحور التوقع كي ينسب لها ريادة التفعيلة في كتابه
تأثيث القصيدة، ومن قال للغذامي إن الحداثة تخترق الذاكرة وتمس ما بها من مقدسات؟، ألا يذكرنا هذا الإبعاد، بالرأي الكنسي حيال كروية الأرض والكشوفات العلمية التي تلتها؟، وأخيراً من قال له أن الحداثة دون جمهور،( أهمس في أذن أستاذي الغذامي أنني من كتاب القصيدة الخليلية!). إن كانت قصيدة للنثر هي (المزعج الثقافي) كما يعتبرها الغذامي، فعلام قام النقد الكولونولي وما بعده؟
ولأن الطاولة أصبحت مستديرة والكعكة شهية!!، واستدار الكلام فصار (حكي) فليسمح استاذنا الكبير بأن أحكي له قصة بالياباني!!.
(يحكى يا سيدي أن في اليابان التي تعرف، يستخرجون من الضفدع مرهماً غالياً لمعالجة الأوجاع المستعصية، إذ يوضع الضفدع في موشور من المرايا، بحيث يرى نفسه أينما استدار، ونتيجة فزعه يفرز نوعاً من السائل يجمع فيما بعد ويوصف للمستعصي من الحالات!)، أفهم موقفك كونك سيد الأنساق أنك دون أن تملك وصلت إلى نهاية هذا الموشور وارتطمت بصورك السابقة ومؤلفاتك/ المرايا، بحيث لن ترى إلا كتاباتك بعدما حاصرت الآخرين بك!، بدءاً من أدونيس وانتهاءً بالحربي، وبعد أن اقترحت لنفسك حرباً وهمية كان ضحيتها الأولى هو النقد!
حينما قرأت لك ما قلته عن أدونيس (السلطوي) يوم قلت:( يبدو أن النص الأدونيسي أقوى من أن يسمح بإعمال مصطلح (موت المؤلف) ولذا صار حضور المؤلف حجاباً يقمع الخطاب) أو ليس هذا نقداً سلطوياً؟ الأمثلة عن سلطوية خطابك يا سيدي كثيرة.
يشير الكاتب (نجيب العوفي) في إحدى مقالاته عنها بقوله:(انطلاقا من استراتيجية التشريح والتفكيك التي يتبناها الباحث الغذامي في معظم تحاليله وقراءته، يعمد بادئ ذي بدء، إلى تفكيك العنوان المقترح (آفاق النقد الأدبي في دول مجلس التعاون) ومجابهة سلطته الاصطلاحية والمفهومية. وهو تفكيك يذهب إلى فك الارتباط بين حدي هذا العنوان وفصم العروة النحوية والدلالية التي تشدهما. يقول في هذا الصدد:
إن أول ما سأفعله بهذا العنوان هو استبعاد كلمات (في دول مجلس التعاون) ذلك لأنها شبه جملة وليست جملة، وكأنما هي شبه حقيقة وليست حقيقة (.....) ولذا فإنني سأخلص العنوان من قيد فكري وأيديولوجي ليس له معنى سوى كونه سلطة اصطلاحية تفرض نفسها في لحظة غياب الأسئلة ، وهو إذ يخلص العنوان من هذا القيد الفكري والأيديولجي ، حسب تعبيره، يجهز على المرتكز الجغرافي والتاريخي لأشغال هذا الملتقى بضربة لازب، من حيث أريد له أن يتحدد ويتحيز في الزمان والمكان
واللسان، أي (في دول مجلس التعاون) ويقوم، بدلاً من ذلك، بتعويم وتهويم آفاق النقد الأدبي في عراء الزمان والمكان واللسان).
جملة معترضة: أنا هنا أحقق الشرطين الأولين من مثلث الزمان واللسان والمكان، مما يضطرني أن أوافق مذهب الغذامي وأغض النظر عن تناقض عنوانه الأخير مع قوله السابق.
إشارة أخرى لسلطوية الغذامي قدمها الناقد الأستاذ محمد عباس في كتابه ضد الذاكرة، حيث قال:(ينادي الغذامي في القصيدة والنص المضاد، بضرورة الانتقال من وهم الانفصال إلى حقيقة الاتصال، من أجل تحقيق الكشف والاستبصار من الداخل لا من الخارج، وهو بهذا العناد المعرفي والتعويل المبالغ فيه على مستوى عرض وعمق وتراكم الذائقة الجمعية، كأنما تجاهل ظاهرة ثقافية صاعدة ليبقيها في خانة رد الفعل..، الغذامي ينحاز من موقع الناقد او القارئ المعياري إلى موقع القارئ البسيط أو اللاقارئ ويتنازل طوعياً عن مجادلة صوت شبكة غير فردية تفرض انوجاداتها بصور شتى رغم كل التحديات استسلاماً للحل السهل).
بينما الأستاذ محمد لطفي اليوسفي اعتمد الغذامي كنموذج سلطوي ونرسيسي في بحثه عن السلطوية.
يقول اليوسفي في فتنة المتخيل (الجزء الثالث فضيحة نرسيس وسطوة المؤلف ص 237): (يجسد كتاب الغذامي (ثقافة الأسئلة) ظاهرة الإعجاب في عبارة موت المؤلف، فلقد تشكلت المقالات التي ضمها كتاب الغذامي مأخوذة حد الهوس بمقولة (موت المؤلف) لذلك حفلت بمفاهيم من نوع (البنيوية) و (التشريحية) و (التفكيكية) و (السيمولوجية) و (النصوصية)، ولذلك توهم مقالات بأنها منخرطة في الجدل النقدي العالمي وبأنها لا تستقدم المفاهيم وحسب بل تسهم في إثرائها وتأصيلها، لكن الناظر
في كيفية تعامل المقالات مع تلك المفاهيم يلاحظ في يسر أن خطاب الغذامي يمحو كثافتها ويفقرها).
طيب! كيف يبرر لنا تناوله للشاعر السعودي سعد الحميدين من خلال بارت في ديوانه (وتنتحر النقوش أحياناً) عندما طرحه كنموذج في كتابة القصيدة والنص المضاد ص 165 إذ يقول الغذامي (التوقع ينشأ عندنا من مدخلين يفتحهما هذا الديوان:
1 عنوان الديوان (وتنتحر النقوش أحيانا).
2 اسم الشاعر سعد الحميدين.
هاتان هما المادتان المعرفيتان اللتان نجدهما على الغلاف، وهما أول ما يتفاعل معنا ويضربان داخل الذاكرة، ومن هذه الذاكرة يتم جلب الصيد المخزون عن الشاعر من جهة وعن جملة العنوان من جهة أخرى!!، وأنا هنا ما أزال لا أخرج عن النص إلى مؤلفه، إذ ما زلت أقول مثل رولان بارت بمفوم موت المؤلف ونصوصية النص ولكن نصوصية النص تقتضي وتستدعي السياق الأدبي الذي يدور عنه هذا النص).
كيف هذا؟ إن قوله هنا يذكرني بقوله المضطرب في مقدمة كتابه المشاكلة والاختلاف حيث يقول:( على الرغم من اختلاف الجرجاني في السابق على دريدا(!) وبين الاثنين فروق جوهرية، إلا أنني قد وضعت (الأخير) في كامل اعتباري وتركت دريدا يحضر ويغيب بحرية تامة أثناء تفكيري في المصطلح وكتابتي عنه)!!.
عليَّ إذاً أن أقارب الجرجاني مع دريدا مهما أبى عقلي هذا، وعليَّ إذاً وأنا أتعامل مع نص الحميدين (وتنتحر النقوش أحياناً) أن اقرأ (أيورق الندم)؟
و(عليَّ الطلاق) من باب (خفة الدم) لم أفهم (كما يجب) ما قاله الغذامي في هذين المثالين.
الغذامي متهكماً
ويبدو أن اليوسفي لاحظ قبلي (خفة دم) الغذامي إذ يشير اليها بكتابه ص 285 حيث قال:( في تأنيث القصيدة، مقال الغذامي في مجلة فصول، لا يتفطن الغذامي في غمرة دفاعه عن أطروحته إلى أنه استسلم إلى تصور ذكوري خالص عندما كتب: من الواضح أن قصيدة التفعيلة قد ولدت في حضن ماما نازك!، فيما ينبني عليه الكلام من استلطاف لا يخلو من السخرية وهو استلطاف يكشف من قبيل الإيماء أن منتج الخطاب لا يزدري الأنوثة لكنه لا يتورع عن معاتبتها والتندر بها؛ لذلك لا تكف نازك الملائكة عن كونها شاعرة وتصبح (ماما) في حضنها بنيتها/ قصيدة التفعيلة).
حكاية الحداثة
في المملكة العربية السعودية
يقول أوكتافيو باث:( إن الدعابة
تجعل أي شيء تمسه قابلاً لأكثر من تأويل.)
* الغذامي/ ما بعد طه حسين:
ما طرحه الشاعر عبدالله الصيخان عن محاولات الدكتور الغذامي طرح نفسه كشاعر قبل إكمال دراسته الأكاديمية في بريطانيا، كان لفتة مهمة ومجيبة على بعض انكاري على الغذامي محاربة النجوم!، ألم يقل الغذامي:( ماذا لو أن الجمهور العربي انصرف عن شعر نزار قباني في حياته، وقاطع أمسياته وامتنع عن شراء دواوينه ولم يزده تصفيقاً وإعجاباً؟! طبعاً سيكون الجواب واضحاً، وهو إن قباني سيغير موقفه الثقافي وكنا سنرى منه مواقف مختلفة وصوراً أخرى غيرالتي تركها لنا، أو بالأحرى تركناه يصنعها لنا).
أو ليس الغذامي أيضاً من يقف لأدونيس (على ركبة ونصف)، واليوم للصيخان ومحمد جبر والثبيتي بتلميح (خفيف دم) من طه حسين السعودي!، (أكرر احترامي للرمز في اسم الغذامي وللغذامي)، وأسأل: علام يتكئ نقده وحكاياته إن ألغى وشطب وبدل (السالفة)؟.
وأي حكاية آخذ معي عن الحداثة السعودية إن أعدت قراءة ما قاله الغذامي لباحث عن الأدب السعودي؟.
حكاية أخرى إن سُمح لي :(يحكى أن نحاتاً بديع الصنعة نحت يوماً امرأة! وبعد سنين قليلة قامت هذه الجميلة وهربت من مرسمه مع فنان آخر واتهمته بأنه مشوه حقيقي لكل ما يمت بصلة لعلم الجمال) وربما من هذه الحكاية التي مر عليها خيالي تشبه إلى حد كبير علاقة الناقد الذي ينحته الشعراء بأزاميل قصائدهم فينزاح عنهم ويشتم أناملهم.
خاتمة
لن أدخل في مهاترات النقاد واتهاماتهم بعضهم بعضا بالسطو وهم يتنازعون الريادة لفكرة على الغالب ترجموها!، يحزنني حقاً ما جرى بين كريم عيد والغذامي ويحزنني أيضاً الطريقة التي (حشر) الغذامي نهجه بها حتى وكأنني أرى كتاب حكاية الحداثة هو خاتمة نظريات الغذامي إلا أن بدل وهو رشيق فكرة الأتساق التي انجرت على سطوره حتى بلغ بها عنق الموشور!.
أحببت الكتاب لما حرك من راكد في بحيرة حبر المبدعين ممن اشتقنا، وأحببت الغذامي بخطابه الجديد، مهما اختلفت معه.
حكاية أخيرة، ليست لي!، يعرفها الأستاذ الكبير الغذامي عن ميلان كونديرا، الذي يقول:( ككاتب شاب كنت مقيماً في براغ، كنت أمقت مفردة الجيل الواحد لما تحمله من طابع قطيعي، ولم أكتشف ارتباطي بالآخرين إلا في فرنسا بعد قراءتي رواية أرضنا للكاتب (المكسيكي) فوينتيس، كيف كان ممكناًَ لشخص آخر ومن قارة أخرى أن يسكنه نفس الهوس الجمالي، والذي كنت أظنه وبشكل ساذج، شيئاً خاصاً به جداً.
محبتي وتقديري للمفكر العربي الذي نعتز به عبدالله الغذامي، اخطأ أم أصاب، مقروناًً بعظيم سعادة تغمرني وأنا آكل من كعكة الأجيال كلها محمد جبر الحربي ومحمد العلي وسعد الحميدين والثبيتي والصيخان وفيصل كرم وجاسم الصحيح ومحمد الحرز وكل شعراء السعودية البراقين.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved