الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 30th August,2004 العدد : 74

الأثنين 14 ,رجب 1425

استراحة داخل صومعة الفكر
عندما يبكي القمرحليمة مظفر116 صفحة من القطع المتوسط
سعد البواردي

عندما يبكي القمر تتداعى النجوم بالدموع.. ويبلل الطل أغصان الشجر
ولكن القمر لا يبكي.. انه يتوارى عن كوكبنا في دورة زمنية شهرية فلكية.. يتوارى ربما اشفاقا على هذا الكوكب الأرضي المسكون بأحزانه.
المثقل بأدرانه.. وبصراعات سكانه.. ربما..!
نحن الذي نبكي على أنفسنا.. وعلى غيرنا.. ونحن الذي يبكي غيرنا علينا مثلما نبكي عليهم.. بكاء اشفاق.. وبكاء اخفاق.. وأحيانا بكاء نفاق لأن الحب في حياتنا ملون بفيروس الطمع والجشع المادي.. ولأن الحب لدينا صنعة وقتية نشتريها لوقت، ونبيعها لوقت.. وتبقى الدموع وحدها الشاهدة على هذا الضياع
شاعرتنا حليمة عاجلتنا بالدموع كي تغسل بقايا حزن.. وكي تطفئ نار وجد.. أو حرمان.. لا أدري..
دعي الدموع تغسلنا
لا تسجنيها بين مآقي عينيك
كما تحجرت ذكرياتنا
أفَ تذكرين؟!
تساؤل تطرحه شاعرتنا الرقيقة باسم من يحب لمن يحب، أف تذكرين؟ كيف لها أن تذكر وقد تحجرت الذكريات ولم يعد مجرى؟!
دعيها تطفئ حرائق قد اشتعلت دهراً
ولا مطر يخمدها..
هل تقوى الدموع يا شاعرتي على اطفاء حريق عجز المطر عن اطفائه.. لا أظن.. ومع هذا لنأخذه من السياق المجازي للمبالغة علها تداوي الجراح كبلسم بعد أن حفرها الزمن دون أن تنسى وعلها تغمر بالحنين وبأشواق الطفولة.. بالماضي.. وسنوات العمر الراحلة..
دعيها تداعب مضاجعنا.. تستهويها نبضاتنا
من أجل ماذا وقد تبللتها.؟ من أجل نسيان قسوة الحرمان ولحظات الاحتياج.. هذا الشوق الغارق في وله المشبوب بعاطفته لمن؟!
دعيها يا طفلتي تغسلنا
علنا نشعر بأنفاس الظلام من حولنا!
علنا نشعر بالحياة في قبورنا!
الظلام اختيار بؤس.. والقبور اختيار يأس.. والنهاية يا حليمة يأباها لك ولطفلتك الحلم والعلم وان فرضها الواقع..
(ستذكرينني) توأمة لدموعها الأولى إلا في اختلاف شخوصها.. في الأولى كانت طفلة.. وفي الثانية طفل وزعت عليهما غمامة الدمع حتى لتكاد تفرقهما.. ودموع الحب لا تفرق وإنما تورق..
أراك حلما في وضح النهار
أنصت إلى نبضك الصغير
أزيح عنك قهقهة الزمن
وتثاؤب الوقت الحزين..
إن استطاعت إلى ذلك سبيلا.. وما اخالها تقدر.. فالزمن سيد الموقف بعدله وعزله.. بسطوته وسلطته.. انها أمنيات:
فيا ليتني ظل خطاك
تتوسدني قدماك
فدومي لي قمرا في سماء عمري
حتى تنطفئ شموعي.. يا أمي
تداخل في النهاية.. وفي خطابها الحواري.. لم اشهد له بداية.. الأم هذه المرة محور التخاطب ممن؟ من طفلتها؟ من طفلها؟ من الاثنين.. غير واضح.. ومع هذا فالمعنى لا غبار عليه.. حبذا لو أعادت شاعرتنا قراءتها ثانية وحددت نقطة النقلة من خطابها لطفليها.. وبداية جوابهما لها.. (ملاحظة) .. الأم أحيانا تخاطب طفلتها قائلة: يا أمي: هنا وبهذا المعنى يبدو الحوار متسقا مع بعضه..
(جفون المساء) سوداء كسواد الليل هكذا أرى.. شاعرتنا ماذا ترى من خلال قراءتها لتلك الجفون المسائية؟!
وتسير الأيام يا عمري
على رمال الاوهام تترك اثار ربيعي
وقليلا من أوراق الخريف
وتقصف بنا رياح عاتية
تقذف بنا في أعماق بركان خامد
وسطه الصقيع الذائب.
أبحث عن جفون المساء فألاقيها جفون نساء مسبلة تحترق من دواخلها رفضا لواقع مر تعيشه
أنسيت يا من تبصرني امرأة
انني قلم ان جف حبره
ماتت أنفاسه بين أحضان الورق
وان لي قصيدة نثرت قوافيها
على صفحات الزمن
وغدوت بها محلقة في جوف السماء
إنها تخاطب ذلك العصي الذي امسك بعصاه الغليظة يطاردها.. ويطالبها بما لا تقوى عليه.. انها تشير إليه
لتعود من جديد لوحتك الصماء
تغلق عليها أيامك
هل يفهمها؟ هل ينسج لها من أبواب السحاب المخملي أمطارا!.؟ وهل يسقيها ما يكفي من الحب.. وجفون المساء كما ترغب؟
النهاية مفتوحة.!
شاعرتنا حليمة مظفر تختزن في دواخلها ثائرة شعرية غاضبة ألمسها في مقطوعاتها.. (ووعدتِني يا أيام) و (عجوز الحارة العتيقة) و (بلا هدى) نفس الهواجس.. ونفس الرفض:
ما هكذا الحب يا عمري
ومن قال يا حروف قصيدتي
ان الحب، بلا قانون
بلا مدى، بلا كلمات
وتفسر الحب كما يجب ان يفهمه الرجل انه:
الحب يا سيدي
نبع من واحة الوجع
وعين في جوف صحراء
دفنتها كثبان الذكريات
الحب يا شاعري
عمر يتقاسمه العشاق
ونبض وروح
تتوسده الأحلام..
ومع هذا يظل الحب في شعرها مجرد طيف.. ومجرد ضيف تطارده التجربة.. وتثقله الذكريات.. هكذا يأتي الشعر مزيجا من الخيال والواقع في مقطوعتها (بيت العنكبوت) ربما لوهنه تسرد علينا قصة قديمة من حياتها وقد ساحت قدماها تبحث عن طريق في جوف الظلام وسط صحراء قاحلة فما وجدت سوى قلم سال حبره من فرط بكائه والقلم يبكي حين تمتلئ جفونه بغبار الهجر والاهمال وتطوله بقايا من خيوط العنكبوت: إنها بعد هذا الجهد والاجهاد الطويل تتطلع الى ما حولها:
فوجدت جسدي
في ذلك البيت القديم
انه بيتي القديم
وسرت، وانين جدرانه تنساب
إلى اعماق الحنين
وتتذكر:
قد تركت ذات يوم طفلة ها هنا
تداعبها الانين الانين مذكر، الصحيح: يداعبها.
وابصرت في جوف الظلام دمية
برقت عيناها بندى الحنين
يدفن ثوبها غبار السنين
كلنا يا حليمة مظفر ظفرنا بتجارب قديمة من ذكرياتنا.. مررنا بها مرور الكرام لأننا ننسى.. ولأن الذكريات لا تعيد إلينا ذاكرة تنفع..
الحنين إلى الماضي جزء من تواصل الحاضر.. من عزائمه نتعلم.. ولهزائمه نتألم لو احسنا استرجاعه وترجيعه كصوت حياة لا ينقطع..
والآن جاء دور القمر وبكائه.. لنستعد:
عندما يبكي القمر
سأسمع بكاءك الصمت
وستحترق في محبرة قلمي
الذي ضجر من سكون عواطفك الخرساء..
شاعرتنا اشبعتنا من بكاء قلمها، وقلبها ومحبرتها.. هلا أسمعتنا نبرات القمر الحزينة.. العنوان له. وليس لها.. لقد سرقت منه وقفة حزنه.. ومحبرة دموعه.. وشموعه.. صادرته.. وصدرته لرصيدها الغاضب في خزنة الحب دون ان تصرف درهما واحداً لزبونها لأنه لا يستحق:
في زماننا هذا من السهل
جداً.. أن يبكي الإنسان
والأسهل منه هو أن يضحك
أتعلمون لماذا؟!
لأنها مزيفة، ورخيصة الثمن جداً..
لهذا أثرت ان تحتفظ برصيدها دون تدخله في بورصة عملات الحب المزيفة المتداولة بين المضاربين..
ومن قطرة قحط.. ومن نظرة سخطه تقربنا شاعرتنا إلى ما هو أرق.. قطرة ندى.. فهل تقوى أن تخرجنا معها من كابوس الهم ومرجل الغضب؟!
الا أغنية حزن لحنتها الأيام
وحروف قصيدة نثرتها الاحلام
الا قافية شاعر احتار فيها قلبه
ودمعة طفل مات أبواه..
وتسترسل في التعريف والتوصيف فهي لحظة عمر انهته الاقدار، وصفحة كتاب بللته الأمطار، ووتر قديم مزقته أظافر فنان وبعد هذا كله تقول انها (قطرة ندى) جفت بعد طول انتظار، ونقطة حبر علقت بورقة عذراء.. جميل أن لا تعلق الا بورقة عذراء تلوحها شمس البياض..
شاعرتنا لا تمل الشكوى، ولا الرفض.. انها تجتر من أعماقها أنفاسها الساخنة بعد أن ضاقت بها.. وبعد أن ضاعت هي في زحمة الاحباط والمعاناة.. وظفت ريشتها للوسائل المباشرة، وغير المباشرة.. هذه المرة رسالة مفتوحة:
ابعث أوجاعي على راحة السحاب
تنثرها رياح العمر القصير بين أنفاس وديان قاحلة
وتحملون حقائبكم مغادرين
قد حان وقت الفراق..
هي وحدها حبيسة وحدتها تعانقها أمواج ظلمة دامسة.. ورغم رحيلهم فان رسائل صوتها تناديهم:
رسائل صوتي تناديكم
تناجي دموعا انتفضت في مآقي المساء
كم حدثت نفسي مرات ومرات
وحسبته الوسواس نخر دواخلي
حين ساكنتكم دياركم..
غانية هذه الدنيا.. صدقوني
بهذا المنظار الأسود.. وبهذا المنظور البائس تطل شاعرتنا على عالمها برسائل حزن، وغضب، وعتب، ورفض، لا شيء في حياتها إلا أبكى تمنيت لو أغنية واحدة للأمل.. وللحلم الجميل في حياتها أشدو بها وأتغنى.. يبدو انه أمل بعيد المنال فالخط الذي اختطته الشاعرة لنفسها خط درامي لا يقبل التغيير، ولا التحوير وفق قناعاتها الحياتية.. ورؤيتها الخاصة بها.
لماذا اختارت هذه المرة دمية ثلج تذوب مع حرارة الشمس.. دمى الاطفال كثيرة ميسرة لا تتأثر بعوامل الطبيعة القاسية لماذا تركتها..؟
أمام مرآتي ابصرت دمية الثلج
ترمقني بعين وامقة
تطرق خاطري..
المثير انها لمحت التمتمة على شفتي دميتها الثلجية.. هل كانت تحادثها؟! أم ان صمت المكان يؤرقها ويجسد لها غير الممكن كممكن..
جدران بيضاء هنا وهناك
وعلى طاولتي صورة
بجواره كتاب شعر منثور
وقلم يرقد بين أحضانه
الآن أدركت لماذا عمدت شاعرتنا إلى نثر قصائدها.. نبقى مع الدمية.. انها ما زالت ترمق خديجة وتراقبها اتراها مجنونة؟! تتساءل شاعرتنا.. أم انها مراهقة ربيع؟ أم طفولة حالمة تخرف؟ اكتشفت شاعرتنا ان الدمية الثلجية تشبهها، عيناها، شفتاها.. ترتجف الدمية، وتطفو الدمعة ساخنة على خد الشاعرة مناشدة اياها الهمس، النطق ان تنفض عنها ثلوج العمر الزهيد، ان تشعلها ناراً تذيب دموع دهرها المتجمد.. تسألها أخيراً..
اسكني خاطري
علك توقظين عروقي
من سباتها المميت
دمية ثلجية تلجأ إليها شاعرتنا كي تذيب عن أفقها جليد حياة متراكم عبر الزمن.. هل هذا ممكن؟! بداهة ام ضرب من التخيل
تبنيه الكلمات.. وتعجز عن تحقيقه الأحلام..
ابنتي خديجة انت شاعرة حادة العبارات.. حارة العبرات، جادة الكلمات تنظرين إلى عالمك من خلال منظار سوداوي افسحي لقلبك فسحة من أمل.. ومسحة من حلم جميل نحلم به.. فلا دمية الثلج قادرة ان تذيب جبل الجليد المتراكم من حولنا.. ولا الحياة كلها سوداوية النظرة.. في حياتنا ليل ونهار.. ربيع وخريف.. وصل وعذل.. بناء وهدم.. حب وحرب.. هكذا تبدد الحقيقة من حولنا.. لنتناول معها جانبها المعتم بأدوات التغيير إلى الأفضل دون أن نفقد الأمل ويتملكنا اليأس.. اعطي لنا في عطائك الشعري القادم وجها يخلو من جهامة يذكرنا بأن للحياة وجها جميلا نسعى إلى مصافحته بالعمل وتكريس قواعده وثوابته داخل تجاربنا الفكرية.. والشعرية.. الحياة بلا أمل ضرب من اليأس القاتل..
الجهل يا بنيتي بالأشياء عدمية في الرؤية يجب الاعتراف وتجاوزها إلى يقين المعرفة.. وفي ديوانك الجميل، (عندما يبكي القمر) المحت إلى هذا..
أصابني الجهل يوما
حينما حرت في امري
تجمدت في صقع الليل
والانفاس تصهل في اعماق صدري
تنفسيها أنفاسا حرى حتى لا تحترق بها دواخلك حتى لو احتار غيرك في أمرك.. المهم انتِ وما تزرعينه في حقل حياتك من ورد فواح ومن ورد يقتل الظمأ.. كلنا نحس الشكوى كأنت، تسكننا الدموع.. ويسكننا الجوع.. ولكن حقل الحياة والخير، والحب مفتوح لمن يسعى إليه حتى وفي مشقة وعناء.. وحتى لو دفعك السؤال إلى سؤال:
يدفعني السؤال إلى سؤال
والجواب.. قيد الانتحار
هنا تكمن خطورة الرؤية.. الانتحار ليس حلا لأن العمر يزهو ولو جاء بخطواته متعثرة.. اوقفي أناملك من الرعشة.. وقلبك من الاحتراق.. وفكرك من الاخفاق.. تطلعي الى شمس النهار وهي تشرق ملوحة بالدفء والوضوح.. انتصبي بقامتك كالنخلة.. وكالنحلة التي تعطي عسلا.. لا يهمك ما يجري بعد ذلك.. فقد فزت واغنيت التجربة..
تلمسني الحنين في صدرك قبل ان يطوله الانين.. واذا ما رحلت فلترحلي كالشموع في عتمة الليل لا كالدموع في جفون المساء.. امسكي النجوم بخيالك، وحادثي القمر في ترحالك.. فحياتنا سفر لا تحتمل التيه ولا تعذيب النفس..
(عتاب على صدري) به اختتم الرؤية الاجتهادية لشاعرتنا حليمة مظفر.. لعل في عتابها ما يعيد حبها إلى صوابه:
أماه.. يا أماه
عتاب يسكن اضلعي
أرسله إليك.. أستغضبين؟!
أماه ما عاد الزمان كما كان
وما عادت القلوب قلوبا
سكنها الجليد.. وأصابها الصدأ
في جوف الظلام..
أماه كم أنا عاتبة عليك
فلِمَ لم تعلميني كيف أحيا
في زمن القياصرة علني أجد مكانا
في جوف الظلام!
هل هذا كلام يا بنيتي.. الأم لا تبحث عن ركن مظلم تسوق ابنتها اليه.. والحياة وحدها تحدد الأزمنة، والأمكنة وفق السعي الجاد إليها.. انت المطالبة بذلك.. لكِ تحياتي.. وبأمنياتي لحياة أفضل.


الرياض: ص.ب 231185
الرمز: 11321 فاكس: 2053338

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved