الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 30th May,2005 العدد : 108

الأثنين 22 ,ربيع الثاني 1426

ليتني فيها جذع
(نشرت الثقافية) قبل (أسابيع) نصاً شعرياً للناقد الثقافي والمفكر العربي الأستاذ الدكتور عبدالله الغذامي قاله قبل أكثر من أربعين عاماً، وقد عقب (أبو غادة) ببراءة علنية من شعره الذي شاء بيعه قبلاً للأستاذ الكبير علي العمير، وبوساطة الزميل مدير التحرير للشؤون الثقافية، وقد أثار هذا المقال (الطريف) شاعرنا المتميز الأستاذ سليمان الشريف فكتب قصيدة مطولة يدعو الغذامي فيها إلى العودة إلى الشعر وعنوانها (شاعر آثر الصمت)، فأجابه الدكتور الغذامي بهذه الرسالة الوفية من رمزٍ لم ينس رموزه..(الثقافية)
عزيزي أبا يزن:
سوف أشتكي إليك حبيبنا أبا عبدالعزيز، سليمان الشريف، وأنت تعرفه مثلما يعرفه الحل والحرم، شاعراً طليقاً، ومبدعاً منساب الروح والشاعرية، تأتيه الكلمة الشاعرة مطواعة، وسهلة، وندية، حتى لو أراد من حديثه اليومي أن يكون شعراً لكان كشأن أبي العتاهية الذي وصف نفسه بهذه الصفة حينما سألوه عن طواعية الشعر له.
وبما أن أبا عبدالعزيز على هذه الصفة وعلى هذه القدرة الفذة من الموهبة الشعرية المناسبة والتلقائية فإنه صار يراني على قدر مماثل من الشاعرية موهبةً وسماحة قريحة، وما أنا كذلك، ولكنها والله كرامة أبي عبدالعزيز حيث ظن فيَّ ما ليس بي، ونسب لي شرفاً لست أهلاً له. وكم كنت أود لو كانت قصيدتي عن أبي رقيبة وزيارته المشؤومة للقدس الشريف، عندي، إذن لكنت نشرتها، ليس تقديراً مني لها وإنما استجابةً لطلب كريم لرجل كريم لا يسعدني أن أرد له طلباً. كيف وهو رمز ثقافي ووطني نشأت أنا وجيل مثلي على مراقبة خطوه هو وصحب له كانوا أنواراً وضاءة في سماء خيالنا، وكنا نراهم وهم يتصدون لمنصات نادي المعهد العلمي شعراء وخطباء ومتحدثين بلسان عربي فصيح وقصيد وطني يدوي في أعمق أعماق مشاعرنا، وقد كنا صغاراً وهم كبار سامقون وتعلمنا منهم الوطنية والأدب والحماس للثقافة حتى خلفناهم يوماً على منصة النادي في المعهد وأخذنا نترسم خطاهم في قول الشعر وفي الخطب، وفي يوم من الأيام اجتمعنا نحن فتية المعهد وقلنا لقد جارينا أسلافنا من مثل سليمان الشريف وصحبه في كل شيء فعلوه شعراً وخطابةً، ولكن بقي لنا التمثيل المسرحي، وقد كانت لهم مسرحية مشهورة حضرها الشيخ عبدالرحمن السعدي، وكنت صبياً حينها بصحبة والدي ولعل ذلك كان عام 1374 1954 وكان لتلك المسرحية صدى كبير علينا وظلت الأدوار ترن في أسماعنا مع بعض الجمل المسرحية المدوية، وكان هذا ما حرك في نفوسنا حينما تسلمنا أمانة النادي في المعهد، حرك الرغبة في تقليد دور الرواد من الجيل الرائد والرمزي، ولقد فعلنا ذلك وقمنا بكتابة مسرحية وأخرجناها ومثلناها في عام 1383 1963، ولم يكن ذلك إلا رغبة في إتمام دورنا في استلهام مسيرة سلفنا الثقافي والرمزي، وأظن أن شعري ما كان لولا أنني كنت أتفجر وطنية وحماسة وكنت أريد استلهام مواقف جيل الشعراء الرواد من أبناء عنيزة وأبو عبدالعزيز كان في طليعتهم وفي قائمة الرمزية والوطنية والمحبة والإخلاص.
لم يكن شعري شعر طبع ولا أريحية روحية ولكنه كان محاكاة لهؤلاء الوطنيين ورمزيتهم في نفوسنا، وكنا نظن أن الوطنية لا تتم إلا عبر القصائد وتدبيج الأشعار أسوةً بسليمان الشريف وعبدالله العثيمين وإبراهيم الدامغ وزملائهم المعروفين لنا جميعاً، وما كنا نتصور منصة النادي لتتم من دون إشعار وطنية كانت تعبيراً عن المرحلة والمد القومي حينها، وكنا ونحن نقف على المنصة نستوحي وقفات ذلك الجيل ونستدعي روحهم الوطنية والثقافية.
إذن ما كان عندي من شعر هو بعض من زكاة ديواني أبي عبدالعزيز وصحبه، وكان ندى طرياً من فيض بحورهم السجية، وحينما كبر عقلي علمت أن شعر سليمان الشريف وصحبه لا يجارى ولا يهان بوضعه في صف النظم البسيط، ولي في أبي عبدالعزيز وأبي صالح العثيمين خير صاحبين بما فيهما من رمزية وطنية وصدق وإيمان وكرم نفس، وأشعارهما تنوب عني وعن كثيرين غيري في كل نائبة وفي كل مقام يقتضيه الشعر وتقتضيه الوطنية.
ولن أنسى أبداً أنني مرة اتصلت بالأستاذ سليمان الشريف أخبره عن عزم بعض الأصدقاء نشر كتاب عن القدس الشريف مجاراة ومؤازرة للانتفاضة، وكنت اتصلت بجيل الشعراء الرواد من جيل الوطنيين المبرزين لتناسب الحال معهم شعورياً وتاريخياً وأبو عبدالعزيز على رأس هؤلاء، وحيث إن الأمر كان يقتضي بعض العجلة فإنني رأيت تسهيل الأمر على الأستاذ سليمان فقلت له، لا بأس من كون المشاركة نثرية إن تعسرت القصيدة، فرد عليَّ قائلاً: بل إن القصيدة أسهل من المقالة. ضحكت على نفسي لأنني فعلاً نسيت أنني أتحدث مع سليمان الشريف، وهو الرجل الذي منحه الله موهبة سيالة لا تأبى عليه، فكيف وقد صار الأمر عن القدس وهي في قلبه وفي روحه، وهو لا يفديها بشعره فحسب بل في نفسه وماله، وهو الشريف ابن الشرفاء والرمز الوطني الذي تعلمنا منه حب الوطن وحب الإيمان وتعلمنا منه صدق الكلمة وصدق الظن وصفاء النفس، هذا هو سليمان الشريف في نفوس كل من عرفوه وفي نفوس كل من تعلموا على يديه في مدرسة أو في مجلس، وقد كانت روحه تشع إنسانية ووطنية حتى لتتعلم منه بمجرد أن تراه يسير في الشارع، وأنا لم أدخل عنده في صف ولكن علمه وخلقه وإيمانه بلغتني جميعها إلهاماً واستلهاماً لسلوك كريم وسيرة صالحة ونتاج عميق وصادق.
وأقول له وقد دعاني لنشر شعري، أنت يا أبا عبدالعزيز شعري وشعر جيلي وقد تعلمنا منكم كل هذه القيم الكبيرة ونحن مدينون لكم بما أنكم قدوة صالحة ونبت كريم أتى أكله ولله الحمد في جيل عريض الهمتموه فأحبكم ووفى لكم، غير أنكم تظلون أكبر منا جميعاً حتى لَتَفون لنا أكثر من كل ما نملكه من وفاء لدرجة تبدو وكأننا نحن أهل الفضل عليكم وأننا نحن السابقون، والحق أنكم الأساتذة ونحن التلاميذ، لك حبي يا أبا عبدالعزيز، ووفاؤك وقلبك أكبر من كل قدراتي في الكلام عنك.


أخوك الصغير
عبدالله محمد الغذامي

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved