الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 29th December,2003 العدد : 41

الأثنين 6 ,ذو القعدة 1424

الحداثة الشعرية في المملكة العربية السعودية
«تجربة شخصية» 13
علي الدميني

ليس هناك أكثر مراوغة من مصطلح «الحداثة» حينما يتم توظيفه في الحقل الأدبي لأن ما تنطوي عليه مرجعيات تسميته في أبعادها الفلسفية والفكرية والجمالية، يفتح الباب أمام جهنم التفاصيل، ويغوي كلاًّ منا بادعاء مشروعية سك مصطلحه الخاص به.
ورغم ما يحمله أي مصطلح من سمات القيد، إلا أن تدثر مصطلح الحداثة بأردية عديدة في مسار تاريخ تحولاته الطويل، من القرن الخامس الميلادي حتى عصر الأنوار، ومن بلزاك وبودلير إلى أيامنا هذه، قد هيأه لأن يكون ضد القيد بكثرة ما حمله من مفارقات، حيث يمكن له أن يضم المعنى ونقيضه، والشيء وابن عمه، فتختلط الحداثة فيه بالتحديث وبالتجديد، وبما بعد الحداثة، وتتقاطع الواقعية معه في المرجعية البشرية للمعرفة، وتختلف معه في وظيفية الأدب، وهلم جرا..
وحيث إن المصطلح سيعيق تدفق سرد التجربة، ورغم أنني أفضل بدلاً منه التحدث عن التجربة الشعرية الجديدة في السعودية، إلا أنني ولسبب اجرائي مهم في نظري، سأصطحبه في رحلتي على مضض، وسأرجئ الحديث عن تجليات مفارقات التسمية وضجيجها أيضاً في المملكة، إلى موقع تال.
وإذ أجيز لنفسي اليوم اختيار ما أميل إليه من مكونات مصطلح الحداثة وحمولاته المعرفية المتشعبة، فإنني سأتفق مع من يرى أن الحداثة الأدبية في أبسط صيغها هي وعي التجديد في الكتابة عبر تمثل رؤاها التغييرية الشاملة في مرجعياتها الفكرية والفلسفية والاجتماعية والفنية.
وقد تزامنت تجربة كسر عمود الشعر وتبلور النص الشعري الحداثي في المراكز الثقافية العربية، مع بروز مشروع حركة التحرر الوطني في العالم العربي لبناء الدولة الحديثة والمجتمع الحديث، الذي قادته مختلف النخب والتيارات الفكرية والسياسية، إلا أن الظروف الخاصة ببلادنا سياسياً ودينياً وثقافياً، كانت تعمل على ترسيخ آليات الممانعة ورفض كافة أشكال الاختراقات الفكرية والإبداعية، ومن ذلك موقفها من التحديث ومن قصيدة الشعر الحر.
وحيث إن عنوان حديثنا هو «الحداثة الشعرية في الخليج والجزيرة العربية» من خلال التجربة الخاصة، فإنني أرجو أن تسمحوا لي بالتوقف أمام ما يبدو من تماسك براق في العنوان، لكي أوضح أنه انطوى على تعميمين لا أتفق معهما، وذلك لأن مخاضات التحديث والحداثة الشعرية في المملكة وبالرغم من التجربة الرائدة للعواد كانت تتعرض دائماً للإجهاض وفقدان المقدرة على التشكل كتجربة حداثية، فأصبحت مجرد صدى لتجربة كسر عمود الشعر الذي أنجزه كوكبة من رواد الشعر الحر في البلدان العربية الأخرى، وكان منجزها في هذا الصدد وحتى منتصف السبعينات، ألصق بمفهوم التجديد منه بمفهوم الحداثة الشعرية.
أما الثاني، فإنه يتعلق بوهم الترابط الجغرافي وعلاقته بالترابط الثقافي، وأحب أن أؤكد حسب تجربتي باعتبارها حكماً هنا أن الترابط الجغرافي لم يعكس ترابط حركة التثاقف وتبادل صدى السؤال والاجابة بين مثقَّفي دول شبه الجزيرة العربية، ولم يتحقق إلا على المستوى الشخصي المحدود، وأن تأثر الكثيرين من الشعراء السعوديين بمراكز الثقافة العربية، كان أوثق من تأثرهم بمثقفي دول الجوار.
وتأسيساً على هذه الخطوة الاستدراكية المبكرة، سأتحرر من أعباء السياحة المعرفية في محيط التبادل الثقافي بين دول شبه الجزيرة العربية، وافتح الباب على مصراعيه لكي أتكئ على الجزء الأخير من العنوان «تجربة شخصية»، لكي أدخل إلى فضاء متعة سرد تجربة شعرية شخصية، بدأت في بيئة فقيرة، كان أقراني فيها هم أول من فك الحرْف في تاريخ القرية، وحيث إنني لم أكن استمتع بالمقطوعات الشعرية البائسة التي ترغمنا مناهج التعليم على حفظها، فقد كنت أقفز على الأبيات الشعرية التي أمر عليها خلال قراءتي لسيرة الزير سالم، ولبعض مقتطفات من ألف ليلة وليلة، إلا أن محيطي العائلي الصغير كان يحضن بذرة احتفاء خاص بشعرية قصائد الشعر الشعبي التي يتوارث حفظ نصوصها الأبناء عن الأجداد، وكان انشاد والدي لبعض هذه القصائد قد نبه وجداني إلى جماليات ما تحتضنه اللغة بوجه عام والقصيدة الشعبية بوجه خاص من أسرار، تتضافر في الصورة الرمزية التي يحملها النص، وفيما يمكن أن نسميه بشعرية القافية المعقودة على مجاز المقابلة.
وإذا كانت الكتابة الحداثية تبحث عن كمالها في الجديد المختلف، فإن لثغة البدايات لا تنهض إلا على محاكاة القديم الناجز، ولذا تنبهت حواسي التذوقية الى الشعر الشعبي، فبدأت أحاكي ما أسمعه أو أحفظه منه، ولكن صدفة اطلاعي على كتاب عبد الله بن إدريس «شعراء نجد المعاصرون» في مرحلة الدراسة المتوسطة عام 63م قادتني لتذوق شعراء الفصحى، واستحثني لكتابة محاولاتي الشعرية الغزلية الأولى بالفصحى، كما أن الكتاب نفسه قد شدَّ انتباهي ومشاعري إلى ما حواه من قصائد حملت هم القضيتين الفلسطينية والجزائرية، وعزز اهتمامي بالقضايا القومية التي كان والدي العائد من تجربة عمالية غنية في أرامكو في أوائل الخمسينات قد بذرها في نفسي حين يغرز أذنه في واجهة المذياع لالتقاط الأصوات المشوشة لنشرات الأخبار، وقد غدا ما ينفعل به من أخبار ثورة الجزائر، وتأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر مقدمة تأسيسية للتأثر برمزية عبد الناصر والناصرية منذ زمن الطفولة.
وحين ارتحلت إلى «جدة» لدراسة المرحلة الثانوية، تعرضت إلى ما يشبه «صدمة الحداثة» في واقعها المادي والاجتماعي، حيث تحضر كثافة الأشياء وبعنف، في حركة السيارات، وزحمة الناس، وأضواء الليل، وأحجام البنايات، وما تحويه الأسواق من معروضات، مما أفقدني الكثير من توازني ازاء هذا التعدد والانفتاح، وأغواني بالدخول في تجربة حب مجنونة مع بنت الجيران، جعلتني أنسى طفولة القرية وصباياها البسيطات، كما دفعتني للاحتماء بالشعر من لهيب الشوق والعواطف المقموعة.
وفي مكتبة مدرسة الفلاح الثانوية، تيسر لي الاطلاع على بعض الصحف، فقرأت شعراً لعواد، وعبد الله الفيصل، وحمزة شحاتة، وأحمد قنديل، ومحمد حسن فقي، وحسين سرحان، والسنوسي، وابن خميس، وكلها أسماء لم أكن قد سمعت بها أو استمتعت بشعرها من قبل، وهذا ما يؤكد على أمرين هما:
أن المؤسسات المحافظة قد كرست احتكار ونشر رؤيتها التقليدية المنحازة للقديم ضد الجديد، وللمحافظة ضد الانفتاح، وذلك من خلال سيطرتها على المؤسسة التعليمية، أما الأمر الثاني، فإنه يتعلق بقصور الممكنات الاقتصادية والتقنية والاعلامية، وعجزها عن القيام بدور التواصل بين أرجاء البلاد المترامية الأطراف، حيث أدى ذلك إلى تعميق فاعلية الانقطاع بين جزر المناطق المعزولة بعضها عن بعض. وإذا كان الأمر كذلك داخل بنية الوطن الواحد، فإن هذا يؤكد ما ذهبت إليه من غياب حركة تثاقف نشطة وملموسة بين أقطار شبه الجزيرة، إلا في اطار حدودها الفردية، والتي تجلت لاحقاً في علاقة شعراء قصيدة النثر في المملكة بالتجربة الشعرية في البحرين، وخاصة ما يتعلق منها بانجاز قاسم حداد.
ولم يكن اطلاعي المحدود على بعض الصحف المحلية، خلال تلك الفترة في «جدة» وعلى بعض قصائد الشعر الحديث المنشورة نقلاً عن مجلات عربية لنازك الملائكة، والسياب، ونزار قباني، كافياً لاختراق ممانعة الذائقة القروية المحملة بإرث الايقاع الموزون، مما حال دون استجابتي لكسر عمود الشعر.
بيد أن هزيمة حزيران 67م، وانكسار تابوه الحلم الناصري امام النقد الصادق والمجاني معا، وما احدثته قصيدة نزار قباني «هوامش على دفتر النكسة» من دويٍّ في الشارع العربي قد اجهزت على حواجز التقليد المنيعة، وحسمت ترددي، لكي انحاز لتجربة كتابة قصيدة الشعر الحر منذ عام 68م، وغدت كتابة قصيدة التفعيلة بالنسبة لي معادلا لممارسة حرية التعبير، واداة للتغيير، وهاجسا يجمعني بكل من يكتبها حتى وإن اختلف معي فكريا.
وحيث تغدو تجربتي مجرد «عيِّنة» من مئات التجارب، فإنه من اليسير علينا القول بأن سطوة البنية الثقافية المحافظة في أي مجتمع لا تستجيب دون مخاضات عسيرة لضرورات التحديث، ومستلزمات فضاء الحرية.. حرية التفكير والتعبير، بالقدر الذي تستجيب له «ذات محددة»، داخل نفس المجتمع، بل ان تلك البنية القارة لا تتوقف عن لعب دورها القمعي وبكافة امكاناتها المؤسساتية ضد الاستجابة الفردية أو الفعل التنويري أو المغامر باتجاه الحداثة، مستخدمة في ذلك عدتها التاريخية المتمثلة في الاستنجاد بالمقدس: اما الديني، أو الوطني، أو القومي، بحسب الزمان والمكان.
ولما كان قدر الجغرافيا قد جمع في بلادنا رمز المقدس وخطابه العقدي، وبناه المحافظة، فان خطاب الحداثة الذي يرتكز على استنهاض فاعلية الحرية ضد القمع، والعقل ضد الخرافة، والعلم ضد الجهل، وشك السؤال ضد طمأنينة الاجابة والنزعة الى مغامرة الكتابة الابداعية على غير مثال سابق سوف لا يجد موقعه مؤثَّثاً في فضاء كهذا، بل ان خطاب الحداثة نفسه سوف يضطر الى قمع ذاته، أو تمويهها بلباس شكلاني جمالي في أحسن الأحوال، ويصبح بذلك تمظهرا لحركة تجديد وتحديث، ونزوعا نحو الحداثة وليس تعبيرا عنها، ولم يخرج عن ذلك السياق الا القلة في واقعنا الأدبي، حيث يقف محمد العلي في مقدمتهم.
أولاً: «التحديث/ النزوع نحو الحداثة» الشعرية
عتبات الاستجابة: محمد حسن عواد
وحين افتح صفحات التاريخ الذي لم أعايشه، فإنني أود الاشارة الى تجربة رائد التجديد والنزوع نحو الحداثة في بلادنا، وهو الأستاذ المرحوم محمد حسن عواد الذي عبَّر عن ذلك التشوف الحي نحو الحداثة ونافح عنه، واحتمل تبعات موقفه الثقافي والجمالي والسياسي من خلال تجربته المبكرة لكسر عمود الشعر، حيث كتب مغامرته الأولى في بداية العشرينات، التي سبقت تجارب رواد قصيدة الشعر الحر، ونثبت هنا مطلع نص طويل كتبه في حوالي عام 1924م، بعنوان «خطوة إلى الاتحاد العربي».
لقد آن أن تستحيل المدامع يا موطني
الى بسمات وضاء
وأشياء لم تعلن
وأن تتقوى بعزم
كرهت له أن يني
وتدفع شبانك الطامحين إلى المعليات
لتنعش روح الأمل.
أفق واستمع
ثم ألق بها نظرة للنجوم
تريك أشعة نجم
يضيء بليل بهيم».
وقد أشار الى هذه التجربة عبد الرحيم أبو بكر في كتابه «الشعر الحديث في الحجاز» الذي اعده رسالة لنيل شهادة الماجستير في عام 73م، واورد مقتطفات من مقدمة الديوان التي تؤكد على مصداقية تاريخ كتابتها، حيث يقول العواد في تلك المقدمة: «في سنة 1924م انتهت الأزمة الوطنية التي نشأت في عهد الانتقال بين الحكومة الذاهبة والحكومة الحاضرة باتحاد الحجاز ونجد في حكم مستقر هو حكم صاحب الجلالة الملك عبد العزيز آل سعود أدامه الله، فاتسعت رقعة الفكر الوطنية التي كنا نتمثلها في الحجاز وحده، فحققها جلالته بضم نجد وملحقاتها وأطراف الجزيرة في دولة واحدة هي الآن الدولة العربية السعودية، ورأى الشاعر ان هذا النجم البادي يشير الى كوكب أكبر وأنه نواة الدولة العربية الكبرى..»
وقد توَّج العواد انهمامه بتحديث بلادنا، بنشر بيانه النقدي الشهير عبر كتابه «خواطر مصرحة» الصادر في عام 1925م ميلادية، الذي طرح من خلاله تصورا اصلاحيا وتحديثيا شاملا في الميدان الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، كما نادى فيه بضرورة كفالة حقوق المواطن في العدالة والحرية، وبضرورة تعليم المرأة وتحريرها من أسر العادات والتقاليد البالية، كما دعا المثقفين الى الانفتاح على ثقافة الآخر وابداعاته الادبية والمعرفية. ولعل العبارة التالية التي اخترتها على عجل قادرة على الافصاح المكثف عن موقفه من الحياة وروح العصر، حيث يقول: «نريد حرية عصرية تحارب الوهم، وتسعى الى الحقائق، وان يحتكم الناس الى ميزان الذوق والعقل والعلم». ولا أظن هذه العبارة التي شرحها في كتاب كامل تبتعد كثيرا عن بعض مرتكزات الحداثة.
لقد حاول العواد الخروج من الأرض الضيقة بحسب الشاعر إبراهيم الحسين بخطاب تحديثي كهذا، يسهم به في اخراج المجتمع من معضلة التمركز حول الذات، وان يؤسس منذ زمن بعيد لخلق مناخ ثقافة الحوار والعقلانية والانفتاح على الآخر، ولكن قوى المحافظة أفرادا وجماعات وأدت تلك الصرخة العقلانية المبكرة، وقادت حملة شعواء ضد صاحبها، حيث منع كتابه من التداول، وكاد ان يودع السجن لولا تدخل بعض العقلاء، حسب ما أورده ضياء عزيز في حوار معه لمجلة «النص الجديد».
ولسوف يقود أبناء تلك القوى المحافظة لاحقا حملاتهم ضد العقلانية والتحديث، والتي تمثلت في كتاب العقيلان «جناية الشعر الحر»، وفي ايقاف المربد، وفي ما حواه شريط سعيد الغامدي، وكتاب عوض القرني «الحداثة في ميزان الاسلام»، وفي مجزرة الحداثة، مما سنفصل فيه فيما بعد.
وهكذا يتم وأد الصوت التحديثي، ويتكرس تدخل المؤسسة المحافظة في حرية الفضاء الثقافي والابداعي، وتطفأ جذوة الرؤى النقدية المستنيرة، ولا يجد الاحفاد الا تاريخ اجدادهم وآبائهم منزويا في الكتب المنسية، ويستمر ترسيخ مفاعيل القطيعة بوجهها المزدوج، حيث يتم تغييب الاضاءة الملهمة في السياق المحلي وقمع النزوع الفردي الخالص في حق مقاربة التجديد والحداثة، فيما يتم تسييج الحاضر ضد الاضاءة القادمة من خارج المكان، ويجبر المثقف على الاحساس بأنه شريك لادوارد سعيد مع المفارقة في اللامكان.
ولكل هذا، ولغيره مما لم يقل اعتقد أنني لا أذهب الى التبرير بقدر ما ألامس الحقيقة القائلة، بأن عملية كسر عمود الشعر في المملكة تغدو لدى شعرائها ولدى الكثيرين من نقادها هي الحداثة بعينها لأنها تشتبك مع الذائقة المكرسة، ومع سلطة الثقافة الشفهية، ومع المؤسسات المهيمنة بالمعنى الشامل، في صراع حول قطبيات الاصالة والمعاصرة، والقدامة والحداثة، والثبات والتحول، والانغلاق والانفتاح، والوضوح والغموض، من خلال مرموزية هذا الفعل الشعري البسيط.
ويمكننا الآن القول بأن العواد قد ذهب قبل الأوان الى تجريب التحرر من القيود ومنها قيد الوزن والقافية، متأثرا بمحاولات مدرسة أبوللو وبشعراء المهجر، ومستجيبا لما تنطوي عليه نفسه من طموح وثورة على الركود، ولكنه لم يكسر عمود الشعر، أو يكتب النص المضاد بحسب الغذامي ولم يدفع بالتجربة الى آفاق تخليق النموذج القادر على التأثير في محيطه الثقافي، غير ان تلك الخطوة السابقة في الزمن لتجربة رواد قصيدة الشعر الحر، كانت علامة في الطريق تشير الى حراك ثقافي متعدد الوجوه، يرفض قيد النمط، ويؤسس لخلخلة سياق النص المكتمل والتذوق الساكن، ويحفز على اجتراح خيار حرية التشكيل والتعبير معا.
وقد اجترأ على انتهاك قيد الوزن والقافية آخرون من مجايلي العواد، منهم حمزة شحاتة الشاعر التجديدي الكبير، والمثقف النهضوي البارز، ولكن منجزه بحسب النموذج الذي اطلعت عليه في هذا السياق كان متواضعا بالمقارنة مع ابداعه المتميز في حقل القصيدة العمودية، وكذلك فعل محمد حسن فقي في نص نشر له في ديوانه «قدر ورجل»، ويبدو لي ان كلا الشاعريْن الكبيرين لم يكونا على قناعة متأصلة بخوض تجربة هذا الشكل الشعري الجديد.
ويمكن للمتابع ان يرصد علامات التجاوب مع تجربة قصيدة الشعر الحر في شعر الكثيرين من شعراء المملكة في وقت مبكر من مرحلة الخمسينات، حيث اورد في هذا السياق عبد الله عبد الجبار في كتابه المهم» التيارات الادبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية «1959م» نماذج عديدة لافتة كتبت في تلك المرحلة متصادية مع ما يمر به العالم العربي من أحداث سياسية، وتجارب شعرية حديثة، لكل من ابراهيم فلالي، وعبد الله عبد الوهاب العباسي، وماجد الحسيني، والغسال، وصالح المساعد، وسواهم، ولعل من افضل تلك التجارب ما اخترته من نص لم استطع التعرف في الكتاب على منشئه، حيث يقول:
سيدتي:
ما زال بيتنا الكبير مغلقاً
مسمر الأبواب
يعسكر الظلام حول سوره
ويزحف التراب
وينصب الصمت على دروبه
مشانق الإرهاب.
أما أنضج الاسهامات المبكرة والمتميزة في كتابة الشعر الحر، التي جمعت بين تشكل الوعي المغاير، والمقدرة الابداعية على تمثله، فقد توفرت في شعر عبدالرحمن المنصور، من حيث تشكيل مساحة الصورة الشعرية الواسعة، وحساسية توزيع العبارة الشعرية، وبناء المعادل الموضوعي للشحنة الشعرية، والانهمام بالحس الاجتماعي، والانتباه الواعي للمستجدات الفكرية والسياسية.
وقد احتفى به العلامة حمد الجاسر حيث نشر قصيدته الموسومة ب«ميلاد إنسان» في العدد الأول من مجلة اليمامة التي اصدرها الجاسر.


ورقة ألقيت كمحاضرة في ملتقى رابطة أدباء وكتاب البحرين في 15/12/2003م.

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved