الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 29th December,2003 العدد : 41

الأثنين 6 ,ذو القعدة 1424

وبيْنهُما كتابهْ «1 2»
«لو لم يكتبوا هم، لما كتبنا نحن»
قالها وهو يستدرك «خاشعا» وكأنه يعتذر.. شعرت بوخزة كتابه.. وايقنت ان لو لم يكتبوا هم، لما كتبنا نحن.
«كتبَ، يكتبُ، كتابةً»..
كنا نتسابق إلى كتابتها «مذهولين» ونحن نشاهد أطراف أناملنا الصغيرة وهي تتحرك لتكتب «كتابةً»..
وعندما تسنى لنا ان نقرأ القرآن وهو اسم يدل على القراءة كما يبدو ذلك ظاهرا «اقرأ» كان فعل الأمر الأول.. «بلّغ» كان الأمر الأخير.. وبينهما «كتابه»..
{ذّلٌكّ الكتاب لا رّيًبّ فٌيهٌ}، {كّتّبّ رّبٍَكٍمً عّلّى" نّفًسٌهٌ پرَّحًمّةّ } {سّنّكًتٍبٍ مّا قّالٍوا}، {كٌرّامْا كّاتٌبٌينّ}.
روي عن «الحبر» انه قال ان اول من وضع الكتابة «العربية» هو اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام، وكان أول من نطق بها، فوضعت على لفظه ومنطقه. وروي عن ابي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم «ان ادريس أول من خط بالقلم بعد آدم» كما اخرجه العجلوني في كشف الخفا.
وقد قال أهل التفسير في قوله تعالى: {إنٌَي أٍلًقٌيّ إلّيَّ كٌتّابِ كّرٌيمِ} (النمل 29) أي مختوم، إذ كانت كرامة الكتاب «ختمه».
وقد قال شاعر في صفة الكاتب:
عليك بكاتبٍ لبقٍ رشيقٍ
زكيّ في شمائله جداره
تناجيه بطرفك من بعيدٍ
فيفهم رجع لحظك بالاشاره
ومن «لطيف» ابن عبدربه:
«ولا يكون الكاتب كاتبا حتى لا يستطيع احد تأخير أول كتابه وتقديم آخره»
وقد قيل للشعبي:
أي شيء تعرف به عقل الرجل؟ قال: إذا كتب فأجاد.
وقد عتب المنصور ابوجعفر على قوم من الكتاب فأمر بحبسهم، فرفعوا اليه رقعة ليس فيها إلا هذا البيت:
ونحن الكاتبون وقد أسأنا
فهبنا للكرام الكاتبينا
وقال سهل بن هارون:
الكتابة أول زينة الدنيا التي إليها يتناهى الفضل، وعندها تقف الرغبة.
وكما ان لكل حق مدّعياً فلكل صنعة دخيل، قال شاعر بأحدهم:
حمارٌ في الكتابة يدّعيها
كدعوى آل حربٍ في زيادِ
فدع عنك الكتابة لست منها
ولو اغرقت ثوبك في المداد
وقد ذكر ابن عبدربه في كتاب المجنبة الثانية قصة «ضافية» آثرت منها الاختصار فما وجدت إلى ذلك سبيلا لما فيها من شرف القراءة والكتابة فإن كان لابد من طلب أدوات الكتابة، فإليك هذه:
لما رجع المعتصم من الثغر قال لوزيره عمرو بن مسعدة:
مازلت تسألني في الرخجي حتى أوليته الاهواز فقعد في سَرَّة الدنيا بأكملها خضما وقضما ولم يوجه الينا بدرهم واحد، اخرج اليه من ساعتك، ثم خرجت فلما صرت بين دير هزقل ودير العاقول إذا رجل يصيح: يا ملاّح رجل منقطع فقال الملاّح: يا سيدي هذا شحاذ، فإن قعد معك آذاك، فلم ألتفت إلى قوله وأمرت الغلمان فأدخلوه، ودعوته إلى طعامي فجعل يأكل أكل جائع بنهامة، إلا انه نظيف الأكل، فلما رفع الطعام اردت ان يستعمل معي ما يستعمل العوام مع الخواص: ان يقوم فيغسل يديه في ناحية، فلم يفعل، فغمزه الغلمان فلم يقم فتشاغلت عنه ثم قلت يا هذا: ما صناعتك؟ قال: «حائك» فما صناعتك انت فكرهت ان اذكر له الوزارة فقلت: كاتب.
قال: جعلت فداك، الكتاب على خمسة أصناف، فكاتب رسائل يحتاج إلى ان يعرف الفصل من الوصل والتهاني والتعازي والترغيب والترهيب والمقصور والممدود وجملا من العربية، وكاتب خراج، يحتاج ان يعرف الزرع والمساحة والتقسيط والحساب، وكاتب جند، يحتاج ان يعرف مع الحساب الاطماع وشيات الدواب وحُلي الناس، وكاتب قاض، يحتاج ان يكون عالما بالشروط والاحكام والفروع والناسخ والمنسوخ والحلال والحرام والمواريث، وكاتب شرطة، يحتاج ان يكون عالما بالجروح والقصاص والعقول والدّيات، فأيهم انت أعزك الله؟
قال: قلت: كاتب رسائل، قال: فأخبرني، إذا كان لك صديق تكتب إليه في المحبوب والمكروه فتزوجت امه، فكيف تكتب له، اتهنيه أم تعزيه؟ قلت: والله ما اقف على ما تقول.
قال: فلست بكاتب رسائل، فأيهم انت؟
قلت: كاتب خراج، قال فما تقول اصلحك الله وقد ولاك السلطان عملا فبثثت عمالك فيه فجاءك قوم يتظلمون من بعض عمالك، فأردت ان تنظر في امورهم وتنصفهم، إذ كنت تحب العدل والبر، وتؤثر حسن الاحدوثة وطيب الذكر، وكان لأحدهم «قراح» أي الأرض التي لا ماء فيها ولا شجر كيف كنت تمسحه؟ قال: كنت اضرب العطوف في العمود وانظر كم مقدار ذلك. قال: إذا تظلم الرجل، قلت فامسح العمود على حده. قال: إذا تظلم السلطان. قلت والله ما ادري، قال فلست بكاتب خراج، فأيهم أنت؟
قلت: كاتب جند، قال: فما تقول في رجلين، اسم كل واحد منهما أحمد، احدهما مقطوع الشفة العليا، والآخر مقطوع السفلى، كيف تكتب حليتهما، أي صفاتهما؟ قال: أحمد الأعلم «من بشفته العليا شق»، وأحمد الأعلم، قال: كيف يكون هذا ورزق هذا مائتا درهم ورزق هذا ألف درهم، فيقبض هذا على دعوة هذا فتظلم صاحب الألف، قلت: والله ما أدري، قال: فلست بكاتب جند، فأيهم أنت؟ قلت: كاتب قاض، فقال: فما تقول أصلحك الله في رجل توفي وخلّف زوجة وسرّية «جارية»، وكان للزوجة بنت وللسرية ابن، فلما كان في تلك الليلة أخذت الحرة ابن السرية فادعته وجعلت ابنتها مكانه، فتنازعتا فيه، فقالت هذه: هذا ابني، وقالت هذه: هذا ابني كيف تحكم بينهما وانت خليفة القاضي؟ فقلت: والله لست أدري! قال: فلست بكاتب قاض فأيهم انت؟ قلت: كاتب شرطة، قال: فما تقول أصلحك الله في رجل وثب على رجل فشجه شجة موضحة «أي تبدي وضح العظام»، فوثب عليه المشجوج فشجه شجة مأمومة «أي التي تصيب أم الرأس وهي الجلدة التي تجمع الدماغ»، قلت: ما أعلم، ثم قلت: أصلحك الله، فسّر لي ما ذكرت!


يُتبع

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved