الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 30th May,2005 العدد : 108

الأثنين 22 ,ربيع الثاني 1426

(ع.ط) يرد على (ع. ش):
الأحلام تتسع والميادين تضيق على المبدع
(ع.ش) طالب عدداً من النقاد البارزين ومنهم: الجابري، والغذامي والبازعي، والعدواني، والسبيل، المعيقل في ملحق الجزيرة الثقافي.. عدده (104) في 2231426ه بقوله: (نحن على أمل أن يعيد (هؤلاء النقاد) النظر في توجهاتهم النقدية الآنية، تلك التي لا تخدم الأدب والإبداع على الإطلاق، وقد خص (ع. ش) فئة من النقاد ذكر منها تلك الأسماء مستثنياً من وصفهم ب(أنصاف النقاد، وأشباههم، فهم في الأصل غير معنيين بما أقول..).
وكاتب هذه السطور (وهو ليس من النقاد ولا من أنصافهم، ولا حتى من أشباههم يجد نفسه مؤيداً لرسالة (ع. ش) في جملتها، لا في تفصيلها، فكثيرون من نقاد العربية البارزين شغلوا أنفسهم، وشغلوا معشر القراء والباحثين عن وهم (التنوير) وسرابه في صحراء الواقع العربي الشهيرة بتداخل حقائقها وأوهامها وسرابها، بكتابات هائمة غائمة.. تستدعي رموزاً حلمية قصية، و(ميثولوجيات) موغلة في الحكاية، وفي نقد واقع ببدائل غير واقعية. ولكننا لسنا مع (ع. ش) في الإلغاء والاقصاء والتعميم في التوصيفات (ناقد كامل، ونصف ناقد) فعلاوة على كون بعض الأسماء التي توجه إليها في رسالته عرفت بوصفها رموزاً مفكرة كالدكتور محمد عابد الحابري، والدكتور عبدالله الغذامي الذي يتحول الآن من النقد الأدبي إلى (فكر المثاقفة) وأحسبه لن يطيل البقاء في هذه النقطة كثيراً، بل أراه سيتجاوزها إلى معمعة (الفكر الإسلامي) إذا عبر المسافة الكأداء بين الستين والسبعين، مد الله في عمره.
علاوة على ذلك فإنه (لا كمال بشري في شيء) فدائماً (فوق كل ذي علم عليم) وفوق كل شاعر شاعر، وكل ناقد، ناقد، وهكذا دواليك.
المعيار هو: الإبداع في القول، أو في العمل والفكرة البديعة فيهما إنما هي محصلة جهود جماعية، تبدأ بالارهاصات والاشارات والإيماءات وتنتهي بالنموذج الأمثل لها عبر أجيال وأجيال. أحدهم يأتي بثمنها والثاني بربعها، والثالث بنصفها، وآخرون بما يكملها وهكذا.. يا عزيزي (ع. ش) يوجد في السياق نفسه أيضاً من لا يضيف شيئاً ولكنه بطريقة ما يصبح محسوباً في قائمة العظماء في مجالهم الذي أفنوا العمر في بحثه وإبرازه. يوجد أيضاً من لا يزال يهيم في نقده وفي كتابته عموماً هيمان الشعراء اليافعين وإسرافهم اللغوي الشبيه بسحب الصيف الهائمة في فضاء الهجير التي لا تلبث أن تنهزم وتتلاشى، بينما الرمل على حاله يتلظى تحت لهب شمس الحقيقة، فلا ظل ولا مطر يحظى به من تلك الذيول الهاربة من لا شيء إلى لا شيء، إلا من لحظة جمال عابرة في عين من تسحره جماليات اللحظة!!
ولا يزال يا (ع. ش) يوجد من يمارس النقد بلغة (رقية) المشعوذين: طلاسم ورموز وجمل تنأى بالعمل الذي يعالجه عن قارئه، كما تنأى الرقية ذاتها بالمريض عن فهم وصفة العلاج. توجد أمثلة كثيرة وقريبة في ميادين كثيرة، أقربها: بعض الكتابات (النقدية) في هذا الملحق الذي وجهت رسالتك عبره إلى الجابري وزملائه ورفقائه، لا أريد أن اسمي لأني لم آتِ للمبارزة والملافحة حسب تعبير الصديق العمير في (لفحاته النقدية)، فذلك جانب آخر من ظاهرة الانشغال والاشغال في أمور يؤخذ منها ما يؤخذ ويرد ما يرد من دون أن تؤثر في مجرى الحياة الفكرية في امتداداتها الزمنية المتدفقة، فتش يا (ع. ش) في اعداد (ثقافية) الجزيرة السابقة أو اللاحقة، ستجد عينات لما أشير إليه الآن، كتابات (نقدية) لا تزال تحمل (ورق) المدينة التي اندثرت قبل (ثلاث مئين من السنين وأكثر) تريد أن تعرب.. فتعجم، تريد أن تبدع.. فتعجع، لغة مغرقة في العماء والانغلاق، ونسق يستعير من الشعر المرسل نظامه، وأسلوب يعتمد على الانتقاء اللفظي من دون مراعاة لمؤدي العبارة، يفسر الحلم بحلم آخر، ويفتض النصوص بشفرات أما صدئة أو مفرطة في البريق واللمعان، طريقة وان راجت في مراحل النعاس الطويل فإنها حتماً لن تروج في زمن الصحو وفرك العيون.
يخيل لي أحياناً أن ثمة شبهاً بين أصحاب هذا النوع من (النقد).. هذا النوع من الكتابة، وهم يقدمون في نقدهم وكتاباتهم بعض النصوص الشعرية، والقصصية، ويحطمونها في آن، وبين المُضيف العربي الشهم الذي يبالغ في تكريم ضيفه على مائدة الطعام العربي الملحم، فيغرز أظافره في لحم الذبيحة وينتزع هبرة يكورها في يده قبل أن يرمي بها أمام الضيف، يكرر ذلك في الوقت الذي يتمنى ضيفه أن يدع له حرية الاختيار، فالذوق هنا مسألة شخصية، ولعله كذلك في الأدب والقراءة التي هي نوعٌ من الاختيار، هناك كتّاب أيضاً يشغلون أنفسهم وغيرهم بالحديث عن شخصيات بعينها، ويقدمونها في كتاباتهم من زوايا خاصة جداً، كما يقدم الشعراء في أزمنة المدح والهجاء ممدوحيهم، مبالغة في المدح ساعة الرضا، وإفراط في القدح ساحة السخط، فتبدو تلك الشخصيات وكأنها أما (ذوات أجنحة مثنى وثلاث ورباع) حيناً، أوكأنها من قبائل بني الأحمر وبني الأصفر في بعض نماذجها!! أهذا يعد ضرباً من الأدب المفروض على القراء والمكتبات؟ أجل هناك شيء في أدبيات التاريخ يسمى (السير والتراجم) عند الأقدمين لكن شتان بين التأريخ الموثق المجرد وبين الانطباعات الشخصية التي ترسم الوجوه بريشة الانفعال الذاتي، علينا الاعتراف بأن مسيرة الثقافة العربية لا تخلو من الانطباعات.
غير أنها في نماذجها القديمة أقل درجة مما هي عليه الآن في زمن اختلاط الأوراق، الذاتي بالموضوعي وأمر القراء وغيرهم لله الذي (عنده موازين القسط).
ولأن (الأحلام تتسع، والميادين تضيق دائماً) حسب تعبير بعض الشعراء المعاصرين، فإن ميدان الثقافية الغراء لن يتسع الآن لكل ما أريد قوله هنا، وسامح الله (ع. ش) الذي دفعتني رسالته إلى هذه الثرثرة دفعاً، وأخرجتني من ذهب الصمت إلى (وجع) الكلام.


ع.ط

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved