الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 31th March,2003 العدد : 4

الأثنين 28 ,محرم 1424

المحررون
الإبداع ورحم الذاكرة
محمد المنيف
كثيرا ما نطلق صفة «الإبداع» على أي عطاء ثقافي حينما يتحقق له القدر الكافي من الإتقان خصوصا إذا اعتبرناه واقعاً ماثلاً ونتاجاً عائداً لمخزون فكري في رحم الذاكرة بكل الأطر النابعة من قيم وتقاليد أوجدها السابقون كمثل راسخة في دائرة حياتهم ليصل إلينا بكل معطياته محركا فينا الوجدان وباعثاً فيه الروح نحو مستقبل آخر بقوالب أكثر معاصرة وتفاعلاً مع الجديد.
ورغم وجود الآراء المختلفة حول المبدع وإبداعه أياً كان ذلك الفعل شعراً أو رواية قصة قصيرة أو مقطوعة موسيقية أو لوحة تشكيلية أو نصاً مسرحياً إلى آخر منظومة النتاج الوجداني الإنساني، إلا أن الغالبية يرون أن الإبداع المتوافق والمرضي للمبدع بما يمليه عليه شعوره الذاتي وبما يؤول إليه من عدم الأخذ بالاعتبار قبول الجمهور المتلقي ووضعه في آخر اهتماماته يقابله رأي آخر يجد في تواصل الطرفين عبر أي عطاء قد يعيد ترتيب المنظومة الحياتية السلوكية التي يعيشها أفراد المجتمع ويصبح المبدع جزءاً من إصلاح الواقع وتقويمه، بعيداً عن التفرد بالفكرة وشكل الأداء اللذين يضعان المبدع والمتلقي في حالة من الغربة مع أن المنحازين إلى مبدأ الإبداع لذاته يرون أن المبدع قد وضع أمامه رؤيته ورؤاه الثقافية بما استخلصه من معارف ومفاهيم أتاحت له لغة يسبق بها عصره نحو عصور قادمة. وفي هذه الحال يجب ألا يصبح المبدع ملاحقا للعامة التي يمثلها الجمهور العريض على حساب إبداعه فالإبداع بمختلف وسائل التعبير فعل ونتاج غير موجه بقدر ما يعنى به النخبة التي تستطيع فهمه من خلال سعيها وبحثها عن مصادر الثقافة والوعي بكل تلك الإبداعات. وهناك من المبدعين من جعل الإبداع وجعل من الغوص في أبعاد إتقانه الهم الأكبر من اهتمامه بالجمهور السابق موجداً بذلك جمهورا جديدا في قادم الأيام مع أننا لا نعني بالانغماس في الذات البعد عن قضايا المجتمع إذ لا يمكن أن يتنصل أي مبدع من محيطه وما أبقاه من في وجدانه من مشاعر جميلة أو هموم أو مواقف فما يجب معرفته هو أن الإبداع ليس تسجيلاً للواقع بشكل مباشر أو تكراراً لواقع إبداعي له ظروفه وجمهوره بقدر ما هو تعديل لمسار الحياة بكل نواحيها عودا لمعرفة النتائج التي جعلت من التقاليد والأعراف مرجعية لها كحصيلة تجارب، إذن فالإبداع هو تعبير عن المختزل الواقعي مرورا بالوجدان ومعبرا عن حالة الفكر والحضارة المتجددة وليس نقلا حرفيا للأحداث والمعبر عن مشاعر ورغبات المتلقي إلا حينما تكتمل العلاقة بأضلاعها الثلاثة الأولى: قدرة المبدع على صياغة وتفعيل إبداعه عبر تمكنه من أدواته في أي من وسائل التعبير الجانب الثاني يتعلق بوسيلة الاتصال بين المتلقي والمبدع وفي مقدمتها وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة الضلع الثالث المتلقي الذي يتحمل الكثير أو لنقل النصف الآخر من كيفية الالتحام عبر سعيه للارتقاء بوعيه وثقافته تجاه الإبداع.
وفي حال اختلال أو انعدام وجود أحد الضلعين الأخيرين يبقى الإبداع والمبدعون في غربتهم التي ما زالوا يعانون منها وتصبح علاقتهم بمن تحقق لهم القدر الممكن من مساحة الوعي الفكري وهم النخبة التي يتعامل معها المبدعون الراضون بما قسم لهم.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved