Culture Magazine Monday  30/04/2007 G Issue 197
الملف
الأثنين 13 ,ربيع الثاني 1428   العدد  197
 

الحازمي.. أستاذاً وموجهاً
حسين محمد بافقيه

 

 

للأستاذ القدير حجاب الحازمي في عنقي يد سلفت ودين قديم لا أستطيع لهما وفاءً، وأذكر له ذلك الفضل الذي أولانيه حينما كنت أتلمس طريقي في الأدب، شعره ونثره، فمد يده إلي، وأحاطني بفضله الذي لست بجاحده.

كان ذلك وقد اشتركت وكوكبة من الأدباء الشبان في المملكة ودول الخليج العربي في مهرجان الجامعات الخليجية للشعر والقصة في مدينة أبها عام 1406هـ، وأذكر أنني كنت، في سنتي الجامعية الأولى، فرحاً بذلك اللقاء الجامعي الرائع الذي تعرفت فيه إلى نفر من أعز الأصدقاء كيوسف المحيميد وإبراهيم زولي وحسن حجاب الحازمي، كما أذكر تلك الرعاية الأبوية التي غمرني بها الأب والأخ محمد القشعمي (أبو يعرب) الذي امتدت رعايته لي وحدبه علي إلى يوم الناس هذا، وكان أبو يعرب - ولايزال - ذلك الأخ الكبير الذي ما انفك يسأل عني، وحين نزلت الرياض، قبل سنوات، وجدت من أبي يعرب الناصح والمرشد ما لا أستطيع الوفاء به، ولا أملك من نفسي إلا أن أثني عليه بالذي أعرف.

كنا، أو كان معظمنا نتلمس طريق البدايات، وذلك أن أخي عبده خال الذي عرفته من قبل، كان قد شق له طريقاً حين عرفه الناس قاصا ذا شأن، وفي تلك الأثناء كان الأستاذ حجاب الحازمي أدبياً وباحثاً تعرفه المحافل الأدبية في بلادنا، وتعرف له فضله على الأدب والثقافة، ولا سيما بحثه الدائب في التاريخ لثقافة إقليم المخلاف السليماني، ووفائه لحقب ممتدة في التاريخ الثقافي لذلك الإقليم، هذا وللرجل إسهامه في الشعر والقصة والنقد الأدبي، ويحلي كل شؤونه بذلك السمت الوقور، وذلك القلم العف، وتلك اللغة العالية، حتى إنني لأحسب أن الأستاذ حجاب الحازمي نسيج فريد في الخطابة، تحن إليه المنابر، وتأنس إليه الكلمات، فهو حين يصعد المنبر يملأ عليك سمعك بتلك اللغة الجزلة، والمنطق الفصيح، ويجول بك في مسارب البلاغة، وينتهي بك إلى القول المؤثر في النفوس، دون أن تجد فيه تأتأة أو تراخيا، أو آفة من تلك الآفات التي ذكر الجاحظ في (البيان والتبين) طرفاً كبيراً منها.

كان الأستاذ في ذلك المهرجان حانياً على تلك الجمهرة من الأدباء الشبان الذين تأبط كل منهم شعراً أو قصة، وجعلوا يبحثون لأنفسهم عن موقع تثبيت فيه أقدامهم القلقة، وكان من حنو الأستاذ أن جاء مصطحباً ابنه حسن (الدكتور الآن)، راعياً ومشجعاً وموجهاً، وقد كان حسن مجلياً في الشعر والقصة، وكأن شيئاً من روح والده حل فيه، ولم تكن تراه، في ذلك المهرجان، إلا مصاحباً لرفيق دربه الشاعر إبراهيم زولي، وكان من طيب حديثهما أن أفضلا علي فأصبحت صديقاً لهما، وإن قطعت بيننا الأيام بعد ذلك، وأصبحت أتقصى أخبارهما، وأفرح لما بلغاه، وكلما قرأت شيئاً من أدبهما استعدت تلك الأيام التي خلت.

وأرجع الآن إلى تلك اليد التي سلفت، وذلك الدين القديم، فقد كان الأستاذ حجاب الحازمي قد أخرج كتابه (أبجديات في النقد والأدب: 1405هـ)، ولشد ما كنت فرحاً حينما أفضل ذلك الأستاذ القدير عليّ بنسخة مهداة من كتابه، وكان هو صاحب تلك السابقة التربوية، فلم أكن لأجسر، وأنا ذلك الشاب الصغير أن أطلب إلى ذلك الأديب المعروف أن يهدي إلي كتابه، وقد كان محاطاً بعدد من الأدباء المعروفين، من الشعراء والنقاد والكتاب، ومن بينهم أستاذنا القدير الدكتور عبدالله المعطاني، وكان ذلك الكتاب عزيزاً على، فهو أول كتاب يهدى إلي من أديب له شأنه وجلاله، وأشعرني ذلك الكتاب بأنني حقيق بأن يهدى إلي، وأحسب أن ما فعله الأستاذ حجاب الحازمي - وهو المعلم والمربي - درس رفيع في التربية وتوجيه الناشئة، فعلم الله أن ذلك الفعل الرفيع قد أثر في نفسي أيما تأثير، وأراني - وأنا في أول الدرب - كيف يرتفع الكبار بتواضعهم ولين جانبهم، وكان ذلك الكتاب ذا اللون الأزرق حبيباً إلى نفسي ولا يزال، ووجدتني في حفل تكريمه، وقد ترجل الفارس عن موقعه في النادي الأدبي بجازان، مسكوناً بتلك الذكرى الحبيبة إلى نفسي، فحييته، بعدما يزيد على عشرين سنة، على إهدائه ذلك، ومما زادني فرحاً وحنيناً إلى ذلك الحدث القديم، أن الأستاذ حجاب - رعاه الله - يذكر تلك القصة وكأنها بنت الأمس.

والأستاذ حجاب الحازمي أديب لم تغوه الأضواء، كما أغوت غيره، فهو دائب في البحث والتنقيب والتفتيش في النواحي المعتمة، وعسى أن يكون قد وجد في نفسه تلك الرسالة التي ترشده، من وراء القرون، إلى تكملة ما بدأه أسلافه العظام من علماء ضمد وأدبائها في البحث والتأليف والتحقيق، فخفّ يبحث في التاريخ الثقافي لذلك الإقليم الخصب، وجعل يذيع في الناس طرفاً من إنشاء أدباء مدينته وشعرائها وعلمائها في القرون الغابرة، واحتل من أدباء جازان ومثقفيها موقعا عالياً، أديباً وباحثاً وموجها، ولا أحسبني مسرفاً حين أقول: إن للرجل فضلاً على غير أديب وغير كاتب في بلادنا، وهو في كل أحواله الأديب الذي يجلله الوقار، ويعلو به أدبه وخلقه عن أن ينزل عما اختاره لنفسه، من أن يكون أديباً ذا رسالة، فكسب فضلاً عميماً حين خسر آخرون.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة