صدى لون
(تفرغ الفنان) فرضية قابلة للتجريب
محمد الخربوش
|
يطالب البعض من الفنانين التشكيليين بين الفينة والأخرى أن تتاح لهم الفرصة للتفرغ للفن لممارسته بصورة احترافية بحتة بعيدا عن الانشغال بالعمل الحكومي سواء كان في مدارس التعليم العام أو خلافه من أجهزة الدولة وبالتالي تكون الفرصة مواتية لهم بصورة أفضل للعطاء والإبداع لأن الفنان كما نعلم قبل أن يكون فنانا فهو إنسان بحاجة إلى الصفاء الذهني (والروقان) وهو بحاجة أيضا إلى وجود أجواء ومناخات وبيئات هادئة تمنحه الفرصة لممارسة عشقه بهدوء بعيدا عن صخب العمل وتداعياته المختلفة لأنه أي الفنان له مشاغله الاجتماعية والأسرية والحياتية وهي مشاغل والتزامات وارتباطات لا مناص له عنها وهي كما نعلم أمور ومسلمات حتمية يفرضها واقعنا الاجتماعي والأسري الذي يتميز بقوة الترابط والتواصل والتلاحم بين أفراده وبالتالي فإن الفنان والحالة هذه مطالب بالانغماس مع هذه المعطيات الاجتماعية والتفاعل معها مما ينعكس بدوره سلبا على نتاجه الفني وعطائه الإبداعي الذي يتطلب كما أسلفت مساحات وقتية هادئة تساعد على العطاء التشكيلي بشكل عام ويؤثر بالإيجاب على تواصل مسيرة هذا العطاء واستمراريته ونجاحه لأن حصول الفنان على سنة تفرغ مثلا من جهاز عمله سواء كان موظفا حكوميا أو حتى في القطاع الخاص سيصب في النهاية في مصلحة الخطاب التشكيلي نفسه وسوف ينعكس بدوره على تنامي وازدهار مسيرة التشكيل بشكل عام.
لأن العملية الإبداعية لا تتطلب جهدا عضليا أو جسمانيا أو حتى ماديا لكنها عملية عقلية مشاعرية تعتمد على المشاعر والأحاسيس والوجدان والانفعالات والعقل الباطني إضافة إلى ما يختزله الفنان من ثقافات ومعطيات تساهم في تقديم ما لديه وصياغتها وفق قوالب جمالية تستحق الإعجاب.. والتفرغ الذي يطالب به البعض من الفنانين وأجدني أضم صوتي لهم لقناعتي بجدواه هو تفرغ للبعض من الفنانين وليس للكل أي أنه قد يطبق على عدد محدد من الفنانين أي بالتناوب وتكون مدة التفرغ من وجهة نظر شخصية سنة وحتى تكون الأمور أكثر وضوحا وأكثر تفعيلا فإنه من الأفضل والأجدى أيضا وقبل الخوض بالتنفيذ أن يكون هناك سنة (للتجريب) وأن يتم اختيار عدد مناسب من الفنانين المتميزين ليتم تفريغهم تماما من أعمالهم وارتباطاتهم الرسمية لمدة عام ويترك لهم حرية العمل وبعدها تخضع التجربة للتقييم من قبل لجنة مختصة من ذوي الاختصاص ليكون التقييم شاملا عن مدى استفادة الفنان وكيفية حضوره وإنتاجه ومشاركاته وتجاربه وبحوثه إن وجدت وكافة المعطيات التي لها مساس بالعمل التشكيلي والتي تؤكد وتبرهن للجميع مدى استفادة الفنان من هذا المناخ الجديد وقد طبقت التجربة في دول عديدة أعطت ثمارها أحيانا وبشكل جيد وأخفقت أحيانا وعملية النجاح والإخفاق قد تكون تخضع للفنان نفسه ومدى تقبله وتعامله وجديته وحماسه لاستغلال هذه الفرصة وتوظيفه لهذه الافتراضية التي قد يكون مردودها الإيجابي كبيرا متى ما توفرت الأجواء المناسبة ومتى ما أطلت الجدية والحماس وتحمل المسؤولية برأسها في هذه المعادلة وهذه الفرضية القابلة للتجريب والتي تهدف أولا وقبل كل شيء إلى تواصل مسيرة العطاء في هذا الجانب الإبداعي الجميل.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
