الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 31th March,2003 العدد : 4

الأثنين 28 ,محرم 1424

مطالعات
«رجاء عالم» بمحاذاة برزخ الغياب:
«موقد الطير» رواية تأخذ أقصر السبل الموحية
عبدالحفيظ الشمري
الروائية والكاتبة رجاء عالم صاحبة تجربة كتابية مميزة؛ سِرُّ تميز هذه الكاتبة يتمثل بعمق مشروعها، وبحجم قضيتها الأنثوية شبه الدائمة... فمشروعها الابداعي يذهب دائماً نحو «الفكرة العظيمة»، وهو مفهوم دأبت الكاتبة رجاء عالم على اقتفاء حساسيته لتجعله هماً لاعجاً حد الأرق؛ بل تسعى إلى بلورته على نحو ما نراه الآن في رواية «موقد الطير» تميز آخر لرجاء عالم يتأكد بوجود قضية ما في كل عمل من أعمالها.. فها هي هنا تستميل الذاكرة من أجل أن تمنح (الراوي/ الحكاء) فرصة مناسبة للبوح بما عنَّ من أفكار وطروحات ورؤى تأخذ شكل الجمالي من اللغة.. لا سيما لغة الكاتبة في هذا العمل تحديداً؛ إذ نرى لحظة الاستهلال وقد تمازجت بهدوء الوصف لرحلة الإنسان في رؤى المنام وبحاجة إلى غذ المسير نحو مزيد من اكتشاف الذات على نحو ما فعل «شراحيل» والفتاتان «حورية» و«عائشة»
إطلالة السر على فضاء الروح الخابية..
تدخل الكاتب رجاء عالم في دائرة «الفكرة العظيمة» بشكل مباغت لحظة أن تجعل الذات مسرحاً للبوح والرصد والتأمل.. فها هم الثلاثة شراحيل وحورية وعائشة وعبر رؤى منام عائشة يصعدون إلى القمة.. نحو الأعالي.. ليعد الرجل سيرة صراع الانسان مع «القمة» حيث يقول متيقناً بشقاء ومكايدة (لتقبل القمة دخولنا).
هي رحلة نحو الذات؛ من أجل الغوص في تفاصيل تلك الفسيفساء البراقة للوعد بما هو أفضل وأروع وأقوى في الدهشة والتأثير.. فرائص المرأة ترتعد كعادتها حتى في الأحلام لكنها تقف بتجلد وفاجعة لترقب عالمها الأول طفولتها حينما شهقت «هذه دميتي»، لتنثال بعد اعادة التفاصيل جل تلك الذكريات التي كانت تحسبها قد ذهبت في أدراج النسيان لكنها عادت إليها في رقدة هذه الليلة العصيبة..
«عائشة» ملهمة الراوي بعض الأشجان واللواعج تذكي دائماً نار الشوق لمصافحة ذلك الماضي من خلال امتطاء صهوة السرد للسير نحو عوالم الروح الخابئة هناك على حدود ذلك العالم اللا مرئي؛ والذي تختطه رجاء عالم رغبة منها في بناء مفردة السرد الموائمة بين الواقع المر، والأحلام المتزاحمة في فضاء الخيال.
صراع الحي.. جلسات الحساب الشاقة..
تتواثب على ذات القارئ جملة من الرؤى في رجلة سبر أغوار النص، والتقاط مفرداته العصية.. ليظل المشهد الموحد وجه «عائشة» لحظة أن تلوذ ببيتها الكبير.. بقايا أهل «آدم» هؤلاء الذين يصارعون الفناء والتلاشي وقطع الخلف.. موت «حورية» يأتي على صورة تجاذب نفسي بين قضيتي الحضور والغياب؛ هذا الحضور الماثل بتفاصيل يوم «عائشة» وذاك الغياب المتمثل ببوزخ الذكريات الغائبة.
وفي رواية «موقد الطير» صراع قوي بين نقيضي الوجود «الموت والحياة».. تلك الفلسفة الطويلة التي عُنَيتْ رجاء عالم في تفاصيلها منذ فجر اعمالها الروائية الأولى؛ فها هي في «موقد الطير» تنبش ركام الذكريات لتخرج لنا من حطام هذا الوجود جوهرة لا تكف عن صقلها بقماشة سرد الحكاية تلو الأخرى من أجل أن تكتشف في لحظة التنوير الأخيرة حجم الفاجعة التي تكون عليها نهايتنا المهيأة دائماً للمغادرة والرحيل صوب عوالم الغياب المبهم دائماً، الغامض كوجه ملثم بتوقٍ لمعانقة الضياء..
المرأة في السرد موقد للعشق والاشواق..
تهيل الروائية رجاء عالم على فضاء رواية «موقد الطير» نُفَاضَاتَ العشق الذي يساق عادة على هيئة ادعاء مضلل ببلوغ غايات الأشواق.. تقول الكاتبة إنه غاية الشقاء لحظة أن يكرر من البرزخ البعيد تلك الاوهام المنكرة.. تلك التي لا تخرج عن إطار ولع الحكاء في بوح يوائم معضلة البحث عن وقود تحرق به الأشواق لذلك الغريم المعاند..
نحن أمام ضفائر كبيرة من لغة السر.. حكاية ضالعة بالموت؛ كضلوعها في ترتيبات رحلة البحث عن حياة في بقايا «حورية»؛ حكاية تصوغ تفاصيلها «عائشة» للبحث عن «الذرية» التي تصل ماضي آدم بمستقبله حيث تفعل تلك الطقوس: «لحاجة عميقة لجسدها أن يغتسل بذات القراءات التي تغسل توأمه» (الرواية ص55).
الرواية سياحة خاصة جداً يجوس فيها القارئ عوالم «عائشة» وخبايا حياتها التي حاولت أن توائم فيها بين أنوثتها وبين كونها جسراً لحمل الأجيال من ماضي أهلهم إلى مستقبل يرون فيه فاتحة حلمهم»
هي لحظة تأمل عميق لما آلت إليه رغبة الانسان وحاجته للعشق حتى تتحول هذه «الرغبة» في تضاعيف الرواية إلى نوعٍ من الخروج عن مداومة العناء إلى عالم أشد تيهاً؛ يخلف وراءه إضمامة من الأواهم والنقائض والحدسيات اللاعجة.. رحلة الشخوص في الرواية مكايدة بائنة تتعلق فيها الأنثى تحديداً بقشة من تلك الأحلام الواهية لعلها تعيد مجد الأنثى الاسطوري إلى وجود عائلة آدام.. تلك التي تبحث عن الذرية في أرحام النساء المثقلات بتاريخ طويل من المكايدة في البحث عن الذات والسعادة..
إشارة:
* موقد الطير «رواية»
* رجاء عالم
* المركز الثقافي العربي المغرب
* الطبعة الأولى 2002م
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved