Culture Magazine Monday  30/04/2007 G Issue 197
نصوص
الأثنين 13 ,ربيع الثاني 1428   العدد  197
 
قصة قصيرة
حكاية عطرة!
علي بن حسين الزهراني

 

 

تقضي الساعات الطوال مترنمة أيامها السريعة، ويلاعب جفنها الرموش المتقطعة، تحمل الأحلام بين جوانحها، ومتضمخة بالمستقبل الموشح بالسراب وتدندن بين فينة وأخرى مستلهمة أهزوجة ما زالتْ تُسْمِعُ دقات قلبها (تك.. تك.. تك) وبالكاد تفرج من شفتيها مخرجا لعبور ضيق من حنجرة متلطمة بالحروف:

سوّاقَنَا فَنْي فَنْي

سواقنا رِكِبُهْ جُنْي

لم يدر بخلدها ولو للحظة أن حياة الشقاء غُمِسَتْ منذ أن رددت هذه الأهزوجة! ودخلتْ (رغما عنها) عالم الخيال وأشياء تعدُّ من المحال! ما زالتْ تتذكرُ أيام الطفولة وهي تقول: يا للحظة الطفولة ما أجملها!، وهي محلاه بالشيطنة.. أتذكرُ عندما انزلقتْ قدمي من أعلى (الرعش) متدحرجة من درجنا الحجري وكنتُ أصرخ.. ولم يتلقفني سوى بقرتي وثورها وماعزي، كنتُ أحبُ اللعب معهم هذه (تلوقني بلسانها) وتلك تدفعني برأسها، ياه ما أجملها من لحظات!! لم تكن تعلم أن القدر كان يخبئ لها شيئا.. تتلذذُ بشيئين اثنين القلم والورق تدون فيه كل ما أسعدها أو أغضبها، وأصبحا روحين في جسدها، كانتْ مدرستُها ملاذا آمناً وأُعْطيتْ بسطة في العلم وروعة من جمال ففاقتْ أقرانَِها في كل شيء، مارستْ طقوسَ النجاح بلا كلل أو ملل.. وكانتْ تحلمُ بفارس أحلامها وحصانه الأبيض كأي بنت تقارب مستقبلها بخيالها الجانح.. وفجأة تغير كل شيء في حياتها وأصبح نهارُها ليلاً وليلُها نهاراً!

تسللتْ يدُ عابث من إخوتها في دفاترها الخاصة وفيها بعض من خواطرها البريئة وبعض من مشاعرها النبيلة فثارتْ ثائرة أبيها وبدأ يمارس عضلاته من رفس ولطم ولُكَمٍ حتى جثتْ على ركبتيها وخارتْ قواها فاقدة وعيها دون حراك وأمها تصرخ.. عطرة حبيبتي عطرة... ولكن دون جدوى وفوراً أتوا مسرعين (بطارد العفاريت) وبدأ يقرأ القرآن ومع كل مقطع ينهال على جسها المتورم بالخيزران قائلاً: اخرج.. هل أنت أصم أم أبكم؟! حتى من كثرة صياحه ونفثات ريقه فاقت على ريح البصل وعينين محملقتين زاد من صراخها أكثر وأهلها (يهللون ويكبرون) هذا الموقف بات مؤلماً لها، كرهت من أجله كل شيء يدعوها إلى التفاؤل بالحياة! كثر على بيتها القرّاء... وطرقوا كلَ الأبواب وتناسوا باب القريب المجيب سبحانه! وفي لحظة صمت في ليل مظلم قررت الرحيل وهامت على وجهها في ملكوت الله في مغارة تمارس هوايتها وعشقها الأبدي تلتحف السماء وتتوسد الأرض وتكتب.. وتكتب..


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة