الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 29th November,2004 العدد : 85

الأثنين 17 ,شوال 1425

نقد ثقافي أم نقد أدبي؟

تأليف : عبد الله الغذامي
عبد النبي اصطيف، 2004
***
في هذه الحوارية يقدم الناقدان العربيان دراسة في النقد الأدبي والنقد الثقافي، وهل يمكن أن يقوم أحدهما مقام الآخر وكيف؟ قدم النقد الأدبي إنجازات كبيرة للثقافة العربيّة، كان لها أصول عميقة ترفدها تجربة ثرية في الأدب العربي. ومعلوم أنه في القرن العشرين انفتح الأدب على العلوم الإنسانية والفنون, وعلى العلم مما أوجد أشكالاً جديدة من التعبير اللفظي والبصري، حققت انتشاراً كبيراً بفضل تطور وسائل الاتصال والتكنولوجيا ودفعت إلى بزوغ نجم النقد الثقافي.
ولكن هل يعني ذلك الاستغناء عن النقد الأدبي لصالحه ؟ يرى بعض الباحثين أن النقد الأدبي لم يستنفد مبررات وجوده، وأن التصور الحاصل يعود إلى محدودية تصورنا لطبيعة النقد الأدبي ووظيفته. ويرىآخرون أن النقد الثقافي حقق في الغرب إنجازات كبيرة بفضل كشفه عن حقيقة الإنسان المضمرة في كل أشكال الخطاب, لهذا يمكن أن يقدم حلولاً لمشكلات النقد الأدبي العربي الحديث.
من الكتاب: إعلان موت النقد الأدبي
النقد الثقافي بديلاً منهجياً عنه.. عبد الله الغذامي
لماذا النقد الثقافي؟
وهل هو بديل فعلي عن النقد الأدبي؟
أوليست السياسة أو السيسنة لا الشعرنة هي النسق الطاغي؟
هل في النقد الأدبي ما يعيبه أو ينقصه كي نبحث له عن بديل؟
أو لا يكون النقد الثقافي مجرد تسمية حديثة لوظيفة قديمة؟
وهل الأنساق الثقافية العربية لا تتكشف إلا عبر مقولات النقد الثقافي؟
منذ صدور كتابي النقد الثقافي (2000) وهذه أسئلة تتوارد عليّ من أناس هم من أهل المهنة، مهنة النقد، وأهل الصنعة، مما يجعلها أسئلة مصيرية بها تتقرر وجاهة المشروع عبر كشف وظيفيته، وكما نعرف من الفيزياء وعلوم الطبيعة فإن العضو الزائد الذي لا وظيفة له يصبح عضواً دودياً يستأصل أو يخمد في حال كمون أبدية.
في مصطلحي (أدب) و(ثقافة) سيحدث تقاطع بين الأدب والثقافة، بوصفهما مفهومين قديمين ومتداخلين، ومن ثم بين مفهومي النقد الأدبي والنقد الثقافي، ولنبدأ الحكاية من آخرها، حيث لا نملك إلا أن ننسب النقد الأدبي إلى الأدب، وفي المقابل فإننا سننسب النقد الثقافي إلى الثقافة، وهذه لعبة ساذجة ولا شك، إن نحن وقفنا عند هذا الحد الذي هو أشبه بتفسير الماء بعد الجهد بالماء، ولكن المسألة ستتعقد لو جربنا أن نسأل أنفسنا عما نقصده بمصطلح أدب ومصطلح ثقافة. وهما مصطلحان نجنح كثيراً إلى الجزم بأننا نعرفهما ولا نحتاج إلى تعريفهما، ونرى أنهما من الوضوح لدرجة لا يحتاجان معها إلى تعريف، غير أن أي دارس للأدب وأي دارس للثقافة يعي أن الأمر أكثر تعقيداً مما توحي به الانطباعات الأولية.
وما من أحد إلا ولديه تعريف من نوع ما لكل
واحد من المصطلحين، غير أن المعضل يبدأ حينما نجرب البحث عن تعريف مجمع عليه، وبما أننا لن نجد تعريفاً واحداً يتفق عليه الجميع، من أهل المهنة تحديدا، فهذا معناه أننا أمام مفهوم متعدد الوجوه ومتعدد الاحتمالات، وهو لهذا مفهوم مفتوح وحر بل هو زئبقي وغير قابل للثبات.
وها نحن من زمن أرسطو ونقاد العرب إلى زمن ياكوبسون ونحن في الحيرة ذاتها في تعريف (الأدبية) كما أننا منذ الأزل وإلى زمن قرامشي وفوكو وقيرتز ونحن مع مصطلح (ثقافة) في كر وفر حول تحديد ما نقصده بهذا المصطلح. ولا شك أن هناك رابطاً وثيقاً بين النقد الأدبي والفلسفة منذ جمع بينهما أرسطو في التنظير وإلى اليوم، حيث نرى جوناثان كولر يقول بحلول النقد الأدبي محل الفلسفة، ثم حلول (النظرية) علماً ومقولة محل الكل.
وإذا كان الرابط بين النظرية النقدية وبين الفلسفة أزلياً فإننا هنا أمام منشط نظري معرفي فكري، ولسنا أمام منشط تذوقي بلاغي جمالي خال من تعقيدات الفلسفة وهرطقاتها.
وحينما أقول هذا فإنني أشير بوضوح إلى ما نجنح إليه عربياً من كره موروث ومترسخ للفلسفة، يبلغ حد التحريم أحياناً، والنفور الاجتماعي أحيانا أخرى.
ولقد أشار الجاحظ إلى تميز العرب في البديهة واحتفائهم بها، في مقابل التروي والتفكر، والاحتفاء بالبديهة هنا يعني حبنا للبليغ الصاعق، والكلمة الساجعة المسجوعة، حتى لقد صاروا يطربون للأجوبة المسكتة، أكثر من طربهم للقول المحفز، واخترع كتاب السلاطين فن التواقيع، الذي هو خطاب في الإسكات ولجم الناس، هذا ما يشير إلى مكبوت نسقي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما نسميه في العرف العام بالأدب.
وذلك أن الأدب هو فن القول البليغ الأول، ويأتي الشعر على رأسه حيث يأتي الشاعر
الفحل الذي يعلو بمقدر قدرته على إسكات الآخرين ولجمهم، ويعلو بمقدار قدرته على الارتجال البلاغي الخلاب عاطفياً، بغض النظر عن وجاهته الفكرية.
وما مقولة: من تمنطق فقد تزندق، إلا صدى نسقي لمثل هذا الحس القديم المترسخ، وما يفرزه من كره خاص للفلسفة ونفور منها، ولا شك أن تسمية شعراء الروية بعبيد الشعر هي تسمية ذات بعد نسقي أيضاً لما تحمله من تفضيل للبدهي الارتجالي، وربط ذلك بالبلاغي، مع التقليل من شأن التبصر والتروي.
وفي كلمة (عبد الشعر) ما فيها مما تكشفه العبارة المرادفة والمتضمنة وهي سادة الشعر، حيث السيادة للفطري والارتجالي والدونية للتمعن والتبصير بوصفه خطاباً عبداً لا سيداً.
إذا أخذنا هذا بعين الاعتبار، من كره مترسخ للمنطقي والفلسفي تقول به الأشعار، مثلما يتردد في التخيل الشعبي، ويرد لدى كتاب كبار كالجاحظ، ثم نظرنا إلى موقع النقد الأدبي، بين البلاغي النافر من الفلسفي، وبين الأصل الفلسفي في نشوء النقد، فإننا سنعرف الحيز الظرفي والذهني لما نحن بصدده.
حيث ينشأ تناقض مضمر بين التلقائي البلاغي الذي يمثله الشعر، والتأملي الذهني الذي نفترض أنه مصاحب لنشوء النقد وملازم له من حيث الأصل، وإننا لنشهد دوماً دعوات من المبدعين والقراء تدعو إلى النقد التطبيقي، وتتشكى من التنظير النقدي، وترى عدم جدوى النظريات، مع صعوبة فهمها، وهذا مؤشر على الإرث القديم، كما حدده البحتري والجاحظ.
وإذا قلنا هذا بوجهيه أي كون النقد الأدبي مرتبطاً عضوياً بالفلسفة، تاريخياً وإجرائياً، وفي الوجه الآخر فإن الحس العربي النسقي حس ينفر من التنظير الفلسفي ويطرب لما هو بلاغي، إذا قلنا هذا فإن المعضل سيتكشف بشكل جلي، وهو أن النقد الأدبي في الثقافة العربية يعيش بين مزدوجتين لم تنكسرا قط.
أي إنه وليد فلسفي في الأصل، ثم احتضنته البلاغة كأم مرضعة، ومع الزمن صارت هذه الأم المرضعة أمّاً بديلة عن الأم الطبيعية، كحال الطفل يولد من أم وتربيه أخرى غير الأم الرحم.
هذا جعل النقد الأدبي فناً في البلاغة، وتم فصل النقد عن الفلسفة، وعن النظرية، ولقد كانت البلاغة هي الأصل التكويني للنقد الأدبي عربياً، وإن جرى تطوير الأدوات النقدية مع الزمن ومع الرواد ومع المدارس ومع ضروب التبادل المعرفي المتنوعة، إلا أن الغاية القصوى للنقد ظلت هي الغاية الموروثة من البلاغة، وهي البحث عن جمالية الجميل والوقوف على معالمها، أو كشف عوائقها، ويكفي أن يكون النص جمالياً وبليغاً لكي يحتل الموقع الأعلى في سلم الذائقة الجماعية وفي هرم التميز الذهني.
ولم يقف النقد الأدبي قط على أسئلة ما وراء الجمال وأسئلة العلاقة بين التذوق الجماعي لما هو جميل، وعلاقة ذلك بالمكون النسقي لثقافة الجماعة، وهذا ما يمكن للنقد الثقافي أن يقوم به ليسهم في مشروعات نقد الخطاب،ولكن كيف؟
يقع الكتاب في (224) صفحة من القطع المتوسط.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved