الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 30th May,2005 العدد : 108

الأثنين 22 ,ربيع الثاني 1426

ما هكذا يكتب الشعر!
د. سلطان سعد القحطاني
(ما هكذا يكتب الشعر): عنوان كنت أقرؤه في جريدة الرياض للأديب المخضرم (علي حسن العبادي) وكان العبادي يتتبع فيه بعض الشعراء والمتشاعرين، ويصحح لبعضهم، وينفي الموهبة عن البعض الآخر، بل ينصح البعض الآخر بترك هذا الحقل الذي لن يثمر ثمرة رابحة، وكأني به يتمثل قول الخليل بن أحمد الفراهيدي، عندما فشل ذلك التلميذ في تقطيع بيت من الشعر في علم العروض الذي ابتكره الخليل نفسه، ولم يرد الخليل أن يصرح لتلميذه بفشله، فأعطاه هذا البيت ليقوم بتقطيعه وليفهم المقصود، وأن الإنسان لما خلق له، وما أعطاه الله تعالى من المواهب، التي قد لا تتوفر عند الآخرين، فلا مجال لضياع الوقت فيما لا فائدة فيه، فقال: خذ هذا البيت وقطِّعه، على أننا لا نوافق على أن يكون الشعر تقطيعا وأوزاناً تخلو من المعنى:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيع
وهكذا فعل العبادي المربي القدير، الذي تخرج على يده كبار المسؤولين في الدولة اليوم، وهو فخور بهم، ولنا أن نعرف من هو العبادي أولاً، وإن كان أساتذتنا قد علمونا، بل عاقبونا على تعريف المعرف، فليسمح لي القارئ الكريم بإعطاء نبذة مختصرة عن العبادي، مع علمي أنها لن تضيف شيئاً إلى قاموسه، فهو علم في رأسه العلم والأدب قبل تعريفي الذي لا أستطيع أن أقول عنه تعريفاً، لكن فضول الأكاديمية قد يفرض عليّ وعلى أمثالي التدخل في بعض الشؤون المعروفة سلفاً، ويشهد الله أنني لم أقدم هذه المقالة تزلفاً لأحد، وأحمد الله أن الكل يعرف صراحتي وحبي للقريب وللبعيد، {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} وهذا نفس الشيء الذي صرح به العبادي في كتابه هذا مع من نقدهم، وأراد أن يوجههم، وهذا العمل الذي بين يدي اليوم عمل قلما وجدنا مثله في هذا الزمان، لأسباب، منها: علمية هذا البحث، وقدرة صاحبه على السيطرة على علم لم يسيطر عليه كثير من المختصين، إضافة إلى ما يمكن أن يعود على المتلقي منه من فائدة. ومؤلف هذا الكتاب رجل من الرعيل الأول، ذلك الرعيل الذي كان همه العلم فقط، فقد أخذ العبادي كما هو مذكور في مقدمة الكتاب العلم على أيدي كبار علماء الحرم المكي الشريف، وفي مقدمتهم السيد علوي يوسف المالكي، المتوفى في مكة المكرمة، سنة 1391هـ، فقد درس عليه العروض والنحو والقرآن الكريم، والمالكي من أعلام مكة المكرمة، كان عالماً بفن اللغة العربية، من جميع الوجوه، لذلك تأثر به العبادي ونهل من علمه وأدبه، وأسس على علمه قاعدته العلمية، ثم مارس التدريس وطبق ما تعلمه على طلابه النجباء، وأخذ مواصلة القراءة في كل مناحي الثقافة، حتى انتهى به الأمر إلى رئاسة نادي الطائف الأدبي، والعبادي ممن يستفز من قبل النظامين ومحطمي اللغة العربية في نحوها وصرفها وعروضها الشعرية وتراكيبها اللغوية. وقد مارس النقد اللغوي بشكل عام لكنه ركز دراسته في الجزء الأول من كتابه هذا على نقد الشعر عروضياً ولغوياً، وله مقالات صدر بعضها في كتاب عن الأنساب، فهو ذو باع طويل في معرفة أنساب العرب، بل إن فراسته تدله على الشخص عندما يتكلم، فيعرف من أين هو ومن أي قبيلة. وبالرغم من كثرة علمه وتجاربه في الحياة إلا أنه قليل الإنتاج، وربما يكون ذلك من شدة حرصه على القليل الدائم الذي هو خير من الكثير المنقطع، على حد تعبير سهل بن هارون. وبالرغم من صدور هذا الكتاب منذ سنة تقريباً عن نادي الطائف الأدبي. إلا أنه لم يحظ بدراسة تليق به، ما عدا التعريفات التي تعرض في الصحف على هيئة تعريف بمولد كتاب ما، وربما نلتمس عذراً للآخرين عن هذا التقصير، على أنه خوف من قلم هذا الكاتب الجريء، الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم!!، ولكن من حق هذا المنجز الثقافي علينا أن ندرسه، تعميماً للفائدة، وبالرغم مما قدمه الأساتذة الكرام (الدكتور عبدالعزيز الخويطر، والدكتور عياد الثبيتي، والأستاذ محمد صلاح الدين) من مقدمات جميلة استفدنا منها الكثير، إلا أنها تصلح لكاتب مبتدئ، وليس لعالم يشار إليه بالبنان، لكنه تواضع العلماء على أي حال وقد أعجبتني هذه المقدمات المبتكرة الصريحة، فلم أجد فيها مجاملة المقدمين، الذين ينفخون في الهواء الطلق، ولا عجب فهي صادرة من علماء لهم وزنهم، وليس فيهم من يلمع الزجاج الملون، وليت شبابنا يتواضعون قليلاً فيتجهون اليهم يعرضون عليهم انتاجهم ويقدمونهم إلى جمهور القراء ليحصلوا منهم على شهادات اعتراف بجودة انتاجهم الفكري، ولا أظنهم سيبخلون عليهم بما حباهم الله من فضل البيان والعلم، ولا سيما وكلهم قد عمل في حقل التعليم. كنت قد درست علم العروض في كلية الآداب كغيري من الطلاب على أيدي أساتذة فضلاء، منذ أربعة عقود من الزمن، وأتبعتها قراءات كثيرة في هذا العلم، وقرأت حياة الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي العماني، المتوفى سنة 170للهجرة، وما استفاد منه الغرب في علم الموسيقى، وعندما كنا طلاباً في المرحلة الثانوية والجامعة كنا نزن الشعر على التنغيمات اللحنية، فكنا نعرف إن كان البيت مكسوراً أو مستقيم الوزن، وبالرغم من ذلك لم أجد من تتبع الوزن الشعري، بكل علله قبل هذه الدراسة التي بين أيدينا اليوم، ولا يعني ذلك قصوراً في جهود الدارسين، لكن ميزة هذه الدراسة الوضوح والبعد عن التعقيد الأكاديمي بما فيه من كثرة الاحالات والخلافات المدرسية، مما يفقد الأذن رقة الاستماع وسرعة اللقط والتحليل (بصورة آلية) وهذا ما انتبه إليه الباحث، وبما قام به من تقطيع عروضي، بين فيه وجوه الخلل في البيت أو في القصيدة، كوحدة عضوية، والشعر العربي شعر مغنى، وشفوي النطق ولم يكتب إلا في عصور متأخرة، وقد يلذ للمستمع سماعه من منشد خبير بمخارجه وايقاعاته، فلماذا نقول (يكتب الشعر) أليس الأولى أن نقول: ما هكذا يقال الشعر؟ قد نجد جواباً لذلك، باعتبار ما درس من الشعر الذي كتب ونُشر، وليس مما سمع، ولكن لو أن هذا الشعر قرئ لظهر فيه من العلل الكثير، ولظهر فيه من الجمال الكثير أيضا، إنها معادلة صعبة، لكنها صارت سهلة عند مؤلف هذا الكتاب، وما قدمه من اجتهادات لها قيمتها في عالم كسدت فيه اللغة، وكثرت فيه العلل، بعدما كثرت الترجمات السقيمة من اللغات الأخرى، خاصة في الكثير من المطبوعات، العلمية وغير العلمية خاصة الصحافة وشهد سوق الشعر كساداً، وتطفلاً على الفنون ممن لا يحسن التعامل معها، فكثر النظم البارد، والأسلوب الهزيل، والخيال المكرر، والبناء المفكك، واللغة الرديئة.. ولكن ما زال في الدنيا الكثير من الخير، متمثلاً في المجابهة الصريحة في وجه هذا التيار وذاك، وكان باستطاعة الدارس العبادي أن يحلل القصائدي التي نقدها عروضياً من جميع الوجوه التي ذكرناها، وما أظن أن ذلك عليه بعسير.


..... ولنا حديث حول ذلك في الحلقة القادمة

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved