الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 30th January,2006 العدد : 138

الأثنين 30 ,ذو الحجة 1427

تاء مربوطة
بثينة العيسى
عندما وصلتُ إلى هنا لم تخبريني من أنا/ أنتِ..
لا شيء باستثناء الخواءِ الفاحشِ الممتدّ أبواباً، أبواب..
واسمٍ أحمله في جيبي الخلفي
مع علاقة المفاتيحِ
ما فتئت أخطئ يا أمي و أمجد جنس الخاطئين
(أجيبُ العالم بالسؤال):
ألم يسجد النور للطين؟
يبدو أن الفرق بيننا و بينهم أكثر بكثيرٍ من تاءٍ مربوطة إلى خاصرة الخطيئة..
لا أعرف من أنا لا أعرف معنى (أنا) ولا من أي أودية الجهلِ تجيء
لا أعرفُ كيف أعرف ولا من أين أبدأ
غرستُ أعيناً في رؤوس أصابعي و تحسست جلد العالم:
رأيت سجادة غرفتي وردية
ورأيت اللون الوردي خرافة البُنَيّات الأولى
رأيت أنه أكثر الألوان انصراماً
لا يجيء إلا نأمةً / لا يجيء إلا برزخاً
(الحياة لا تشبه سجادة غرفتي)
وسائدي معبأة بالريشِ
أنام عليها ولا أعتذر للعصافير
أقترف الوحشية في كل شيء
في الماء و الزيت و الحلم
رأيتُ دمىً على سريري
لم يخبرني أحد بأن هذا ما عليّ أن أكونه
ليس كمثل الأشياء وجاهةً
منذورة للمجدِ والزيفِ والمكوث
رأيتُ التذكر ثمرة محرمة
رأيت الشعر أرض الذاكرة
رأيتُ الذاكرة (فيح من جهنّم)
لم أعرف كيف أصطاد لحظة البدء وأقحم نفسي في التجربةِ
فكان التيهُ حليفي
ورغم الصفعاتِ على ظاهر يدي وباطن حلمي
كان التيهُ جميلاً..!
خفتُ..
خفتُ بأني لستُ كافية ولا أكونُ
لم يخطر لي قط بأن العالم ليس كافياًوالحبّ ليس كافياً
والإنسان ليس كافياً
(.. بأن الكون لا يقلّ عقوقاً مني)
.. وصلّيتُ كي تتفتح الأزهار حيثما أحطّ
كي لا تخاف مني الحساسينُ ولا الأقفاصْ
حلمتُ بي واهبة كأم، كبيرة كأرض
مددت أصابعَ هزيلة إلى فوق ولم يكن ثمة سقفٍ أو سماء
غمستها في الطينِ ولعقت دمي
لم تعلميني المشي يا أمّي!
لم تعلميني المشي على الإسفلت الحار، على العرفج المجنون، على الدباديس والجمر والبخور..
كنتِ أكثر عقوقاً من الأسئلة:
كيف تقبل التاء المربوطة بالحياة وهي لما تملك ما يكفي من الأجوبة عن كونها تقبع دائماً.. في أطراف الكلمة ؟
كنتُ هنا ببساطة
وكنتُ في الحبّ والعشبِ والرّحبِ..
ولم يكن ذلك كافياً
***
وأكبرُ..
لم أجد أميراً يغني عند الشرفة
لم أجد شرفة
لا شيء غير السوادِ الكثيفِ ذي المغازي
انفلقَ الفراغُ وأنجبَ بعثاً
تمخض العدم حضوراً
أتينا..
فردنا أيادينا للعالمِ وسمّينا ما سمّيناهُ (حبّاً)
وخيّل إلينا للحظةٍ بأن الأمر واضحٌ ومنطقيّ
وأنه يواكبُ نواميس الكون الرحيمة
عرفتِ لحظتها بأن السجاد الوردي كان خطيئة
بأن النوافذ خطر
والضفائر الطويلة التي يتسلقها العشاق
بداية الهاوية..
أخطأنا
بكلّ سرورٍ أخطأنا
سمينا الخطأ احتمالاً آخر
سميناه حقنا بالاختلافْ
ولم يكن ذلك كافياً
***
يحدثُ أن يلجنا الضوء
- يا أمّي -
متأخراً ربّما يحدثُ أن يجيء
يحدث أن تبعث في الذاكرة أوهامِ الكمال وترّهات البدءِ
وكل جماليات الاستدارة
فكّرنا أن نرتّب المكانَ قليلاً
دشّنا ركناً للفوضى / وآخر للبيان
(جثوتُ
دسستُ ذنوبي في جيبيّ
ركضتُ..)
لم يكن ذلك كافياً
لأن المقابر استنفدت مخزونها من الرمل
والجثث ألقت رؤوسها في البحر ومضت في نزهة أبديّة
رميتُ بما في جيبي للخلاء
باركته بحبٍ يشبه الأمهات
باركته ومضيت..
ولم يكن ذلك كافياً!
***
استبدلنا الدمى بأعوادِ البخورِ
غسلنا السجاد الوردي (بالماء والثلج والبرد)
كانت ولادة سهلة
ولادة مباركة..
وكانت الوليدة أنا
بيضاء
من غير سوء
مثل جثة طازجة
***
ملامحي القديمة تمشي خلفي
كأفراخ البجع المذعور
تخبرني بأن وجهي ليس جميلاً
بأنني ورائي
فردتُ بعضي على أول نخلة ابتسمت لي
افترشتُ بعضي الآخر
غنّيتُ..
(أنفخُ الريح
تنفخني الريح)
سقطت تحت قدميّ
تاءٌ مربوطة
تامةٌ
مثل دمعةٍ متقنة
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved