الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 31th March,2003 العدد : 4

الأثنين 28 ,محرم 1424

حركات التجديد في المسرح العالمي الحديث
سينج ومسرح الإنسان والطبيعة والقدر
محمد أبو بكر حميد
يعتبر الشاعر المسرحي جون ميلنجتون سينج John Milington «18711909م» احد ثلاثة اعمدة كان لها الدور الاساسي في حركة النهضة الادبية الايرلندية في العصر الحديث وفي احياء الروح القومية والثقافة السلفية في المسرح في وطنه، فهو الثالث مع ييتس Yeats والسيدة جريجوري Lady Gregory الذين عملوا على ادارة مسرح Abbey Thatrst المسرح القومي الايرلندي واثروه باعمالهم الفنية على ان نجم سينج كان اكثر لمعاناً من اقرانه لعمق التجربة الانسانية التي عالجها وتميزت هذه التجربة بالصدق والواقعية ومعايشة الفنان الحقيقية لابطاله في بيئتهم الطبيعية، ولكن لييتس فضل كبير في ذلك فهو الذي اكتشف موهبة سينج، وهو الذي وجهها وجهتها الصحيحة في تصوير قضايا الانسان والطبيعة والقدر.
نصحية ييتس
ينحدر سينج من أسرة بروتستانتية Protestant شديدة التعصب لعقيدة «المتطهرين» Puritanical «وهم جماعة ظهرت في القرن 17 ودعت الى تبسيط طقوس العبادة والتمسك الشديد بأهداب الدين والاخلاق والفضيلة» ولهذا ظلت اسرته ممتنعة عن الذهاب الى المسرح حتى بعد أن اصبح سنيج مديراً لمسرح آبي وكاتباً مشهوراً. تلقى سينج تعليمه في كلية مسيحية Trinity Colleage ودرس الموسيقى قبل ان يذهب الى باريس سنة 1894م ليلتحق بجامعة السوربون ويقوم بتدريس الانجليزية في نفس الوقت وقد قادته دراسته في فرنسا الى اكتشاف اهمية دراسة تاريخ وطنه ايرلندا ودراسة لغتها بعد ان استمع الى محاضرات عنها في السوربون. ثم كان ان تعرف على ييتس في باريس وكان بينهما اللقاء التاريخي 1897 الذي غير فحوى حياة سينج الفنية، فقد اكتشف ييتس حقيقة مواهب الشاعر الشاب وقال له نصيحته المشهورة:
عليك ان تغادر باريس لانك لن تستطيع ان تقدم جديداً من خلال دراسة راسين وآرثر سيمونز، وان كنت شيئا فلن تكون اكثر من ناقد للادب الفرنسي، عد الى وطنك واذهب الى جزر الآران Aran Islands. عش هناك كما لو كنت واحداً من اهلها، واكتب عن حياة اناس لم يعبر احد عن مشاعرهم من قبل.
وبالفعل استجاب سينج لنصيحة ييتس المخلصة وعاد الى ايرلندا وابتداء من سنة 1898م ظل سينج يتردد على جزر الآران في زيارات مطولة لعدة مرات حتى استوعب تجربة الحياة هناك والتي انعكست على كل مسرحياته وفلسفتها ولغتها المتميزة، فقد كتب سينج مسرحياته بلغة نثرية تقترب من لغة العصر الاليزابيثي التي وجدها لاتزال مستعملة في بعض اجزاء ايرلندا، وقد انعكست شاعريته وتجربته الخاصة على لغته فأكسبتها ثراءً وتميزاً لم يعرفه غيره، ويفسر تي.اس اليوت T.S.Eliot هذه الظاهرة فيقول:
تعتبر لغة مسرحيات سينج حالة خاصة لانها تعتمد اساساً على لغة أهل الريف الشاعرية في صورها وايقاعاتها.
واعتبر ان سينج قد ادخل في حوار مسرحياته الكثير من التعبيرات التي سمعها من اهل الريف الايرلندي. ان لغة سينج لا تصلح الا لمسرحيات تدور احداثها في نفس بيئة هؤلاء الناس الذين كانت لغتهم شاعرية ولهذا يظل ابطال سينج دائماً شخصيات حقيقية.
السعي إلى المجهول
كتب سينج أولى مسرحياته سنة 1910 بعنوان «عندما يغيب القمر» When The Moon Has Set» ولكنها لم تمثل ولا يعتد بها في أعماله المهمة. والحقيقة ان مسرحية «في ظلال الوادي» In The Shadow of the Glen «1907» اولى مسرحياته التي عرضت على خشبة المسرح. ومثل معظم مسرحيات سينج فإن قصة هذه المسرحية تقوم على احداث وقعت بالفعل أو عاشها الشاعر نفسه من جزر الآران. وعقدة المسرحية تصور فلاحا فقيراً يريد ان يعاقب زوجته لشكه في سلوكها المشين ومغازلتها لرجل غريب جوال، فيدعي الزوج الموت وتبدأ المسرحية بالزوج ممداً في غرفة كوفه الصغير على ذلك الوادي المنقطع ولا حو له احد الا زوجته، فتشعر الزوجة بالامان وتبدأ تدبر خطط المستقبل مع عشيقها وفي النهاية ينهض الزوج ويطرد زوجته خارج الكوخ فتخرج غير آسفة معتقدةً ان الرجل الغريب ينتظرها عند منحدر الطريق لتهرب معه.
مسرحية قصيرة وعقدة بسيطة عبرت عن نزعة الخروج على المألوف في النفس التي ان لم تلزم نفسها بقيم الخير والفضيلة تاهت في عمى الضلال، فما كان الرجل الغريب بالنسبة لزوجة الفلاح الا الوسيلة التي اعتقدت انها ستقودها الى العالم المجهول خارج كوفها الصغير وعالمه الفقير، وقد قوبلت هذه المسرحية باستياء من كثير من مواطنيه الذين يعتقدون ان المرأة الايرلندية ابعد ما تكون عن الخيانة!
الإيمان بالقدر
اما مسرحية «الراكبون» الى البحر The Riders to the Sea» التي عرضت سنة «1904» فقد نالت شهرة كبيرة واعتبرها النقاد افضل مسرحية قصيرة في الادب المكتوب بالانجليزية، وهي خير نموذج لصراع الانسان مع الطبيعة وتسليمه بالقدر. تدور احداثها في مطبخ احد الاكواخ بجزر الآران. وتصوره مأساة امرأة عجوز، موريا، التي فقدت زوجها وخمسة من ابنائها في البحر ويبدأ المشهد بالاختين كاثلين ونورا تتحاوران حول قطعة من الثياب الممزقة جلبها لهما القسيس للتعرف عليها ان كانت لأخيهما مايكل الذي ابتلعه البحر منذ تسعة ايام مضت. تدخل عليها الام في الوقت الذي يصل فيه الابن الاخير بارتلي معلناً بأنه قدر ان يركب البحر تحاول امه ان تثنيه عن عزمه مذكرة اياه بأبيه واخوته الخمسة وان عليه ان ينتظر على الاقل حتى تظهر جثة مايكل ليشرف على دفنها.
ويصمم بارتلي على الذهاب محتجاً بان هناك سفينة قادمة وسوقاً للخيل لابد ان يحضره. تطلب كاثلين من امها ان لا تدع بارتلي يسافر بدون دعواتها فترجوها ان تلحق به لتعطيه بعض الخبز وتباركه برضاها حتى لا يموت وهي غاضبة عليه. وفي هذه الاثناء تتعرف نور على خياطة يدها في قطعة الملابس وتتأكد انها لأخيها مايكل وانه كما قال القسيس قد دفن دفناً كريماً في الشمال، وهذا خبر سيريح الام على أية حال. ولا يمر وقت طويل حتى يعود بارتلي الى امه جثة هامدة، لقد اوقعه المهر الاشهب في البحر. وتستقبل الام نبأ موت آخر اولادها برباطة جأش وصبر وايمان واستسلام للقضاء والقدر، وتستنزل الرحمة على روح زوجها واولادها ثم تقول:« لقد دفن مايكل مدفناً كريماً في الشمال ببركة من الله، وسيكون لبارتلي تابوت جيد من الالواح البيض ومدفن عميق بكل تأكيد. اي شى نريد اكثر من هذا. لن يعيش انسان الى الابد وعلينا ان نقنع بذلك». وقد اعتبر الاستاذ محمد قطب في كتابه «منهج الفن الاسلامي» هذه المسرحية من الاعمال التي تتفق مع التصور الاسلامي للادب للقيم الانسانية التي تعبر عنها.
وقد كتب سينج مسرحيات اخرى مثل «بئر القديسين» The well of Saints «1905»، «فتى الغرب المدلل» The Playboy of the Western World «1907 ، «زفاف السمكري»The Tinkers Wedding «1909»، و«ديردرا فتاة الاحزان» Dierdra of the Sorrows «1910». ولعل «فتى الغرب المدلل» و «ديردرا فتاة الاحزان» أفضل هؤلاء وأكثرها شهرةً.
أوهام إنسان
فعقدة مسرحية «فتى الغرب المدلل» تدور حول فتى خجول ضعيف يدعى كريستي ماهون يصل به الخيال لدرجة الاعتقاد بأنه قتل والده، فيهرب الى قرية بعيدة، ويبالغ في تصوير ما قام به حتى يكتسب اعجاب اهل القرية فينظرون الى جريمته من قتل والده بأنها عمل بطولي، ويكتسب نتيجةً لذلك قلب الفتاة بيجين التي كانت مخطوبة لغيره ، وفجأة يظهر والد كريستس فيكتشف القرويون كذبه، ومع انه يحاول ان يقتل والده حقيقةً هذه المرة الا انه يفشل في اكتساب اعجاب اهل القرية، وكأن غشاوةً قد زالت عن اعينهم ينظرون اليه الآن كمجرم لا كبطل. ويجر الوالد ابنه الخائب عائداً به الى قريته تاركاً فتاته تندب حظها الكسيح على فقدان فتى الغرب المدلل!
وقد لقيت هذه المسرحية عاصفةً كبيرة من اعتراض الجمهور الايرلندي، وكان كل عرض بمثابة زوبعة ليلية، ولقيت عروضها في امريكا نفس الضجة حين قدمها مسرح آبي في احدى جولاته. لقد فهمت المسرحية بأنها هجوم على تقاليد القرية الايرلندية وعلى الفتاة الايرلندية ولم تؤخذ على انها نقد اجتماعي ساخر وتصوير كاريكاتيري للمجتمع الريفي الايرلندي. وقد دافع ييتس عن سينج باقتناع كما دافعت عنه السيدة جريجوري رغم انها لم تكن معجبةً بالمسرحية!
الحب والموت
اما مسرحية «ديردا فتاة الأحزان» آخر أعمال سينج فلم يكتب له ان يراها على خشبة المسرح. فقد اعدها للعرض كل من ييتس والسيدة جريجوري والممثلة مولي اولقود Molly Allgood الفتاة التي احبها وخطبها سينج ومات قبل ان يتزوجها. وقصة المسرحية مأخوذة عن اسطورة ايرلندية قديمة تروي بأن الفتاة ديردا المخطوبة للملك كونشبر تهرب مع فتى تحبه ا سمه ناسي، وبعد سبع سنوات امضياها معاً يعودان الي ايرلندا بعد ان وعدهما الملك بالعفو، ولكنه ينكث بوعوده فيقتل ناسي ويأخذ الفتاة التي تفضل ان تقتل نفسها. وقد صور التوتر الدرامي في هذه المسرحية المفارقة بين ايمان ديردرا العميق بخلود حبها لفتاها وبين شكوك ناسي من استمرارية هذا الحب طويلاً. ورغم معرفة ديردرا بأن الموت ينتظرها عند العودة الى ايرلندا فانها قد آثرت العودة والموت على المخاطرة بحبها لزوجها.
سينج وييتس
ولقد كان اختلاف المنهج والفلسفة في العمل الدرامي لكل من سينج وييتس قد جعل من سينج كاتباً في المقام الاول وشاعراً في المقام الثاني بينما اشتهر سينج بأخذ موضوعاته من الواقع الايرلندي المعاصر ثم يضعه في نسيج اسطوري ويضفي عليه ملامح انسانية عامة لايحدها زمان ولا مكان. وكان ييتس علي العكس منه يأخذ موضوعات اسطورية ويحاول ان يعكس خلالها على الواقع المعاصر مما يجعل اعماله تكتسب جلال الاسطورة لكنها تبقى غامضة في صلتها بالواقع.
وقياساً الى العمر القصير الذي عاشه والمسرحيات القليلة التي كتبها فان سينج قد حقق نجاحاً كبيراً فقد ظلت شهرته، تنمو و مكانته تعلو من بعده وهو يعتبر اليوم باعتراف معظم النقاد افضل كاتب مسرحي انجبته حركة النهضة الايرلندية، فقد كانت اعماله من اهم الاعمال التي اعطت للمسرح القومي الايرلندي شخصيته الوطنية وسماته الانسانية، وبعد وفاته سنة 1909، بدأ مسرح آبي Abbey Theatre يخسر اعلامه، فقد كف ييتس 1910 عن الكتابة له على وجه الخصوص، واعتلت السيدة جريجوري الكتابة المسرحية سنة 1912 ولكن بعد ان اعطوا للمسرح الايرلندي هوية وأقاموا له أسساً وارسوا له تقاليد.
المصادر
1 Boyrgeois, mauriece, synge and the lrish Theatre new york, 1950
2 Byrne,dawson,the Story of Irelands Natimed Theatre,Dublin,1929
3 EllisFermor, The lrish Dramatic Movement, London 1939
4 Grene, David H.,and Stephens,E.M. J.M.synge,1871 1909, new York,1959
5 Skelton, Eobin. J.M.synge and His world, London, 1971
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved