الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 31th May,2004 العدد : 61

الأثنين 12 ,ربيع الثاني 1425

يوم عرفت المناع
علي محمد حسون

كان ذلك في منتصف الثمانينيات الهجرية.. كنت أحد الذين يبدؤون مشوارهم ليغوصوا في هذا الخضم العجيب في البحث عن (مهارات) الكلمة وخصائص الحرف، وكان هو (نجماً) ساطعاً منذ أن كان أحد كتَّاب (الرائد) الذي (تهجينا) فيه وعليه.. حروف (الفهم)، وكان هو يبعث بمقالاته.. وتهويماته من على شاطئ الاسكندرية.. ومن احيائها الشعبية.. المغسولة بالندى، بتلك الأناقة في الأسلوب وبتلك الرشاقة في الحرف.. وبتلك الجمالية في الكلمة، كان محشواً بتلك الارهاصات لكاتب مميز.. ومتميز في عصر كان أكثر تميزاً.
كنت أيامها أجد في حرفه شيئاً كاللهب يلسع داخلي، بقدرته على مناكفة كل ما يمور في نفسي من تطلع ورغبة في معرفة تلك الحكايات عن عوالم أهل الحرف وصناع الكلمة.
وعندما لملم أوراقه (وبقَّش) (ملابسه) ورتب لوازمه.. وعاد قافلاً إلى مرتع صباه.. ومرابع شبابه.. وإلى ذلك الشاطئ الذي حمله (ابوته) بما كان يكتب تحته (ابن الشاطئ)، أخذته جريدة (المدينة) وقد (قُفلت) (الرائد) بالضبة والمفتاح.. بعد أن انصرف أو صرف عنها (الفتى مفتاح) لتأخذه (جريدة المدينة) وهي القادمة من تلك المدينة الحبيبة والتي لها في نفسه ذلك الحب الهائل.. أخذته.. بشبابها.. الضاج بالحركة.. وببريقها الوهاج، وبحرفية طرحها.. وبتلك الكوكبة الشابة فيها ليكون أحد كتابها اللافتين واللامعين ليزداد اهتمامي بحرفه وبما يكتب، ويصبح شيئاً كأنه (الجنون).. إلى أن كان ذلك في منتصف الثمانينات الهجرية ان لم تخن الذاكرة، وبالتحديد في منتصف شعبان.. لا أعرف أي عام كان عندما اقتحمت عليه (عيادته) التي كانت تطل على شارع الملك عبد العزيز غرباً والذي كان يشاهد من ركن بلكونتها بعض مقاعد كازينو الشاطئ الوحيد والعجيب أيامها.. وتطل على بداية شارع قابل شمالاً.. كان يعتقد أنني أحد الذين يراجعونه كطبيب، لكن فوجئ بي عندما عرف انني قادم من المدينة المنورة ولزيارته.. ادهشه هذا وهو يرى ما احمله من بعض ورد ونعناع المدينة، فلم يتمالك نفسه وهو يقف خلف مكتبه ومن خلف نظارته السوداء وبذلك القميص الناصع البياض وذلك البنطلون الرصاصي اللون قائلاً وهو يخرج من خلف مكتبه ممسكاً بيدي: تعال، لنقعد على مقعدين متقابلين في شرفة عيادته.. وبفرح (طفولي) بدا لي بصفائه.. وبقهقهته المجلجلة والصافية قال: سوف تفرح أمي بهذا، مشيراً إلى الورد والنعناع.. وبسرعة طلب من الساعي أن يعمل شاياً مخلوطاً ببعض هذا النعناع.
كان عبدالله مناع يومها أكثر من (نجم)، سرَّه كثيراً عندما راح يستمع إلى بعض ما أقوله وأنا في ذلك (السن).
وببراءته قال لي:
كم عمرك؟
قال ذلك وهو يسمعني احاوره واسأله عن (اللامنتمي) وعن (معشوقه) سارتر وعن ما كان يُعرف أيامها بحركة (الغموض) في الكتابة.. وعن الشعر الحر.. وكان منحازاً إلى العواد.. وكنت أنا منحازاً إلى الأستاذ عبدالعزيز الربيع.
ومن يومها.. ربطتني (بالمناع) علاقة تجاذب.. وانجذاب.. لكن السؤال:
هل يذكر المناع كل هذا؟
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved