الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 29th November,2004 العدد : 85

الأثنين 17 ,شوال 1425

عناوين
امرأة تسرج صهوة الروح
(مجموعة قصصية)

تأليف: طلعت سقيرق
دمشق: اتحاد الكتاب العرب 2004
***
أضرب الحجر بقدمي فيهرب نحو البعيد، الطريق يطول، المرآة تأخذني إلى البعيد.. يتأرجح المطر ويهطل داخلي تماماً.. عقارب الساعة تضرب المسافات وتغرق في الصمت، أتذكر.. كان أبي يحب الهدوء.. أحاول انتشال الكلمات من بحر الروح فتغرق كل المفردات.. أنت أنثى السحر والناي وأغنية الفصول.. أحدق حتى القاع في بؤرة عيني.. وحدها المرآة تستطيع أن تنقل ملامح وجهكِ السابحة في مسامات جلدي.. كنت أنتظرك وأنا أقف عند الباب الأخير.. حتى أمي تقول إن الشتاء بارد هذا العام.. حين نظرت في المرآة كان الصمت غافياً.. أحاول دفع الجدار إلى الوراء قليلاً.. أسقط عند الخطوة الأولى.. تضحك الصور المعلقة على الجدار.. ربما يأتي مساء ما، بعيد أو قريب لا يهم، وتنظرين في المرآة، فيطل وجهي الحزين بعض الشيء، الفرح بعض الشيء، مصلوباً على بوابة العمر الذي مضى.. كان أبي يجلس طويلاً قرب مذياع قديم ويستمع بشغف لأم كلثوم ولسيل من الأخبار..هأنذا أحاول قدر استطاعتي أن أضبط عقارب الساعة على وقت ما فأسقط في لحظة العدم.. أبحث عن معنى لهذا اللهاث المحموم.. أضع خطوتي على الرصيف الممتد حتى النهاية بشكل محايد، وأغرق بين عقربي ساعة من قلق.. هل كانت المرآة تحمل وجهي أم وجه الرجل الواقف هناك عند مفترق سنة بعيدة، بعيدة؟
حاول أن تعبر الجسر بين الريح والريح فثيابي البيضاء متروكة لنشيد المطر.. يأتي صوتك ولا يأتي.. أتشبث ربما بحياة ما كانت لتكون لولا لحظة فرح كسرتها الريح البعيدة.. هل كان على شجرة الحياة أن تورق بهذا الشكل الغريب؟ يقول أبي حاول الابتعاد عن الأحلام القتيلة، هناك حيث تجلسين باسترخاء أخّاذ أنسى قلبي وآخذ في السير داخل المتاهات حائراً ضائعاً.. لا أدري كم كان علي أن أقطع من لحم الطريق كي أعود إليك من جديد ..هل كانت المسافات حقيقة قائمة؟؟!! ربما أضع رأسي بين يدي وآخذ في تأمل أنثى تلد البحر والسحر والشجر وامتداد الأفق البعيد مرات ومرات.. أتوه تماماً.. تكسرني الرغبة في ترك المقعد البعيد القريب.. أضيع في حدود المرآة.. أغرق بين خطوة مزروعة على الرصيف، وأخرى مغروسة هناك في فضاء التصاقي بالمكان مسمراً قربك..
أسكب بصمت آخر قطرة.. أنظر في المرآة ..يحدق أبي في البعيد.. يمتد الشارع ويتلوى.. يكاد المقعد ينحني بين نوسان صمتي وصمتي.. هل قالت كل هذا؟؟ حقاً لا أدري.. مرات كثيرة أردت أن أسألها.. كان الصمت يسحبني إلى واحدة من زواياه.. كنت حبيس ذهولي ..تقول أمي لا تخرج إلى الشارع هكذا زائغ النظرات حدق في الطريق جيداً.. فتنة حضورها تلفني وترميني فوق موجة من زبد مشغول بيد الوعد الجميل.. تمنيت أن تمد أصابعها العشرة وتزرعها شجراً في ضلوعي.. كانت تضحك.. فكرتي لم تخرج من رأسي.. رغم ذلك كانت تضحك.. أخربش عمري على قطرات الماء النازفة من خصلات شعرها وهي تلف المنشفة فوق رأسها بشكل هندسي بعد أن استحمت وقطف الماء النازف لذة معانقة كل خلية من خلايا جسدها.. تسمرني في مقعدي أمام شبق الريح وجنون اختناق الورق الأصفر الذابل الحزين.. تبكي العصافير وتنوح أشجار الحلم المأخوذ.. والمرآة تمتد في شوارع لا تنتهي!! .
كان هذا نصاً من قصة (امرأة تسرج صهوة الروح) والتي اختارها القاص لتكون عنوان مجموعته ، المكونة من أربع عشرة قصة قصيرة ، جاءت عناوينها تباعاً على النحو التالي: امرأة تسرج صهوة الروح ،النهر ،الغضب ، أسرار صغيرة ،الثلج المالح، برجاوي والوقوع في المكان ، أحوال ، سليمان يمشي وراء نعشه ، الجثة ، حكاية بنت اسمها هالة ، وطن يأتي، الفراغ ، صباح الوطن، أنثى من ماء الورود ، ويأتي هذا الإصدار بعد مجموعته (الريشة والحلم 2001م).
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved