الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 29th December,2003 العدد : 41

الأثنين 6 ,ذو القعدة 1424

رحيل محمد شكري شحرور طنجة» (1935 2003م)
محمد بن عبد الرزاق القشعمي

أول من لفت نظري لمحمد شكري وكتابه «الخبز الحافي» والذي ترجم لأكثر من 20 لغة، هو الدكتور عبد العزيز المقالح مدير جامعة صنعاء في كتابه «تلاقي الأطراف» قبل سبعة عشر عاما حديث استعرض بعض الروايات العربية من خلال قراءة اولى في نماذج من ادب المغرب الكبير المغرب الجزائر تونس، الذي شدني منه هو ما يتعلق بكتاب «الخبز الحافي» إذ قال:
وأعترف أنني في اثناء قراءة هذه الرواية قد اكثرت من التلفت المذعور كما لو كنت اخشى ان ينبثق المكان عن قوة مجهولة تحاسبني على قراءة مثل هذا العمل الادبي المثير الذي لا يقيم وزنا لغير الابداع الفني.
وقال: واذا كانت النرجسية تلعب دورا واضحا في الرواية فإنها تبدو نرجسية مخففة يساعد على كسر حدتها حالة التشرد والصعلكة والنوم على الارصفة والقبور والتعرض الدائم للضرب والإحباط.
حصلت بعد ذلك على الكتاب المذكور وحرصت على البحث عن بقية كتبه وحصلت عليها بدءا ب«مجنون الورد» الذي اصدرته له «دار الآداب» بيروت «السوق الداخلي» و«الشطار» و«الخيمة» و«زمن الاخطاء» و«وجوه» وما كتبه عن «جون جنيه» و«بول باولز» و«نفسي وليامز» عند قدومهم الى طنجة وتعرفه عليهم ومرافقته وعن حبهم للمغرب ورغبتهم بالموت بها.
عرفت انه كان يعمل في الاذاعة الفرنسية «الشرق الادنى» التي تبث باللغة العربية الى المغرب العربي، وكان عمله بالاذاعة مقتصرا على البرامج الثقافية ومتابعة ما ينشر من جديد باللغة العربية.
عرف من خلال «سيرته الذاتية» اول عمل اشتهر به وهو «الخبز الحافي» سيرة ذاتية روائية تسجل مراحل طفولته وشبابه من 1935 وحتى 1956م.
والمعروف انه لم يتعلم فك الحرف الا بعد العشرين من عمره قال الروائي الشهير الطاهر بن جلون عنه «لم يتعلم محمد شكري القراءة والكتابة حتى العشرين من عمره فكانت حداثته انجرافا في علم البؤس حيث العنف وحده قوت المبعدين اليومي».
هروب من اب يكره أولاده «فقد قتل احد ابنائه في لحظة غضب»، شرود في ازقة مظلمة وخطرة بحثا عن قليل الطعام، او زاوية لينام، اكتشاف دنيا السارقين والمدمنين على السكر، تلك هي عناوين حقبة من حياة تفتقر للخبز والحنان.
انه نص مؤثر، هذا العرض لسيرة ذاتية، وهو عمل لا مثيل له، يحتل موقعا متميزا في الادب العربي المعاصر.
وليس صدفة انه نشر بلغات اوروبية متعددة مثل الانجليزية او الفرنسية والاسبانية، قبل نشره بلغته الاصلية العربية، ان الذي يكتبه شكري من الامور التي تقال فتكتم، او على الاقل لا تكتب وتنشر في الكتب، خصوصا في ميدان الادب العربي الراهن.
وكما قال عنه عبد الرحمن منيف في رثائه له «امير الصعاليك غادر بهيبة الملوك.. امير الصعاليك محمد شكري، غادر هذه الدنيا بعد ان شبع منها وملها، غادر غير آسف على شيء لم يذقه، وعلى مكان لم يره، فقد احتشدت ذاكرته بكم هائل من الوجوه والاصوات، وأصبحت رؤية وجوه اكثر، او سماع اصوات اكثر لا تطاق، ولذلك قرر ان يغادر دون ان يلتفت الى الخلف.
واختتم تأبينه له بقوله: أعتقد اننا منذ اليوم سنكتشف محمد شكري من جديد، وسوف نحبه اكثر، لقد غادرنا امير الصعاليك ولكن بهيبة الملوك، وآن لك يا شكري ان تغمض عينيك لكي يكف الضجيج وتعم السكينة.
في إحدى زياراتي للمغرب حرصت على مقابلته والبحث عنه بمقاهي طنجة في صيف عام 1987م وكل المقاهي المشهورة في شارع محمد الخامس او الحسن الثاني او على الشاطىء الذي يطوق طنجة من جهاتها الثلاث وعندما أعياني البحث قيل لي ان عليك ان تبحث عنه في طنجة القديمة في الاحياء الشعبية ولا تقتصر على المقاهي فربما تجده في احدى «الحانات» وهكذا كان.. فقد توجهت الى حيث اشار الي احدهم.
ودخلت لدى صاحب حانوت مظلم في الحي القديم وطلبت فنجان قهوة سألته عما أبحث عنه فقال: انه يسكن في شقة صغيرة في سطح العمارة المجاورة لهم وان لا رفيق له سوى كلب يقاسمه منزله المتواضع، وعندما ذكرت له اني قادم من المملكة ولي رغبة في مقابلته، اجابني بأن الوقت المناسب هو الساعة الخامسة قبيل غروب الشمس، فهذا وقته المناسب.. اذ يمر هنا بعض الوقت وسوف نخبره، او عليك انتظاره.
انتظرته بعض الوقت واذا صاحب «الحانوت» يشير الي ان الواقف بباب دكانه هو محمد شكري وسرعان ما خرجت له محييا ومرحبا ودعوته للدخول، فقال: ان هذا المكان غير مناسب فيمكننا ان نذهب الى احد الفنادق القريبة وفعلا قادني الى احدها وجلسنا في الصالة حيث طلبت فنجاني قهوة فأخرج من جيبه سيجارة وأبقاها بيده دون ان يشعلها وذكر انه قد اعتاد هذه الطريقة منذ مدة اذ نصحه الاطباء بالاقلال من السجائر.
سألني عن الثقافة والادباء الشباب في المملكة وخص بالسؤال عن عبد العزيز مشري وقال: إنه يقرأ له وذكر رواية «الوسمية» وغيرها وسأل عن عبد الله الصيخان ومحمد جبر الحربي وخديجة العمري وقال: انه قابلهم في مهرجان المربد بالعراق قبل سنتين عام «1985» وقال: ان البياتي الشاعر «عبد الوهاب البياتي» قد احتفى به وعرفه على عدد من الأدباء العرب وانه في احد اللقاءات قد ضاق ذرعا بطول الجلسة في الفندق فطلب منه ان يذهبا الى حيث المشروبات والمرطبات فأخرج البياتي من جيبه عشرة دنانير وقال خذها يا محمد واشرب ما شئت وسوف الحق بك، فاعتبر هذا التصرف اهانة له وتمنى لو استطاع خلع حذائه وصفعه بها، ولكن البعض حال دون ذلك.
ودعته على امل ان نلتقي وقد اعطاني رقم هاتفه وعنوانه للمراسلة، ولكن الايام ومشاغلها حالت دون ان نلتقي.. وسرعان ما سمعت بمرضه ووفاته يوم السبت 15/11/2003م.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved